يُخاطبك فيسبوك أحياناً: "عبّر عن نفسك"، ويسألك أحياناً أخرى: "كيف حالك؟". إنه يحرّضك على النشر ليس إلا، غير أنه لا يسألك: "ولكن، ما الذي تفعله هنا؟". وحدهُ السؤال يعود ليطرح نفسه بين الفينة والأخرى، لتتلقّفه وتردّد: "فعلاً، ما الذي أفعله هنا؟".
قبل أن يُصبح "الموقع الأزرق" أكثر الشبكات الاجتماعية انتشاراً، ظهرت فكرةُ المدوّنات الإلكترونية مُبشّرة بـ "إعلام المواطن". شاخت الفكرة وهي لا تزال في المهد، فانفضّ الجمهور من حولها وأقبلوا على الوليد الجديد الذي استند أساساً على فكرة التواصل الاجتماعي، لكنه لم يلبث أن أخذ دور "إعلام المواطن" من التدوين الإلكتروني الذي أصبحت صيغته السابقة من الكلاسيكيات.
لكن، هل كان أكثرنا تشاؤماً يتصوّر تلك المآلات التي جعلت الواحد منّا يطرح على نفسه السؤال السابق؟ ليجيب بأنه، فقط، يتابع توجّهات الرأي العام، بما أنه لا يستفيد شيئاً آخر.
هنا، لا يتحرّج "شاعر" من مخاطبة متابعيه "أنا شاعركم العظيم"، ولا يستحي "كاتب" من أن يكيل شتائمه للجميع كلّ يوم، ولا يتردّد "مثقّف" في حظر كلّ من يخالفه الرأي، ولا يتريّث "روائي" في اتهام آخر بسرقة روايته (من دون أن يطّلع عليها)، قبل أن يعود ويعترف بخطئه.
لو لم يكن فيسبوك موجوداً، لفكّر في الأمر مرّتين قبل أن يجهر به، أمّا وهو موجود، فأصبح "اللي في قلبي على منشوراتي". هكذا، سقطت الهالات وأطلّت العاهات من مخائبها، ولا نعرف، في الحقيقة، ما إذا كان ذلك عيباً أم ميزة.
اقرأ أيضاً: الحياة على سطح فيسبوك