لم تكن حادثة الشاب التونسي رضا اليحياوي الذي هدّد بالانتحار أمام مقرّ محافظة القصرين قبل أن يرديه التيار الكهربائيّ قتيلاً، سوى عيّنة لمئات حالات الانتحار التي عرفتها البلاد حتى قبل حادثة محمد البوعزيزي الذي مثّل موته شرارة انطلاق ثورة يناير/كانون الثاني 2011. في مقابل هذه الأسلوب الاحتجاجيّ القاسي أفضت دراسة قام بها الخبير الاقتصادي آرثر أوكون إلى تصنيف تونس كواحدة من أكثر الدول التي تتصدّر مؤشرات التعاسة في العالم.
يعلّق الباحث الاقتصادي، عماد بن سليمان، قائلاً إنّ مظاهر التعاسة واليأس بادية للجميع، خصوصاً بعد موجة الاحتجاجات الأخيرة، ولم يكن التونسيّ بحاجة إلى مؤشّر التعاسة كونها صارت واقعاً مُعاشاً أثقل كاهل المواطنين.
ويضيف بن سليمان أنّ "المؤشّرات الاقتصادية ذات العلاقة بالأوضاع الاجتماعيّة للتونسيين على غرار نسب البطالة والفقر وغلاء المعيشة بلغت مستويات قياسية أدّت بدورها إلى حالة عامة من الاحتقان.
ويتابع أن "إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعيّة وبيانات الديوان الوطني للتشغيل أكدت ارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب خرّجي الجامعات إلى مستوى مفزع ناهز 30% ووصل إلى حدود 50% في محافظات على غرار القصرين وسيدي بوزيد. هذا وتعاني محافظة القصرين على سبيل المثال من ضعف في الولوج إلى شبكة الطرق المصنّفة، إذ لا تتجاوز حصتها 17% مقابل 30% كمعدّل وطني. أمّا نسبة التضخّم فقد بلغت على مستوى المواد الاستهلاكيّة التي تستنزف 70% من مداخيل التونسيين ما يقارب 9%. هذا بالإضافة إلى مشاكل الأجور المتدنيّة وآليات التشغيل الهشّة وتردّي الخدمات الأساسية كالصحّة والنقل والضغط النفسيّ نتيجة الإرهاب".
وقد كشفت دراسة أعدّها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة في أكتوبر/ تشرين الأول من سنة 2015 أن محافظات كالقيروان والقصرين تستأثران بـ 25% من حالات الانتحار المسجّلة خلال السنة المنقضية. يستطرد بن سليمان مشيراً إلى أنّ هذه النسبة تصبح مفهومة إذا علمنا أنّ هاتين المحافظتين هما الأفقر في البلاد.
ماهر العكري، كان أحد الشباب الحاضرين في الوقفة الاحتجاجيّة أمام مقرّ محافظة القصرين، والتي مثّلت شرارة اندلاع موجة من الاحتجاجات شملت غالبية محافظات البلاد. ويقول: "إنّ انسداد أي أفق لحلول حقيقيّة تنقذ عشرات الآلاف من الشباب من براثن البطالة هي ما تدفع البعض منهم إلى اختيار الموت كحلّ".
ويضيف: "ليس رضا اليحياوي فقط من أقدم على إنهاء حياته، بل حاول قبله العشرات، وحصلت محاولة لانتحار جماعي نفّذها بعض الشباب المعطّلين في محافظة قفصة". ويختم قائلاً: "هناك اعتصامات في العاصمة وقفصة ظلّت أشهراً دون أن يعيرها أحد الاهتمام، ولم يستطع سوى دم رضا اليحياوي أن يدفع المسؤولين إلى تناول مطالبهم بجديّة".
يشاطر الخبير والباحث في علم الاجتماع، الأستاذ ناصف العمدوني، العكري وجهة نظره، إذ يؤكد أنّ إقدام الشباب على إنهاء حياتهم مردّه اليأس وفقدان الأمل في تحسّن الوضع الاقتصاديّ والاجتماعي في المستقبل القريب. ويضيف "أنّ ارتفاع الضغوط المعيشيّة من غلاء وركود سوق الشغل إضافة إلى الإحساس بالظلم والتهميش يدفع هؤلاء إلى اليأس، خصوصا في ظلّ غياب مساع جديّة من الحكومة أو السلطات المحليّة لإيجاد مخرج لمعضلة البطالة التي تفتك بمئات الآلاف من الشباب التونسيّ".
ويؤكّد العمدوني أنّ "أكثر ما يحفّز الشباب على الانتحار هو الإحساس بالعجز عن التغيير أو العجز عن إيصال أصواتهم إلى المسؤولين، ليتحوّل خيار الموت وسيلة الشاب الوحيدة للفت الأنظار إلى مشاكله ومعاناته". ويختم العمدوني قائلاً: "إنّ السياسة الحالية للحكومة القائمة على التحرّك فقط حين تسوء الأمور وتُزهق الأرواح تساهم في تشجيع الشباب على مواصلة اعتماد هذا الأسلوب الذي سيحرق خيرة شباب تونس في ظلّ حكومة عاجزة عن المبادرة وطرح الحلول".
اقرأ أيضاً: تونس تشتعل بالاحتجاجات: #التشغيل_استحقاق