مئة حالة عنف يومياً في المدارس التونسية

19 ابريل 2014
طلاب مدرسة تونسية (GETTY)
+ الخط -


"لن تكون عالما حتى تكون متعلّما ولن تصبح بالعلم عالما حتى تكون به عاملا". دروس علمونا إيّاها منذ أوّل موطئ قدم في المدرسة. فأصبحنا نفقه بها آداب السلوك والتصرف في أسرنا وتعاليم الحياة الاجتماعية.

ولكن حين نعلم اليوم أنّ المؤسسات التربوية التونسية تسجّل حوالي 100 حالة عنف يوميا، فهذا يدعونا إلى الفزع والتساؤل عن أسباب تنامي ظاهرة العنف المدرسي رغم ما تقوم به المدرسة من دور تربوي قد عوض في أغلب الأحيان دور الأسرة.

فقد أخذت المدرسة على عاتقها مسؤولية تربية ونشأة الأطفال وسد العجز أمام ضآلة الثقافة التي قد تعاني منها بعض الأسر، أو في ضحالة ما تقدّمه الأسر للطفل من معرفة وثقافة نتيجة انشغالها عنه لأسباب عدّة. حتى أصبحت المدرسة الحلقة الوسطى بين الطفولة المبكرة التي يقضيها الطفل في منزله، وبين مرحلة اكتمال نموه التي يتهيأ فيها للقيام بدوره داخل المجتمع.

ويتعايش داخل المدرسة أطراف متعددة تخضع العلاقات فيما بينها إلى قواعد مضبوطة بقوانين. ولكن مع ذلك تحدث تجاوزات وخروقات قد تتطور في بعض الأحيان لتتحول إلى مظاهر عنيفة. إذ سجلت الإدارة العامة للمرحلة الإعدادية والثانوية التابعة لوزارة التربية التونسية خلال الثلاثي الأول من السنة الدراسية 2013- 2014 أكثر من 100 حالة عنف يوميا، وأكثر من 19 ألف حالة رفت بسبب الانحلال الأخلاقي والعنف.

وتصاعدت وتيرة الاعتداءات على الإطار التربوي في تونس خلال السنوات الأخيرة وشملت هذه الاعتداءات الإطار التربوي في التعليم الأساسي والثانوي وحتى العالي.

كما تؤكد أرقام وزارة التربية أنّ نسبة العنف المسلّط من قبل التّلميذ في المرحلة الإعدادية مثّلت 57 بالمئة من جملة الاعتداءات المسجلة. واحتل تلامذة السنة السابعة أساسي الصدارة من حيث العنف 2034 حالة اعتداء.

"العربي الجديد" التقت بعض تلامذة المعاهد لمعرفة ما يدور داخل أسوارها، حيث حدثنا التّلميذ محمد الذي يدرس بالسنة التاسعة أساسي بإحدى المدارس بتونس العاصمة، أنّه كثيرا ما تحدث مشادات كلامية بين الأستاذ وأحد تلامذته بالقسم، ولا يتخذ الأستاذ أي إجراءات ضد أي تلميذ وكأنّ الأمر بات عاديا بين الطرفين. مشيرا إلى أن حالات الضرب والعنف بين التلميذ وأترابه مشهد يتداول كثيرا سواء أمام المعهد أو بين أروقته. وتحصل خلافات عديدة بين التلاميذ كالتي تحصل بين أغلب الأطفال في الشوارع وفي الأحياء السكنية.

كريم تلميذ بالسنة الثامنة أساسي يقول عكس محمّد، حيث أكّد أنّ الأساتذة يتخذون قرارات زجرية في حق كل تلميذ يتطاول على الأستاذ، سواء بالعنف اللفظي أو المادي، وهو ما أدّى إلى فصل العديد من التلاميذ خلال الثلاثي الأول سواء بشكل نهائي أو مؤقّت. مشيرا إلى أنّ حدوث خلافات واعتداءات بين التلاميذ أمر عادي قد يحصل في كل المجتمعات لكن غير العادي هو إقدام التلميذ على التطاول على معلّمه.

خلال حديثه أشار كريم أنّ بعض الأساتذة يتعمدون إهانة التلميذ وهو ما يستفزه ويجعله يتلفظ هو الآخر ببعض ألفاظ غير أخلاقية داخل القسم.

الأسعد اليعقوبي كاتب عام نقابة التعليم الثانوي تحدث للـ"العربي الجديد" عن تفاقم ظاهرة العنف المدرسي بعد الثورة، مشيرا إلى أنّ ذلك ناتج عن حالة التسيب والانفلات التي شهدتها البلاد. كما أكّد أنّ النقابة العامة للتعليم الثانوي عبّرت عن تجندها للتصدي لظاهرة العنف داخل المؤسّسة التربوية بكل أشكالها. محمّلة وزارة التربية والحكومة كامل المسؤولية عنها، ودعتها إلى التخلي عن صمتها وسلبيتها، كما دعت المجلس الوطني التأسيسي وجميع مكونات المجتمع المدني إلى الانخراط في حملة وطنية هدفها إنقاذ المدرسة العمومية من الأخطار التي تحدق بها.

يذكر أنّ النقابة نظمت وقفات احتجاجية الأربعاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بجميع المؤسسات التربوية بالجمهورية تحت شعار "لا للعنف على المربين، لا للاعتداء على المؤسسات التربوية".

ويذهب ظن البعض إلى أنّ ظاهرة العنف المدرسي في تونس حديثة، لكن بالعودة إلى سجلات وزارة التربية نقف على حالات عديدة لتلاميذ ارتكبوا تجاوزات خطيرة ترتقي في التكييف القانوني لها إلى مستوى الجريمة لكن التعتيم الذي رافقها جعلها لا تصل إلى عامة الناس خصوصا في عهد النظام السابق.

وكان خبراء التربية يعتقدون أنّ المدرسة تحتكم إلى وسائل وأدوات زجر كافية لردع المخالفين، والحديث هنا على مجالس التأديب التي كانت تنتصب لمعاقبة التلميذ، لكن دون الخوض في الأسباب النفسية والاجتماعية التي أدت به إلى ارتكاب ذلك الفعل.

وتجاوزت حالات العنف المادي مجرد نشوب مناوشات، إذ لم يعد من الغريب في المدارس التونسية اليوم أن يعثر مع بعض التلاميذ على أسلحة بيضاء أو أدوات حادة أو حتى قوارير غاز صغيرة تستخدم لشل الحركة. على غرار ما جدّ بمعهد نهج مرسيليا في تونس العاصمة سنة 2010 عندما استلّ أحد التلاميذ سكينا وحاول إصابة أستاذته داخل القسم. كما شهدت مدرسة بجهة جبل الجلود من تونس العاصمة سنة 2010 حادثة غريبة حين اعتدى مجموعة من التلاميذ على زميل لهم، جردوه من ملابسه محاولين الاعتداء عليه جنسيا.

كما بات العنف اللّفظي من أكبر مظاهر العنف شيوعا داخل الفضاء المدرسي وهو كل تصرف منطوق يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين. وفي دراسة أجريت في تونس سنة 2006 تبين أنّ ظاهرة العنف اللفظي منتشرة في صفوف التلاميذ بنسبة 43 بالمئة.

ورغم خطورة هذا الأمر فإن سلوكيات العنف التي تمارس في المؤسسات التعليمية لم تنل الحظ الكافي من الدراسة والتحليل.

الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أكّد لـ"العربي الجديد" أنّ النسب التي كشفتها وزارة التربية لا تعكس حجم حالة السلوك الجانح في المؤسسات التربويّة، لأنها نسبٌ تعلقت بأحداث عنف تم فيها اتخاذ إجراءات إدارية لا غير، لكن الظاهرة أعمق من الأرقام".

كما اعتبر محدثنا أنّ الطفل خلال الفترة ما بين 12 سنة و17 سنة، وهي فترة المراهقة بامتياز، يبحث عن نفسه دون أن يجد مرافقة نفسية لتوظيف هذه الطاقات في نشاطات منتجة. فالمؤسسة التربوية تركّز على التدريس أكثر من التركيز على تنمية الشخصية وتطويرها.

كما رأى بالحاج أن للظاهرة أسبابا مدرسيّة وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فالعنف المدرسي ليس عنفا مفصولا عن ممارسة العنف الموجودة في المجتمع، وهذا واقع ليس وليد ما بعد الثورة، بل هو واقع تعيشه تونس منذ سنوات وهو امتداد لعنف أسري اجتماعي واقتصادي وسياسي. ولاسيما أنّ الأسرة التونسية أصبحت منتجة للعنف بسبب تغييرها لنمط العلاقة مع الأبناء، لتصبح علاقة إنفاق قبل أن تكون علاقة تربية. ومطلوب من الأسرة الرجوع إلى القيمة التربوية.

وجاء في دراسة أعدتها الإدارة الفرعية للحياة المدرسية بالتعليم الثانوي أنّه تم تسجيل أكثر من 5 آلاف حالة عنف في الوسط الإعدادي من مجموع 8500 حالة عنف لفظي ومادي مسجل.

كما رصدت الدراسة المذكورة زيادة في حجم العنف الصادر عن التلميذات، إذ تم تسجيل 1171 حالة عنف في المرحلة الإعدادية و1090 حالة عنف في المرحلة الثانوية. وقد أثبتت الدراسة أنّ العنف يمتد من السنة السابعة أساسي إلى الباكلوريا بنسب متفاوتة، وتظل النسبة الكبرى من مرتكبي العنف المدرسي هي سنوات السابعة والتاسعة أساسي والأولى ثانوي.

على صعيد آخر كشفت الدراسة أنّ أغلب حالات العنف تأتي كرد الفعل لدى التلاميذ بسبب التعرّض إلى الاستفزاز من قبل الأستاذ، تليها محاولات الغش التي يتم التفطن إليها وتناول الكحول والمخدرات والتحرش الجنسي والسرقة .

دلالات
المساهمون