ماتزولا يُورط "إنتر هيريرا"..قهوة المنشطات.. واتهامات السرطان!

11 نوفمبر 2015
+ الخط -


في الأيام الأخيرة، عادت قضية قديمة إلى حلقة الضوء من جديد، قضية أثارت الجدل قبل سنوات في إيطاليا والآن، وبعد شكوك واتهامات وحقائق مدفونة وتصريحات غامضة وتبرير غير مقنع أو منقوص أصبحت مجرد نسمة ريح تأتي من حين إلى آخر لتعيد ذكريات الماضي وتغذي نقاش الحاضر، ولكن في الشارع العربي ما حدث، أخيراً، أثار جدلاً كبيراً، وكان لتصريحات ساندرو ماتزولا صدى هائل بين عشاق الكرة الإيطالية في الدول العربية.

موضوع المقال، كما يوضح العنوان، هي قضية هيلينيو هيريرا واتهامات فيروتشو، شقيق ساندروماتزولا الموجهة إلى المدرب الأرجنتيني، وكونه كان يجبر لاعبي الإنتر حينها على تعاطي المنشطات بطريقة أو بأخرى.

ولكن قبل الانطلاق في هذه الرحلة، أود أن أشير إلى أن هذا المقال لا يهدف إلى تبرئة أو إدانة هيريرا، ولكن هدفه هو منح القارئ العربي كل الأدوات، لكي يكوّن فكرة وخلفية ولكي يلعب دور المحقق وأن يحكم بنفسه.

والبداية ستكون مع هيريرا نفسه، أي علينا أن نعرف الرجل لكي نحكم على تصرفاته. هيلينيوهيريرا كان رجلاً صارماً وقاسياً ويتابع كل التفاصيل والجزئيات، خريج أدب وفلسفة، وكان يقرأ بالإيطالية والإنجليزية والفرنسية. كان يعشق الجانب النفسي كثيراً لدرجة أنه كان يدون كل شيء يقوم به وكل شيء يتعلمه.

في كتابها تشير زوجته، إلى أن المدرب الأرجنتيني، كان عندما يستيقظ في الصباح يكرر عبارات تشجيع لنفسه، مثل، فقط عندما تؤمن بأنك فائز ستصبح فائزاً، أو أنا أقوى من أي شيء، وأنا لا يمكن أن استسلم أمام أي صعوبات. كما أنه كان في مدوناته يذكر كل مواصفات اللاعب الناجح في رأيه، مثل اللاعب المتزوج أفضل من اللاعب الأعزب لأنه لا يسهر. إذاً نحن نتحدث عن مدرب لا يتجاهل أي جزئية على الصعيد النفسي والبدني.

من هيريرا يجب أن ننتقل إلى شرح البيئة والمشهد في إيطاليا على صعيد الفحوصات ومحاربة المنشطات بتلك الفترة. في إيطاليا حينها الفحوصات كانت سطحية جداً، وفقط في عام 1971 تم وضع نص تشريعي واضح يضع قوانين وقواعد. إيطاليا ظلت سنوات تتساءل عمّا إذا كان الدراج الأسطوري، فاوستو كوبي، والذي فاز بكل البطولات المحلية والدولية في الخمسينيات كان يتعاطى شيئاً محظوراً أو ما كان يتناوله أثناء السباقات كان مجرد فيتامينات ومعادن ومقويات، وأن حكاية "لا بومبا" أي القنبلة بالإيطالية (مصطلح يشير إلى مشروب يعطيك طاقة وقوة خيالية) كانت مجرد كذبة لا أكثر أو أقل. يعني باختصار، لم تكن هنالك جهات مختصة تراقب كل الرياضيين وكل ما كانوا يتناولون من عقاقير أو مأكولات أو أطعمة أو مشروبات.

والآن نصل إلى صلب الموضوع، وهي اتهامات فيروتشو ماتزولا، الذي ذكر في كتابه أن هيلينيو هيريرا، كان يجبر اللاعبين على تناول حبوب قبل المباريات وكان يجربها أولاً على عناصر الاحتياط قبل الأساسيين.

وذكر فيروتشوان هنالك من كان يبصق هذه الحبوب في دورات المياه لأنها كانت تسبب دوراناص وغثياناً. ودائماً حسب ما أتى به فيروتشو، يبدو أن المدرب الأرجنتيني غضب كثيراً عندما علم بهذا الشيء، ولإجبارهم على تناول هذه الحبوب، كان يذوبها في القهوة وكان يجبر الكل على شرب تلك القهوة وإن فنجان القهوة قبل المباريات أصبح من مراسم تحضير اللقاءات.

ويستمر فيروتشوفي اتهامه، حيث قال، إنه بعد مباراة لعبها في عام 1967 ضد كومو، ظل ثلاثة أيام في حالة هلوسة واضطراب نفسي وذهني وشك حينها أن ما كان في القهوة كان مادة (الإمفيتامين).

هنا نتوقف لكي نشرح جزئية مهمة، مادة الإمفيتامين مادة منشطة، وكانت تستعمل في الحرب العالمية الثانية لمحاربة النوم وجعل الجنود قادرين على البقاء بدون أي نوم أو راحة لساعات طويلة وفي الستينيات في أوروبا استعملت هذه المادة المنشطة على نطاق واسع جداً بين سائقي الشاحنات ليظلوا يقظين أثناء رحلاتهم الطويلة لنقل البضائع عبر مختلف الدول الأوروبية.

الآن، لا نعرف ما الذي كان في القهوة، ولماذا هيريرا كان يصر على شربها قبل المباريات؟ وهل كانت تحتوي على مادة الإمفيتامين أم مادة الكرياتين؟ (بعضهم ذكر هذا الشيء في الثمانينيات عند اندلاع قضية المنتخب الإيطالي بطل العالم والاتهامات الألمانية بأن لاعبيه كانوا يتناولون مادة الكرياتين المحظورة حينها) أم نكهة القرفة فقط.

ما بوسعنا هو قراءة الأحداث فقط، وحسب فيروتشو الكثير من لاعبي الإنتر ماتوا بأمراض مختلفة بسبب تلك القهوة المشبوهة وحبوب هيريرا. ولكن من هم هؤلاء اللاعبون؟

أولهم كان أرماندوبيكي في عمر 36 عاماً، الذي توفي بسبب سرطان في العامود الفقري (لاعب أساسي مع هيريرا) ومن ثم مارتشيلو جوستي 54 سنة بسبب سرطان في المخ (لاعب احتياط) وتلاهما كارلوتونين، 68 سنة (لاعب احتياط) إثر إصابته بسرطان في العظام، وبعد ذلك أتى دور ماور بيتشيكلي، 66 سنة (لاعب احتياط) بسبب سرطان في الكبد، ومن ثم فيرديناندومينيوسي، 61 سنة (حارس احتياط) بسبب التهاب في الكبد، وبعده اينيا مازييرو، 76 سنة (لاعب احتياط) بسرطان في الدم، وجاشينتوفاكيتي، 64 سنة، (أساسي وكابتن الفريق) إثر إصابته بسرطان في البنكرياس، وبعد ذلك جيوز يبيلونغوني، 64 سنة (لاعب احتياط) بسبب مرض في عضلة القلب، وأخيراً، فيروتشوماتزولا، 68 سنة (لاعب احتياط) بسبب السرطان.

وعلينا أن نشير إلى شيء مهم، وهو أن أغلبية الموتى لم يكونوا أساسيين في الإنتر وفيروتشو نفسه يبرر هذا الشيء في كتابه. "هيريرا كان يجرب على الشباب والاحتياطيين قبل تقديم الحبوب للأساسيين".

بالتأكيد، لا يمكن لنا أن نوثق أو أن نكذب هذه الاتهامات بعد خمسين سنة، ولكن بمقدورنا ملاحظة شيء آخر. وهو ما يتعلق بنسبة المصابين بالسرطان مقارنة بالمعدلات الوطنية حينها، والتي كان يصدرها المعهد الإيطالي للإحصائيات والتي تشير إلى أن في أقليم لومبارديا في الستينيات السرطان كان يصيب أقل من 600 شخص كل 100 ألف نسمة، وهنا المعدل أعلى بكثير.

ولكن علينا ان نتعمق أكثر لإيضاح الصورة، لأن هنالك قضية أخرى يجب ذكرها، في عام 2000 المدعي العام لتورينو غوارنييلو، قدم ملفاً يذكر فيه أن في عالم كرة القدم من عام 1960 إلى عام 2000 توفي حوالي 165 لاعب كرة بسبب أمراض خطيرة، مثل السرطان والتهاب الكبد.

هل هذا يعني أن هيريرا كان بالفعل يجبر لاعبيه على تناول المنشطات وأنه استغل فراغاً على الصعيد التشريعي وأنه لم يكن الوحيد حينها الذي كان يتبع هذه الأساليب؟ وأن هذه الظاهرة الكل يعرفها والكل يتستر عليها؟ أسئلة ستظل بدون أجوبة؛ فنحن لسنا أطباء أو علماء، ما بوسعنا هو قراءة الإحصائيات والأحداث ونستمر في قراءتها والفصل التالي يخص اتهامات فيروتشو لهيريرا، والتي لم تتوقف على مسيرته مع الإنتر فقط، بل شملت حتى مغامرته مع روما وحسب فيروتشو أدوية هيريرا هي المسؤولة عن موت لاعب روما الشاب جوليانو تاكولا بسبب نوبة قلبية أثناء مباراة روما كالياري.

لكن فيروتشو اتهم عالم كرة القدم عامة، وبشكل موسع قبل سنوات، حيث أشار إلى أن فرق مثل فيورنتينا ولاتسيو، كانت تجبر لاعبيها على تناول عقار اسمه فيلوسكون والذي يحتوي بدوره على مادة الإمفيتامين والتي في رأيه سببت موت لاعب فيورنتينا فيروتشو بياتريتشي، 34 سنة (بسرطان الدم) وموت لاعب فيورنتينا أو غوفيرانتي، 59 سنة بسبب سرطان في اللوزتين، وموت لاعب فيورنتينا ولاتسيو، دومينيكوكازو، 61 سنة بسبب سرطان في الكبد وماسيمو ماتوليني، 56 سنة لاعب فيورنتينا السابق بسبب فشل كلوي، وأخيراً، لاعب فيورنتينا وروما جانكارلودي سيستي، 72 سنة بسبب السرطان.

قضية فيورنتينا انتهت باتهام المدرب السابق كارلوماتسوني بتهمة القتل غير المتعمد، وتم تطبيق التقادم عليه في عام 2009.

والجدير بالذكر، أن في عام 2010 فيروتشو فاز بقضية رفعها عليه نادي إنتر بشخص صديقه السابق فاكيتي، والذي اتهم فيرتوشو بالتشهير، وطالب بتعويض وقدره مليون ونصف المليون يورو، ولكن القاضي حكم أن فيروتشو ذكر في كتابه ما عاشه شخصياً، ولم يقدم تقريراً طبياً أو اتهاماً علنياً أو روّج كتابه كمرجع علمي أو قضائي. مذكرات شخصية تنقل تجربة شخصية لا غير.

الآن، وبعد هذه الرحلة عبر الوقائع والأرقام والأحداث والاتهامات، التساؤلات كثيرة وكثيرة، لماذا هيريرا كان يجبر لاعبيه على شرب القهوة قبل المباريات؟ لماذا لم يتحدث أحد عن هذه الأساليب من قبل؟ لماذا عالم كرة القدم في إيطاليا لم يتساءل عن كل هذا؟ لماذا لم يتم إجراء فحوصات على جثث اللاعبين في إطار تحقيق شامل؟ هل هيريرا أتى بالمنشطات والكل بعد ذلك قلده ولذلك لم يتحدث أحد عن هذه الأساليب لكي لا تنكشف عادة منتشرة بين الفرق؟ هل هيريرا وجد بيئة خصبة واستغل فراغاً تشريعياً أم أنه وجد أن هذه الأساليب كانت منتشرة في إيطاليا أصلاً؟ هل ملف المحقق غوارنييلو عن موتى الكرة الإيطالية والذي تم وضعه في الأرشيف بدون ذكر احتوائه على أدلة تدين الكل وعالم كرة القدم الإيطالية خاف من هذا الزلزال؟ هل هيريرا باغت الكل بأساليب إيطاليا كانت تجهلها أو تستخف بها وبعد فوات الأوان لم يتجرأ أحد على خوض محيط من التحقيقات والاتهامات؟

للأسف ربما لن نعرف الجواب أبداً فبعد خمسين عاماً، ما يظل هو الشك والاتهامات وعدد من الموتى، ولا سيما تأكيدات ساندرو ماتزولا لاتهامات شقيقه. وتضاف هذه الصفحة إلى كتاب الفضائح الإيطالية..

المساهمون