بدأ إخوان الجزائر، الخميس الماضي، المؤتمر العام السابع لحزبهم حركة مجتمع السلم، وسط زخم إعلامي وسياسي كبير. لكن هذا الزخم والصورة الاحتفائية المبهرة تخفي في كواليسها صراعاً حاداً يحسم اليوم السبت، بين ثلاثة تيارات سياسية متباينة ومتباعدة تماماً في مواقفها والخط والنهج السياسي، كما أنها تتنافس بشكل حاد على القيادة والتوجهات.
وعادة تقف الأحزاب والتيارات السياسية في الجزائر بين خيارين، لكن إخوان الجزائر يقفون في المؤتمر عند مفترق ذات ثلاثة اتجاهات متباينة. وسيكون على المؤتمرين تقرير ما إذا كانت الحركة ستواصل التمسك بنهج المعارضة والاستمرار في الخيار الجديد الذي تبنته منذ يونيو/حزيران 2012، بعدما قطعت مسيرة 18 سنة من التحالف السياسي مع السلطة والمشاركة في الحكومة، والتي بدأها المؤسس التاريخي للحركة الراحل، محفوظ نحناح، في العام 1994. ويقود تيار المعارضة حالياً الرئيس الحالي للحركة، عبد الرزاق مقري، والذي يتمسك بخط البقاء خارج الحكومة، ومعارضة سياسات السلطة، في مقابل عرض مسار للتوافق السياسي بين السلطة والمعارضة، عبر إقرار مرحلة انتقالية تكون فيها الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع العام 2019 بداية لها. ويبرر هذا التيار موقفه بالخسائر السياسية والمالية الفادحة التي لحقت بالبلاد في العقد الأخير، جراء السياسات الخاطئة للحكومة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتنامي شبكات الفساد المتصلة بمنظومة الحكم وهيمنة "الكارتل" المالي، والإخفاق الاقتصادي الذي انتهت إليه البلاد.
وبين تيار المعارضة وتيار المشاركة، يبرز خط ثالث لكتلة من القيادات تدفع باتجاه خط سياسي وسطي، سمي "المشاركة المشروطة"، ويطرح فكرة المشاركة السياسية والتعاون مع السلطة بشروط وتوافقات محددة، ترتكز على تعديل الموقف من العلاقة مع السلطة والعودة إلى الحكومة بشروط، مع الاحتفاظ بهامش كبير لنقد السياسات الحكومية. وعلى الرغم من أن هذا التيار تأخر كثيراً في البروز وفضل العمل في الكواليس، إلا أنه يدفع بحظوظه باتجاه التحالف مع تيار "المشاركة الناصحة"، للفوز بقيادة الحركة، كما يحظى بدعم من الرئيس السابق للحركة، عبد المجيد مناصرة، الذي أعلن رسمياً عدم دعمه لمقري للفوز بولاية ثانية على رأس حركة مجتمع السلم.
ويقول المرشح لرئاسة الحركة، الذي يقود تيار "المشاركة المشروطة"، نعمان لعور، لـ"العربي الجديد"، إن "تيار المعارضة الراديكالية قاد حركة مجتمع السلم إلى موقف سياسي متشنج إزاء السلطة، وإلى مواجهة سياسية لا تملك الحركة أدواتها، بينما تيار المشاركة قبل 2012 دفع بالحركة إلى التماهي مع السلطة إلى حد بعيد، ولذلك نحن فكرنا في أن نطرح على المؤتمرين رؤية سياسية ترتكز على المشاركة في الحكومة والتعاون مع السلطة بشروط، بمعنى أننا لا ندخل في صراع سياسي مباشر مع السلطة، ولا ننفصل عن المعارضة البناءة"، مضيفاً "إذا حاز هذا التصور على القبول لدى المؤتمرين، فإننا سنتقدم للترشح لقيادة الحركة". وتتنافس على رئاسة أكبر وأبرز حزب إسلامي في الجزائر، ثلاث شخصيات قيادية، وهي الرئيس الحالي عبد الرزاق مقري، الذي تدعمه كتلة كبيرة من المؤتمرين وأعضاء مجلس الشورى ويتكأ على نجاحه في إعادة لم الشمل وتحقيق الوحدة مع كتلة التغيير التي انشقت في العام 2008، والرئيس السابق للحركة أبو جرة سلطاني، المدعوم من عدد من القياديين ودوائر من السلطة ترغب في استعادة الحركة إلى صف الحكومة، فيما يدفع النائب السابق لرئيس الحركة نعمان لعور بنفسه كخيار ثالث بين المتنافسين.
ولفترة طويلة تبنى إخوان الجزائر خيار المشاركة والبراغماتية السياسية، بهدف دفع التصالح مع منظومة الحكم، وإنهاء العداء الأيديولوجي والامتداد داخل المؤسسات الحكومية وتدريب كوادر الحزب على فنون الحكم والتسيير وعلى التعايش، والحفاظ على تماسك الدولة والمجتمع عندما يتعرضان لحالة انقسام حادة. لكن المحلل السياسي المهتم بتطور الأحزاب الإسلامية في الجزائر، عبد النور بوخمخم، يعتقد أن الحركة دفعت في مقابل ذلك ثمناً باهظاً، وتأثرت سياسياً وتنظيمياً على خلفية أن تحقيق مجمل هذه الأهداف عبر المشاركة مع الحكومة لم يكن دون فاتورة سياسية وتنظيمية دفعتها الحركة، بينها حدوث انشقاقات وانقسامات في صفوفها في العامين 2008 و2012. ويضيف بوخمخم أن "السؤال الجوهري هو ما الذي تحقق من أهداف، وما هو حجم الأضرار المتوقعة؟ أعتقد الإجابة واضحة جداً خلال عقدين من المشاركة السياسية، خصوصاً بعد سنة 2000"، مشيراً إلى أن الكلفة تتعلق "بالتحول إلى مجرد أداة تستخدمها منظومة الفساد لإظهار أن الكل معها، وتشويه صورة البديل في أعين الناس وبالتالي زيادة حالة الإحباط وفقدان الثقة لديهم بالتغيير، وتحول كوادر الحزب، الذي يحمل مشروع التغيير، إلى مجرد متواطئين أو مشاركين في الفساد والريع، ونقل صراعات التموضع والنفوذ والمصالح الضيقة إلى داخل مؤسسات الحزب، وقتل روح النضال والتغيير فيه بعد أن أصبح هو السبيل للوصول إلى مغانم السلطة".