ماذا جرى للربيع العربي؟

16 ديسمبر 2014
الحراك التونسي فجّر الربيع (فرانس برس)
+ الخط -


أحتفلُ اليوم على صعيد شخصي بمرور أربع سنوات على افتتاح حسابي في "تويتر"، أي في اليوم نفسه الذي أقدم فيه الشاب التونسي محمد بو عزيزي على إشعال نفسه، قهرا من موقف تعرض له، ولم يجد خلاله من ينصر ضعفه بمواجهة السلطة الطاغية المتمثلة في شرطية صفعته ظلما، ليصبح بعد ذلك أيقونة لموسم الربيع العربي في كل مكان.

ورغم المفارقة الشخصية التي لا تعني أحدا سواي، إلا أنني أنطلق منها كأرضية لرؤية ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية، التي عشناها كعرب في خضم ذلك الربيع بصورته الثورية وتداعياته المؤسفة والمأمولة.
لم نكن قد انتبهنا بعد لما حدث في تونس عندما خضنا تجربة ما حدث في مصر لاحقا. كان الحدث التونسي بعيدا نسبيا، ثم إنه مفاجئ وغريب قليلا بالنسبة لنا كمشرقيين وعرب، بالإضافة إلى أنه أتى كحدث تونسي محلي خالص ومنفرد بذاته. أي أنه لم يأت بعد في سياق عربي شامل، وبالتالي فقد كانت نظرتنا له قاصرة ومحدودة.
وأزعم أننا لم نلتفت له إلا بعد تفاقم الحدث الثوري المصري على مدى ثمانية عشر يوما بعد ذلك. كانت عبارة المواطن التونسي "بن علي هرب. بن علي هرب"، التي أُعلن من خلال تكرارها الملح بين برامج ونشرات قناة "الجزيرة" في ذلك اليوم نجاح الثورة التونسية بشكل عفوي، ومن خلال الجانب الجماهيري، قد لفتت الأنظار إلى ما يمكن أن تفعله رياح التغيير التي هبّت على المنطقة العربية بأكملها كما بدا لنا.
كنت أتابع النبض الجماهيري تجاه الثورات من خلال حسابي على "تويتر" الذي أصبح بالنسبة لي ثورة بحد ذاته، فمع بداية الحراك العربي الربيعي بدأت نشاطي عليه، مع توسع رقعة الحراك وتمدده وانتشاره زاد عدد تغريداتي وعدد من أتابعهم ومن يتابعونني أيضا. وهكذا صار من السهل علي أن أنظر لحركة التدوين العربي على "تويتر" وكأنها معادل موضوعي راصد لحركة الجماهير على الأرض في كل مكان.
ومما ساهم في ترسيخ تلك الرؤية النشاط التويتري المحموم للمدونين والمغردين المصريين الذين نقلوا صوت ثورتهم إلى المتابعين العرب، وربما العالم كله بوضوح شديد وخفة دم مأثورة، حتى بدا وكأن العالم كله مشارك في ثورة يناير في مصر.


أصبح ميدان التحرير بؤرة للكرة الأرضية كلها، يتبادل العالم الأخبار والصور والشعارات والنكات الواردة منه، وأحيانا يستعيرها بعد أن يضفي عليها صبغته المحلية ليستعين بها على مواجهة السلطة في بلاده.
كانت ثورة الياسمين التونسية تشق طريقها بنجاح بطيء عندما اجتاحتها ثورة اللوتس المصرية بضربات خاطفة وحركات دراماتيكية سرعان ما أصبحت لدى عشاق تلك الثورة في كل مكان غير مفهومة.
وبين انشغالنا جميعا ببؤر أخرى اندلعت للربيع العربي، في صنعاء وفي طرابلس وفي دمشق، وبالبؤرتين القديمتين المتحركتين في خطوات متفاوتة السرعة والاتجاه أحيانا، ظهر فريق ثالث من العواصم العربية الأخرى، يقاوم تحركات جماهيرية مأخوذة بما تحقق من حصاد آني لموسم الربيع حتى ذلك الوقت.
خفتت نبرة الشعار العتيد والشهير "الشعب يريد" أثناء ذلك كله لصالح شعارات مرحلية متنوعة ترجمت ذلك الخليط الذي أصاب المواطن العربي بتلبك معوي، وهو يحاول هضمه، وهو لا يكاد يفهم مكوناته.
كانت انتكاسة الثورة المصرية أمام خيار الانقلاب العسكري قد أشهرت سلاح السخرية الفظ من تطلعات المواطن العربي البسيطة لحكم ديمقراطي يوفر له العيش بحرية وعدالة وكرامة.
ما الذي جرى للربيع؟ وهل كان ربيعا فعلا؟ كان هذا السؤال المزدوج هو سؤال الخيبة الذي وجدت الجماهير العربية نفسها الآن في مواجهته بعد مضي أربع سنوات من التداعيات العنيفة والمظاهرات المستمرة والدماء المسالة والسجون والاعتقالات.
لكن الإجابة عليه، كما يبدو، ليست مهمة جدا للشباب الذي رغم كل شيء آمن أنه قادر فعلا على إحداث الفارق في تاريخ أمته، وأن عصر الصمت قد ولّى إلى الأبد.

• إعلامية وأديبة من (الكويت)