ماذا عن إيران؟

03 مايو 2018
وزير الخارجية الأميركي مع الرئيس ترامب (Getty)
+ الخط -



لا يستطيع العرب، أينما كانوا، أن يتجاهلوا إيران ووجودها القوي في المنطقة، وخصوصاً في هذه الأيام العصيبة. ونحن لا ننسى أنه، حتى أيام حكم الشاه في إيران، وقبل اندلاع الثورة الإسلامية فيها، كانت هنالك مطالبات إيرانية بأراضٍ عربية.

وقد جرت محاولة لاحتلال إحدى دول الخليج، لولا تدخل الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال لدى الشاه، وتحذيره الشديد له بأن عملية كهذه قد تأتي على الشاه بما لا تُحمد عقباه. وأوقف الشاه محمد رضا بهلوي تلك المحاولة، لكن عرشه سقط بعد ذلك بسنتين.

ولو تتبعنا الأحداث، لتذكّرنا أن أول اكتشاف للنفط في المنطقة كان في عبدان (إيران) عام 1909. وفي تلك السنة، أنشأت وزارة الخارجية الأميركية دائرة جديدة فيها، هي دائرة الشرق الأدنى.

وقامت شركة ستاندارد أويل بمساعيها المتواصلة، من أجل الحصول على امتيازات للتنقيب عن النفط في منطقة الخليج. ولكن الاستعمار البريطاني آنذاك ألزم كل دول الخليج بين الأعوام 1913-1916 بتوقيع اتفاقاتٍ تمنعهم من تأجير الأراضي، أو تفويضها، أو بيعها، إلا بموافقة المندوب السامي البريطاني.

ولكن مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضغط شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا، وصاحبها جون روكفلر، وبجهود متواصلة من الرئاسة الأميركية، وبسبب تدخل وسطاء نشيطين في المنطقة، ومنهم بيرسي كوكس البريطاني الذي يشاع أن روكفلر أغراه بالعمل لصالحه، وقعت عام 1926 اتفاقية بين الملك عبد العزيز بن سعود وشركة ستاندارد، منحت بموجبها الشركة حقوق التنقيب عن النفط شرق المملكة العربية السعودية.

ولكن النفط اكتشف أول مرة في الخليج في البحرين عام 1932، ولذلك ازدهرت منطقة البحرين. وجاءت شركة النفط المستثمرة هناك بعمال كثيرين من إيران (عبدان وما حولها) للعمل في آبار النفط. وهكذا بدأ التغير يظهر في التكوين الديمغرافي للبحرين، علماً أنه كانت في البحرين عائلات شيعية منذ زمن طويل.

وكذلك جيء بعمالٍ من إيران للعمل في النفط المكتشف شرق المملكة العربية السعودية (الإحساء). وصارت هنالك مجموعة كبيرة من الشيعة التي تعيش فيها، بالإضافة إلى القبائل الشيعية التي كانت تعيش هناك من قرون خلت. وهكذا ساهم النفط في كل من البحرين والإحساء بتغير البنية الديمغرافية والسكانية في هاتين المنطقتين.

وفي ضوء الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو، أخيراً إلى المنطقة، تجلى بوضوح أن السياسة التي يتبعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في المنطقة قد اكتسبت نصيراً جديداً في الإدارة.

ففي الرياض، أكد على وحدة دول الخليج، ودعا المملكة إلى حل الأزمة الخليجية بأسلوبها الذي ترتئيه، ولكن بسرعة من أجل توحيد الدول الست ضد إيران، أو العودة إلى زيارة وزير الخارجية الأميركي الأسبق ألكسندر هيغ عام 1980، وانطلاقة مجلس التعاون الخليجي تحالفاً دفاعياً عام 1981.

وفي إسرائيل، بدا أنَّ بومبيو يعكس رأي رئيسه في ضرورة إعادة فتح باب التفاوض بشأن اتفاقية منع تطوير إيران قدراتها البالستية، والقادرة خلال الأعوام بعد 2025 على حمل رؤوس نووية مسافات تطاولُ إسرائيل في العمق. وأكد على ضرورة الحد من النفوذ الإيراني في الدول العربية، خصوصاً سورية، ولبنان، والعراق، واليمن.

وفي عمّان، ركّزت الزيارة على ضرورة الوصول إلى حل سلمي مع إسرائيل، وعلى البعد السوري. ومن غير الواضح مما رشح من أخبار، إذْ طالب الضيف الأميركي من الحكومة الأردنية الإسراع في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو إذا وعد الأردن بأي مساعداتٍ اقتصادية إضافية، أو إذا حملت عمان رسائل إلى السلطة الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في رام الله. وبالطبع، ما يهم الأردن حالياً هو الوصول إلى سلام قائم على دولتين، وعلى عدم المساس بالدور الهاشمي بالوصاية على الأماكن المقدسة في بيت المقدس.

وما يجب التنويه إليه هنا أن القضية الإيرانية تقوم على الشك بنوايا إيران، وبرغبتها الجامحة في توسيع هيمنتها داخل المنطقة، ما يشكل تهديداً لدول الخليج وغيرها من حلفاء أميركا والغرب. ولكن الذهاب بهذا السيناريو إلى حد دق طبول الحرب مع إيران قد ينطوي على كارثةٍ كبرى. ولعل بدايات هذه الكارثة هو التحذير من قيام حرب بين إسرائيل وإيران في سورية. وهذا ما لا يمكن أن تقوم به إسرائيل وحدها، بل بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول أوروبية وخليجية، وربما دول أخرى.

وسواء حصلت الحرب هذه أم لم تحصل، فإن مجرد اعتبار إيران العدو الأول أصبح مصدراً كبيراً للدخول في صفقاتٍ بمئات المليارات مع الولايات المتحدة، هذا عدا عن مطالبات الرئيس ترامب بعدد من تريليونات الدولارات مقابل ما قامت به أميركا من خدمات عسكرية ونفطية لدول الخليج حتى الآن، متناسياً أن جردة حساب دقيقة ستكشف أن الولايات المتحدة هي المستفيد الكبير، وبمقادير كبيرة، من استثماراتها وعلاقتها مع دول النفط العربية.

يود الأوروبيون التفاوض مع إيران على نار هادئة، لوضع بنود إضافية على الاتفاق النووي المعقود عام 2015. وإيران، على لسان قادتها، خصوصاً رئيس الجمهورية، حسن روحاني، ترفض أي تعديلٍ على ذلك الاتفاق، ولكن الأسلوب الأوروبي هو الأنجع. وقد سبق وأن أدى إلى وقف النشاط النووي الإيراني، فهل يكون هذا السيناريو خيراً لنا من الدخول في حروب، أو دفع مبالغ طائلة للحماية الأميركية ضد عدو قد يكون التفاهم معه ممكناً.

هل بالإمكان قيام تفاوض أميركي إيراني مستقبلاً يكون على حساب منطقتنا؟ هل بالإمكان تشكيل تحالف عربي يضم الخليج ودولاً مثل مصر والأردن وتركيا، ليكون قوياً إلى درجةٍ كافيةٍ، يجعل احتمالات الوصول إلى تفاهم مع إيران أكثر احتمالاً؟

تساؤلات لا بد أن يطرحها كل مفكر استراتيجي، يسعى إلى التأمل والتدبر في الاحتمالات المختلفة لوضع استراتيجية عربية تكسب العرب احتراماً أكثر من خصومهم وأعدائهم، وتحفظ لهم أموالهم ومواردهم لمستقبل أكثر صعوبة. هل لنا في الحوار الجاري بين الكوريتين ما نستفيد منه في معالجتنا الإشكالية الإيرانية؟
المساهمون