تبدو روسيا مصرّة على عقد مؤتمر أطلقت عليه تسمية "الحوار الوطني السوري" على أراضيها، رغم رفض المعارضة السورية الواسع لهذا المؤتمر، والفتور الإقليمي والدولي في التعاطي معه. فمن المتوقع أن تقفز موسكو فوق مسار جنيف الأممي في مسعى منها لتكريس وجهة نظرها للحل السوري، الهادفة إلى إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، بعيداً عن قرارات دولية ذات صلة، تحدُّ إلى حدّ كبير، في حال تنفيذها، من التأثير الروسي في شرقي المتوسط.
وكانت موسكو قد حددت موعد الحوار في 2 ديسمبر/كانون الأول المقبل في سوتشي، الذي يفترض أن يلي مفاوضات جنيف التي دعا إليها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بدءاً من 28 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بعد المؤتمر الموسّع للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض بين 22 نوفمبر و24 منه، بمشاركة نحو 140 من ممثلي القوى السياسية والمستقلين. كما باشرت وزارة الدفاع الروسية اتصالاتها لدعوة نحو ألف شخص إلى سوتشي. وكان المؤتمر محورياً في محادثات مساعد وزير الخارجية الإيراني حسن أنصاري في موسكو، ولقائه بدمشق الأسد، ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم.
ووصفت مصادر في المعارضة مؤتمر "الحوار الوطني" في سوتشي بأنه "سيكون اجتماعاً بين النظام والنظام، ومحاولة للالتفاف على جنيف والإرادة الدولية لتحقيق الانتقال السياسي في سورية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي". وكانت موسكو وجهت دعوات لعدد كبير من التيارات السياسية التي تُحسب على المعارضة، ومن بينها أحزاب تُوصف بـ "الهزيلة" خلقها النظام في محاولة لخلط أوراق المعارضة السورية، وإشاعة الفوضى في المشهد السياسي المعارض له. ولكن رفض المعارضة السورية لم يكن وحده وراء تأجيل المؤتمر الذي غيّرت روسيا عنوانه من "مؤتمر شعوب سورية" إلى مؤتمر "الحوار الوطني السوري"، إذ قوبل المؤتمر بفتور واضح من قبل جهات إقليمية ودولية رأت في عقد المؤتمر تكريساً نهائياً للنفوذ الروسي في سورية. وقد رفضت تركيا المشاركة في المؤتمر بسبب اعتراضها على مشاركة حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" الذي تعتبره أنقرة الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، ما دفع موسكو لتأجيل المؤتمر الذي أثار الجدل قبل عقده.
مع العلم أن "المفوضية العليا للانتخابات" التابعة لـ"الإدارة الذاتية" الكردية، حددت مساء الأربعاء، الأول من يناير/كانون الثاني 2018، موعداً لإجراء ما تسميه انتخابات المجالس المحلية في محافظات الحسكة والرقة وحلب، شمال وشرق سورية، في خطوة من شأنها إغضاب السلطات السورية وتركيا وطيف واسع من السوريين. وتُعتبر هذه الانتخابات في سياق تطبيق "النظام الاتحادي الفيديرالي"، الذي أعلنت عنه "الإدارة الذاتية"، في مارس/آذار 2016. كما تعاملت دول أوروبية فاعلة ببرود مع المؤتمر، فقال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر، إن "أي مبادرة تعزز عملية جنيف مرحّب بها، لكن أي مبادرة خارج هذه العملية ليست كذلك وستبوء بالفشل". كما رأى السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة ماتيو رايكروفت، أن "الطريق إلى السلام في سورية يمرّ عبر جنيف"، قاطعاً الطريق أمام المساعي الروسية في فرض رؤيتها الروسية للحلّ في سورية، بعيداً عن قرارات دولية داعية إلى تغيير عميق في بنية النظام السوري، ترى فيها موسكو مساساً بمصالحها التي كرستها بالتدخل العسكري المباشر.
بدورها، لا تبدو إيران مرحبة بالمؤتمر وخاصة أنه يكرّس روسيا منافساً دائماً لها في النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي في سورية، خصوصاً أن هناك إشارات واضحة على تبرم موسكو من وجود إيراني يتصاعد في البلاد، حيث تعمل طهران على ترسيخ هذا الوجود من خلال إنشاء قواعد عسكرية على غرار ما فعلته موسكو. ومن الواضح أن موسكو تهدف من وراء الإصرار على عقد مؤتمر سوتشي الى توجيه رسائل للمجتمع الدولي مفادها أنها ممسكة بالملف السوري، ولها تأثير مباشر على كل التيارات والكتل السياسية في المشهد السوري ما يعزز فرص روسيا في الإسهام في وضع حلول سياسية في سورية تناسب مصالحها.
وذكرت مصادر في الائتلاف الوطني السوري لـ "العربي الجديد"، أن "موقف المعارضة السورية من مؤتمر سوتشي لم يتغير"، مضيفة أنه "ما زلنا عند موقفنا الرافض لأي مسار بديل عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة". ولم يتوقف الرفض لمؤتمر سوتشي عند حدود التيارات التي تمثل المعارضة السورية، بل وصل إلى الشارع السوري المعارض الذي نظم وقفات ضد المؤتمر. وتعزز رفض الشارع السوري المعارض للمساعي الروسية، بعد ارتكاب الطيران الروسي لمجزرة مروعة منذ أيام في ريف حلب الغربي، مع مقتل وإصابة المئات من المدنيين في بلدة الأتارب وهي من أهم معاقل المعارضة السورية.