مؤتمر "الطائفية والأقليات": الاستبداد ولّد "داعش"

13 سبتمبر 2014
يشارك في المؤتمر طيف واسع من الباحثين والمفكرين(العربي الجديد)
+ الخط -

أكّد مؤتمر "المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير"، الذي ينظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وبدأ أعماله صباح اليوم السبت في الأردن، أنّ الاستبداد كان السبب في تأجيج الطائفية، ومن ورائها ولادة التنظيمات المتطرّفة أمثال "داعش".

وأكد المدير العام للمركز الدكتور عزمي بشارة في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر، أنّ "الطائفية السياسية هي تقويض لبناء الدولة الوطنية والديمقراطية معاً"، مشدداّ على أن استبداد الأنظمة العربية أجّج الطائفية، مشيراً إلى أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هو نتيجة لقاء شديد الانفجار بين السلفيّةِ الجهاديةِ والطائفية تحدث ردّة كبرى عن التمدّن العربي.

وشمل افتتاح المؤتمر اليوم محاضرتين رئيستين للباحثين برهان غليون وأحمد بيضون، وتلا ذلك ثلاث جلسات من أعمال المؤتمر، وتستمر أعماله على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة مجموعة من الباحثين المتخصصين والشخصيات العلمية والثقافية العربية.

 

وقد أشار رئيس مجلس إدارة المركز الدكتور طاهر كنعان، في استهلال الجلسة الافتتاحية إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها تنظيم هذا المؤتمر في السياق العربي الحالي الذي يشهد صعوداً للطائفية على نحو يهدّد بتحويل المنطقة إلى دويلات فاشلة.

وأكّد كنعان أن المركز اختار هذا الموضوع محوراً للنسخة الثالثة من المؤتمر السنوي العلمي الثالث في قضايا التحول الديمقراطي، الذي خصص نسختيه السابقتين لموضوع "الإسلاميون والحكم الديمقراطي"، انطلاقاً من رؤية المركز لضرورة أن يساهم المجتمع البحثي العربي في تشخيص الأوضاع في العالم العربيّ وتحليلها.

وأوضح أن المركز قدم خلال ثلاث سنوات منذ تأسيسه مساهمات مهمة في هذا الإطار، مشيراً إلى الإنتاج الفكري الذي يوفره للباحثين ولصانعي السياسات، بما في ذلك إصدار ما يقارب 100 كتاب علمي محكم ورصين، وإصدار ثلاث مجلات علمية محكمة متخصصة، ويرتقب أن يصدر اثنتين أخريين قريباً.

بشارة: الاستبداد أجّج الطائفية

وفي محاضرة تأسيسية لموضوع المؤتمر، تحدث بشارة عن مفهوم الطائفية وتحولاته التاريخية، وصولاً إلى نشأة الطائفية السياسية في منطقة المشرق العربي. وأوضح أنّ بروزها بمعناها المعاصر وليد استغلال الاستعمار للمنظومة الاجتماعية القائمة، ثم طريقة تأسيسه لقواعد بناء الدولة التي ستَرِثُها الدولةُ الوطنيةُ المستقلّةُ بعد ذلك.

وأبرز أن الطائفيّة السياسية التي تستثمر التبعيّة لدين أو لمذهب ديني لتحويل أتباع هذا الدين إلى جماعة تحافظ على نفسها في وجه كل ما تراه تهديداً لها، ثمّ تحويلها إلى قوّة سياسيّة لها مطالب من الدّولة، هي ظاهرةٌ ترافقت مع نشوء الدّولة الحديثة.

وقال المفكر والباحث العربي إنّ الطائفيّة السياسيّة رفعت رأسها في بلادنا وازدهرت مع فشل مساري الدّولة الوطنيّة الحديثة القائمة على المُواطنة، والديمقراطيّة، مؤكداً أن الاستبداد الذي استخدم الأيديولوجية السياسية القومية لخدمة سيطرته ونظمه السياسيةِ، وفرضها على العرب وغير العرب، أجَّج الطائفية، ومنع تكوُّن المواطنة بوصفها انتماء للدولة لا يحتاج إلى الطائفة أو العشيرة أو الولاء للسُّلطان من أجل تكريسه.

وتطرق بشارة إلى نماذج للطائفية السياسية في واقع المشرق العربي، مستغرباً من أن الدولة اللبنانية أَعادت إنتاج الطائفية بعد الاستقلالِ بدينامية مؤسسيّة أقوى ممَّا كانت عليه في مرحلة الانتداب.

في المقابل، فإن مراجعة تاريخ العراق تظهر أنَّه ليس له تاريخ في الطائفيّة السياسيّة، وأنَّ تحويل الطائفيّة الاجتماعيّة إلى طائفيّة سياسيّة هو من نتائج التدخّل الأميركي في العراق وضرب الدّولة، والتدخل الإيراني، وجرَى بعد الاحتلال تبنِّي نظام ديمقراطي من حيث الشكل، في حين يجري تنظيم السكّان سياسيًّا على أساس طائفي، ما جعل الديمقراطيةَ أداةً في تطييف الدولة وأجهزة القمع مع تهميش الطوائف الأخرى، مشيراً إلى أن ذلك "أسوأ من النظام الطائفي".

واعتبر بشارة أنّ ظهور نموذج (داعش) هو نتيجة لقاء شديد الانفجار بين السلفيّة الجهادية والطائفية، مضيفاً أنّ "الأخطر أنَّ هؤلاء تكفيريّون وليسُوا طائفيِّين فحسب، ويمثِّلون نُكوصاً إلى مرحلة ما قبل الطائفية التي نعرفها إلى مرحلةِ الحروب الدينية".

وقال إن هؤلاء "لا ينتَمون لأَيّ حدود معروفة لطائفة، بل يمثِّلون إِحياء كارثيّا مشوّها لمفهوم الأمّة والخلافة، ما قبْل الدولة، وما قبل حتّى الطائفية المعترضة على الدولة. ولا يمكن أن تنتهي هذه الردَّة الكبرى عن التمدُّن العربي إلّا بمأْساة".

لكنه رأى أن "داعش" أوصلت الأمور إلى نهايتها القصوى الكارثيّة، وهو ما سيفرض بعدها مراجعات علنيّة لأمور كثيرة كان مسكوتا عنها في تاريخنا.

 برنامج مكثّف

وقدم غليون محاضرة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عنوانها "الطائفية في الصراعات الوطنية والإقليمية"، أكد فيها أن شبح الطائفية يخيم اليوم على كل شيء: على شعور الناس بهويتهم وعلى السياسة، وعلى الدين نفسه".

وأوضح أن الطائفية السياسية برزت عندما فشل مشروع الدولة الوطنية وحين أصبحت الدولة وسيلة للسلب والظلم والقهر، ولم تقدم تلك الدولة الحديثة للمواطن شيئاً غير الذل والقهر وتجريده من أي حماية، فأصبح الناس يبحثون عما يؤمن لهم أمنهم وحمايتهم ومكانتهم.

وشدّد على أنّ الطائفية السياسية ليست صنيعة العامّة ولا شغلهم الشاغل إنما هي صنيعة السياسيين الذين يستغلونها. وأوضح أن النظام الإيراني حالياً هو صاحب أسوأ خطاب طائفي.

من جهته، أبرز بيضون في محاضرة بعنوان: "للطائفية تاريخ: في شروط تشكّل الطوائف بما هي وحدات سياسية" سياقات وآليات تحول الانتماء إلى جماعة مذهبية أو اجتماعية إلى تعصب طائفي جرى استغلاله سياسياً.

ويشتمل جدول أعمال المؤتمر على سبع جلسات تتوزع على ثلاثة أيام وتضم كل منها محورين اثنين تقدم أوراقهما في الوقت نفسه.


ويتوزع المشاركون على قاعتين تخصص كل واحدة لأحد المحورين. وتخصص الجلستان الأولى والثانية لمحوري: "الدولة وسياسات الهوية وإعادة إنتاج الطائفية"، و"الجذور التاريخية وتطييف الصراعات الإقليمية". وفيما يتواصل عرض الأوراق في محور "الدولة وسياسات الهوية وإعادة إنتاج الطائفية" في أحد مساري الجلسة الثالثة، يتناول المسار الثاني محور "المواطنة مقابل الطائفية".

وفي اليوم الثاني للمؤتمر، تخصص الجلستان الرابعة والخامسة لمحوري "المسائل الطائفية والإثنية في العراق" و"المسألة الطائفية في مصر".

ويُختتم اليوم الثاني بمحوري "الأقليات في النظام الفقهي الإسلامي بين التعصب وإمكانات الانفتاح"، و"المسألة الطائفية في بلاد الشام: تاريخ وإشكاليات".

وسيشتمل اليوم الأخير على جلستين متوازيتين تجمع عشرة متحدثين موزعين بحسب محورين، هما "الدولة المذهبية والطائفية إقليم الجزيرة العربية - تاريخ وإشكاليات" و"في المسألة الطائفية في بلاد الشام تاريخ وإشكاليات".

ويختتم المؤتمر أعماله بعد ظهر يوم الاثنين 15 أيلول/ سبتمبر 2014، بمائدة مستديرة تفاعلية تحت عنوان "العروبة والدولة والوطنية في مواجهة التمزقات الأهلية والسياسات الطائفية وقومنة الهويات. إشكاليات وقضايا، تحديات وآفاق"، ويشارك فيها أكاديميون وباحثون من ذوي الاختصاص والاهتمام.