مؤتمر الحزب الحاكم بالجزائر: مكانك راوح

31 مايو 2015
جانب من مؤتمر الحزب الحاكم قبل أيام (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -
لم يأتِ المؤتمر العام للحزب الحاكم في الجزائر، "جبهة التحرير الوطني"، بأي نتائج غير متوقعة؛ فقد بقي عمار سعداني أميناً عاماً للحزب، وكرّس المؤتمر رئاسة عبدالعزيز بوتفليقة للحزب، وصادق على الأبجديات ذاتها والسياسات المنتهجة من قبل الحزب منذ عقود. رغم ذلك، هناك من وضع المؤتمر في سياق ترتيب مرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة.


اقرأ أيضاً: مؤتمرات واستقالات في الجزائر لترتيب خلافة بوتفليقة

ويُعرف عمار سعداني، أمين عام الحزب، بقربه من محيط الرئيس بوتفليقة، وصدامه العنيف مع جهاز الاستخبارات، بسبب ما يعتبره مناوءة الأخير لسياسات بوتفليقة. لكن المؤتمر ساعد سعداني على إحكام قبضته على دواليب الحزب، الذي يعتبر الجدار السياسي الرئيسي الذي تستند إليه السلطة الحاكمة في تنفيذ سياساتها.

واجتهد سعداني بشكل لافت في المؤتمر بتمجيد الرئيس بوتفليقة، وساهم بنقله في القانون الأساسي للحزب الحاكم من رئيس شرفي إلى الرئيس الفعلي  الذي يحوز في الوقت نفسه صلاحيات العودة إلى مؤتمر عاجل في أي وقت.  

 لكن المراقبين يعتقدون أن مؤتمر الحزب الحاكم لم ينهِ الأزمة الداخلية التي تعصف بالحزب منذ عام 2003، وهي الأزمة التي شهدت انقساماً حقيقياً داخل الحزب، وتحديداً بين الرئيس بوتفليقة ورئيس حكومته علي بن فليس، الذي كان أميناً عاماً للحزب في ذلك الوقت. وكان الأخير قد قرر إثرها الترشح ضد بوتفليقة في رئاسيات 2004. وأبقى مؤتمر الحزب كتلة كبيرة، تتشكل من 80 نائباً في البرلمان وشخصيات قيادية في الحزب، خارج المؤتمر، وهو ما يبقي فتيل الصراع محتدماً داخل الحزب. وذلك على الرغم ممّا أعطته رسالة الرئيس بوتفليقة إلى المؤتمر من دعم  سياسي وتنظيمي للأمين العام عمار سعداني.

ويعتقد النائب في البرلمان والعضو القيادي في حزب "جبهة التحرير الوطني"، محمد بلعطار، أن "المؤتمر افتقد للروح السياسية التي تميّز الحزب الحاكم". واعتبر أن المؤتمر كرّس سيطرة "كارتل مالي" على الحزب، قائلاً إن "المؤتمر يحاول من خلال أصحاب المصالح السيطرة على القوة السياسية الأولى في البلاد في انتظار تعديل الدستور المقبل".

بدوره، رأى الخبير السياسي، كمال قرابة، أن "المؤتمر قد يكون جزءاً من عملية الترتيب السياسي المتأخر الذي كان يجب أن يكون قبل الانتخابات الرئاسية وتأجل". لكنه اعتبر أن "هذه الترتيبات تتم من جهة واحدة، ويُقصد بها الجهة الممثلة في مؤسسة الرئاسة، فيما لم تبدأ الجهات الأخرى الفاعلة في صناعة القرار ترتيباتها للمرحلة المقبلة".

في المقابل، تُبدي الأحزاب السياسية الأخرى الفاعلة في الجزائر اهتمامها بالتطورات المتصلة بالحزب الحاكم؛ فقد وجدت "جبهة التغيير"، المنشقة عن حركة "الإخوان المسلمين" بالجزائر، وفقاً لتصريحات رئيسها عبد المجيد مناصرة، أن إقحام "رئيس كل الجزائريين في قضايا داخلية لحزب سياسي هو أمر غير مقبول". ولم يلتقط مناصرة، كما غيره من قيادات الأحزاب الفاعلة، الموالية أو المعارضة، أية إشارات حول وجود ترتيب لاحق لمرحلة ما بعد بوتفليقة.

لكن قد تكون الصورة أوضح في الجانب الثاني من المشهد  السياسي؛ إذ إن إزاحة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح من منصبه كأمين عام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، وهو الحزب السياسي الثاني الشريك في الحكومة، واستبداله في الخامس من يونيو/ حزيران المقبل برئيس الحكومة السابق والرئيس الحالي لديوان الرئيس بوتفليقة، أحمد أويحيى، هي الإشارة الأقوى على صعيد فهم ترتيب المشهد لمرحلة ما بعد بوتفليقة. المؤشرات تذهب في اتجاه تحضير أويحيى ليخلف بوتفليقة في الرئاسة تحت أي ظرف أو تطور قد يحدث، وهو تحديداً ما عبّر عنه الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الجزائرية محمد خلفاوي، حين أعلن أن السلطة بدأت اتخاذ تدابيرها الاحتياطية لأي مفاجأة.