15 مايو 2024
مؤتمر المانحين للعراق.. ما له وما عليه
قد يخطئ من يظن أن المؤتمر الدولي للمانحين، والذي عقد في الكويت لدعم مشاريع إعادة الإعمار في العراق، بعد أن تسببت العمليات العسكرية الكبرى لطرد تنظيم داعش الإرهابي من هذا البلد بتدمير شبه كامل لعدة محافظات، بما تعنيه هذه المفردة الإدارية من مدن وقصبات، بكل تفاصيلها وبناها التحتية، قد فشل. كما يخطئ أكثر من يغرّد خارج معطيات الواقع، فيصف نتائج المؤتمر بتقدير "جيد جدا"، كما فعل سعد الحديثي، المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء العراقي.
لم يفشل المؤتمر، ولم يكن على قدر ما قد توقعته الحكومة العراقية، على حد سواء، لاسيما مع حضور هذا العدد الضخم (جدا) من الدول، فقد شاركت 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية مع 51 من الصناديق التنموية ومؤسسات مالية إقليمية ودولية و107 منظمات محلية وإقليمية ودولية من المنظمات غير الحكومية، و1850 جهة مختصة من ممثلي القطاع الخاص، كما أن حجم الضمانات الائتمانية والتسهيلات المالية والدعم الاستثمارى ودعم الصادرات وبرامج القروض الميسرة، وأخرى لدعم جهود الاستثمار، وإعادة الإعمار والتأهيل، وتوفير فرص العمل فى العراق. كل هذه المعطيات اعتبرتها إدارة العراق الحالية مكاسب كبيرة وفرت للعراق البيئة الدولية والإقليمية والوطنية المناسبة لإعادة رسم ملامح المرحلة المقبلة، والتي تتوقعها هذه الإدارة، أن تكون إيجابية ومثمرة، كما واعتبرها مكتب رئيس الوزراء العراقى "رسالة إيجابية جدا من خلال مشاركته الفاعلة فى مؤتمر المانحين، وأن العراق ذو مكانة مهمة فى دول العالم".
يرى الجانب الآخر، في المؤتمر بكل تفاصيله، بدءا من محل انعقاده (الكويت)، وانتهاءً
بنتائجه، ممرورا بتفاصيل ما تقدمت به الدول والشركات للعراق، يراه فاشلا، وغير لائق بالعراق، باعتباره بلدا غنيا وذا مكانة مركزية وإستراتيجية في المنطقة والعالم. ويذهب هذا الفريق إلى اعتبار المؤتمر نتيجة رسمية لما تعهدت به دول التحالف التي مارست كل أنواع العمليات العسكرية والتدميرية ضد الأهداف المدنية في المدن العراقية، لاستهداف أماكن وجود تنظيم داعش الإرهابي، وهي تعهدات أعطيت لحكومة حيدر العبادي بإعادة إعمار هذه المدن، وغيرها من المدن التي تأثرت بتحويل اهتمامات الدولة صوب الحرب ضد الإرهاب (بحسب وصف الحكومة العراقية).
الكويت، البلد العربي الشقيق، والمثير للجدل (عراقيا) لم يكن، بحسب أوساط شعبية عراقية، مكانا ملائما لمؤتمرٍ كهذا، فالأزمة العراقية بدأت عام 1990 نتيجة ما حدث من ضغوط كويتية على الحكومة العراقية آنذاك، بسبب استحقاقات قرض كويتي، أراد العراق تأجيل سداده، أو ربما إلغاءه. والكويت، منذ عام 1990، باتت لعنة العراق (بحسب الرأي العام العراقي أيضا)، فمن أجل تحريرها من الوجود العراقي فيها تعرّض العراق إلى تدمير شبه كامل لبناه التحتية وقواته المسلحة من قوات التحالف الدولي (33 دولة)، وعاش العراقيون فترة حصار قاتل ومقيت لأكثر من 13 سنة، ثم منها (الكويت) انطلق الغزاة عام 2003، ليحتلوا العراق، ويدمروا أسس الدولة وبنيتها فيه، وهو ما زال يعاني من تبعات هذا الاحتلال ونتائجه.
قدمت الحكومة العراقية للمؤتمر أرقاما عن حجم ما دمر في المدن الرئيسية في أثناء الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وبحسب قوائم الحكومة فقد دمر 70 ألف منزل بشكل كامل، وبلغ مجموع المباني المتضرّرة حوالي 140 ألف مبنى، وهو ما يحول دون عودة مليونين ونصف المليون نازح إلى مناطقهم. وبدل أن تكون هناك منح للعراق (حسبما توقعت بغداد)، قدمت المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات من أجل إعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية الاقتصادية التي دمرتها الحرب، وهذا يعني أن العملية قد تستغرق فترات طويلة، وربما غير فعّالة، حتى يتأكد المستثمرون، أو مقدمو القروض والتسهيلات، أن أموالهم واستثماراتهم ستكون في مكانها الصحيح، ومع أصحاب ذمم وأياد نزيهة، وكفاءات مهنية ووطنية عراقية مخلصة. وهنا (مقتل) كل القضية بالنسبة للجانب المتشائم من هذا المؤتمر؛ فهم يعلمون، ومنظمة الشفافية العالمية تعلم، أن العراق، بكل إداراته الحالية، هو من أردأ دول العالم في موضوع انتشار الفساد، وأن ميزانيته التي لم تهبط عن سقف المائة مليار دولار (كمعدل) منذ عام 2003 حتى عام 2017، ذهبت في جيوب الفاسدين، ولم ينتفع منها شعب العراق وبنيته التحتية بشيء.
يرى سعد الحديثى أن "ما حصل عليه العراق من مؤتمر المانحين قياسا بالتوقعات جيد جدا، وأن الحكومة العراقية تعرب عن ارتياحها من المشاركة والدعم الدولي من مستويات عديدة للمنظمات والدول والشركات، ما يؤشر على الثقة العالية بالحكومة، والاهتمام باستقرار الوضع الاقتصادى العراقي". ويرى المتشائمون أن ميزانية العراق للعامين، الحالي والماضي، كانتا كفيلتين بإعادة إعمار المدن الرئيسة في محافظات منكوبة بالكامل، وكان على حكومة العبادي أن توجد مع مخيمات النازحين في ظروفهم الإنسانية السيئة، ولعل ما تدعم هذا الفريق برؤيته حالة العراق بعد الحملة العسكرية الدولية الكبرى ضده عام 1991 بقيادة الولايات المتحدة، حيث استطاع فنيو العراق، وكل العراقيين، إعادة بناء ما دمرته الحرب، على الرغم من
الحصار الذي لا ولن يشبه أي حصار بفترات وجيزة وبدون مؤتمرات ولا قروض ولا استجداء. كان ثمن ومكافأة كل وزارة أو مؤسسة أو نشاط فردي يعيد للبنى التحتية العراقية عملها مقولة تكتب على رسالة الإنجاز نصها "تبا للمستحيل، عاش المجاهدون، الله أكبر".
لا خير في أمةٍ لا ترى الحق حقا فتتبعه، ولا خير فيها إن ذللت رقابها لمن دمّر بلادها واحتلها، ثم دعته لتقترض منه، كي تعيد بناء ما دمره، ثم لتعيد تبذير كل شيء، على اعتبار أن الشعب فقد القدرة على التغيير، خصوصا أن للظالمين اليوم قوى عديدة تحميهم وتشاركهم أموال الفساد، وتلك أيضا رؤية أخرى من الذين يرون فشل مؤتمر الكويت للمانحين، وقد يشاطرهم في ذلك الرأي الباحث في المعهد الألماني للتنمية في بون، الخبير برنار تراوتنر، يرى "الفساد معضلة كبيرة في العراق، وأحد أكبر الأسباب التي تعرقل الاستثمارات الخاصة والعمومية في العراق منذ 2003. ما الذي حل بالمنح التي حصل عليها العراق في 2003؟ لم يتحقق بها الكثير، وهذه مشكلة على الحكومة العراقية العمل مع المانحين على معالجتها. ولمعالجة الفساد، يجب معالجة النظام السياسي وإصلاحه ككل".
ربما تكون لمؤتمر الكويت للمانحين منافع سياسية للحكومة العراقية، خصوصا أنها على أعتاب مرحلة انتخابية (مايو/ أيار المقبل)، وربما هو فرصة للدول التي لها في ذمة العراق والعراقيين عقد الماضي والحاضر في الإيذاء والاستهداف أن تقدم قرضا أو استثمارا (غير ملزم التنفيذ) لتتجاوز عقدة الشعور بالذنب إن وجدت، لكنه بالتأكيد كان صدمة للعراقيين، وهم شعب لم يتعود الاستجداء، بعد أن قدّم أبناؤه دما من أجل الخلاص من الإرهاب. وهذا ما يتحدث به كل العراقيين الآن، لكن بعضهم يرى أيضا أن في الأمر بريق أمل، فيما لو تحققت آليات تقديم القروض والاستثمارات الدولية، ونفذت المشاريع التي ستعيد ملايين النازحين إلى بيوتهم وأعمالهم، فأي الفريقين سيكون موفقا في تشاؤمه أو تفاؤله؟ ذاك ما ستثبته الأيام المقبلة، وربما السنوات المقبلة.
لم يفشل المؤتمر، ولم يكن على قدر ما قد توقعته الحكومة العراقية، على حد سواء، لاسيما مع حضور هذا العدد الضخم (جدا) من الدول، فقد شاركت 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية مع 51 من الصناديق التنموية ومؤسسات مالية إقليمية ودولية و107 منظمات محلية وإقليمية ودولية من المنظمات غير الحكومية، و1850 جهة مختصة من ممثلي القطاع الخاص، كما أن حجم الضمانات الائتمانية والتسهيلات المالية والدعم الاستثمارى ودعم الصادرات وبرامج القروض الميسرة، وأخرى لدعم جهود الاستثمار، وإعادة الإعمار والتأهيل، وتوفير فرص العمل فى العراق. كل هذه المعطيات اعتبرتها إدارة العراق الحالية مكاسب كبيرة وفرت للعراق البيئة الدولية والإقليمية والوطنية المناسبة لإعادة رسم ملامح المرحلة المقبلة، والتي تتوقعها هذه الإدارة، أن تكون إيجابية ومثمرة، كما واعتبرها مكتب رئيس الوزراء العراقى "رسالة إيجابية جدا من خلال مشاركته الفاعلة فى مؤتمر المانحين، وأن العراق ذو مكانة مهمة فى دول العالم".
يرى الجانب الآخر، في المؤتمر بكل تفاصيله، بدءا من محل انعقاده (الكويت)، وانتهاءً
الكويت، البلد العربي الشقيق، والمثير للجدل (عراقيا) لم يكن، بحسب أوساط شعبية عراقية، مكانا ملائما لمؤتمرٍ كهذا، فالأزمة العراقية بدأت عام 1990 نتيجة ما حدث من ضغوط كويتية على الحكومة العراقية آنذاك، بسبب استحقاقات قرض كويتي، أراد العراق تأجيل سداده، أو ربما إلغاءه. والكويت، منذ عام 1990، باتت لعنة العراق (بحسب الرأي العام العراقي أيضا)، فمن أجل تحريرها من الوجود العراقي فيها تعرّض العراق إلى تدمير شبه كامل لبناه التحتية وقواته المسلحة من قوات التحالف الدولي (33 دولة)، وعاش العراقيون فترة حصار قاتل ومقيت لأكثر من 13 سنة، ثم منها (الكويت) انطلق الغزاة عام 2003، ليحتلوا العراق، ويدمروا أسس الدولة وبنيتها فيه، وهو ما زال يعاني من تبعات هذا الاحتلال ونتائجه.
قدمت الحكومة العراقية للمؤتمر أرقاما عن حجم ما دمر في المدن الرئيسية في أثناء الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وبحسب قوائم الحكومة فقد دمر 70 ألف منزل بشكل كامل، وبلغ مجموع المباني المتضرّرة حوالي 140 ألف مبنى، وهو ما يحول دون عودة مليونين ونصف المليون نازح إلى مناطقهم. وبدل أن تكون هناك منح للعراق (حسبما توقعت بغداد)، قدمت المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات من أجل إعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية الاقتصادية التي دمرتها الحرب، وهذا يعني أن العملية قد تستغرق فترات طويلة، وربما غير فعّالة، حتى يتأكد المستثمرون، أو مقدمو القروض والتسهيلات، أن أموالهم واستثماراتهم ستكون في مكانها الصحيح، ومع أصحاب ذمم وأياد نزيهة، وكفاءات مهنية ووطنية عراقية مخلصة. وهنا (مقتل) كل القضية بالنسبة للجانب المتشائم من هذا المؤتمر؛ فهم يعلمون، ومنظمة الشفافية العالمية تعلم، أن العراق، بكل إداراته الحالية، هو من أردأ دول العالم في موضوع انتشار الفساد، وأن ميزانيته التي لم تهبط عن سقف المائة مليار دولار (كمعدل) منذ عام 2003 حتى عام 2017، ذهبت في جيوب الفاسدين، ولم ينتفع منها شعب العراق وبنيته التحتية بشيء.
يرى سعد الحديثى أن "ما حصل عليه العراق من مؤتمر المانحين قياسا بالتوقعات جيد جدا، وأن الحكومة العراقية تعرب عن ارتياحها من المشاركة والدعم الدولي من مستويات عديدة للمنظمات والدول والشركات، ما يؤشر على الثقة العالية بالحكومة، والاهتمام باستقرار الوضع الاقتصادى العراقي". ويرى المتشائمون أن ميزانية العراق للعامين، الحالي والماضي، كانتا كفيلتين بإعادة إعمار المدن الرئيسة في محافظات منكوبة بالكامل، وكان على حكومة العبادي أن توجد مع مخيمات النازحين في ظروفهم الإنسانية السيئة، ولعل ما تدعم هذا الفريق برؤيته حالة العراق بعد الحملة العسكرية الدولية الكبرى ضده عام 1991 بقيادة الولايات المتحدة، حيث استطاع فنيو العراق، وكل العراقيين، إعادة بناء ما دمرته الحرب، على الرغم من
لا خير في أمةٍ لا ترى الحق حقا فتتبعه، ولا خير فيها إن ذللت رقابها لمن دمّر بلادها واحتلها، ثم دعته لتقترض منه، كي تعيد بناء ما دمره، ثم لتعيد تبذير كل شيء، على اعتبار أن الشعب فقد القدرة على التغيير، خصوصا أن للظالمين اليوم قوى عديدة تحميهم وتشاركهم أموال الفساد، وتلك أيضا رؤية أخرى من الذين يرون فشل مؤتمر الكويت للمانحين، وقد يشاطرهم في ذلك الرأي الباحث في المعهد الألماني للتنمية في بون، الخبير برنار تراوتنر، يرى "الفساد معضلة كبيرة في العراق، وأحد أكبر الأسباب التي تعرقل الاستثمارات الخاصة والعمومية في العراق منذ 2003. ما الذي حل بالمنح التي حصل عليها العراق في 2003؟ لم يتحقق بها الكثير، وهذه مشكلة على الحكومة العراقية العمل مع المانحين على معالجتها. ولمعالجة الفساد، يجب معالجة النظام السياسي وإصلاحه ككل".
ربما تكون لمؤتمر الكويت للمانحين منافع سياسية للحكومة العراقية، خصوصا أنها على أعتاب مرحلة انتخابية (مايو/ أيار المقبل)، وربما هو فرصة للدول التي لها في ذمة العراق والعراقيين عقد الماضي والحاضر في الإيذاء والاستهداف أن تقدم قرضا أو استثمارا (غير ملزم التنفيذ) لتتجاوز عقدة الشعور بالذنب إن وجدت، لكنه بالتأكيد كان صدمة للعراقيين، وهم شعب لم يتعود الاستجداء، بعد أن قدّم أبناؤه دما من أجل الخلاص من الإرهاب. وهذا ما يتحدث به كل العراقيين الآن، لكن بعضهم يرى أيضا أن في الأمر بريق أمل، فيما لو تحققت آليات تقديم القروض والاستثمارات الدولية، ونفذت المشاريع التي ستعيد ملايين النازحين إلى بيوتهم وأعمالهم، فأي الفريقين سيكون موفقا في تشاؤمه أو تفاؤله؟ ذاك ما ستثبته الأيام المقبلة، وربما السنوات المقبلة.