مأزق بنوك الجزائر...إغراءات لجذب "الأموال النائمة" في البيوت

02 ديسمبر 2019
محاولات حكومية متكررة لاحتواء السوق الموازية (Getty)
+ الخط -

 

ظلت الأموال المتداولة في أنشطة الاقتصاد الموازي بالجزائر لسنوات طويلة بعيدة عن الاهتمام الحكومي، إذ نأت الدولة بنفسها عن المساس بهذه الأنشطة لما تمثله من أهمية لكثير من المواطنين ومصدر دخل لهم، لكن الأزمة المالية التي تمر بها البلاد منذ منتصف 2014 دفعت الحكومات المتعاقبة إلى طرح عدة مبادرات، لامتصاص الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية، إلا أن نتائجها لم تكن مُرضية.

ويقدر خبراء اقتصاد ما يكتنزه الجزائريون في بيوتهم من أموال، وما يجرى تداوله في الاقتصاد الموازي بنحو 60 مليار دولار، وهو ما يقارب حجم ميزانية الدولة.

ويأتي الاهتمام الحكومي المتزايد بجذب الأموال النشطة خارج البنوك، رغم نفي مسؤولي وزارة المالية والبنك المركزي في أكثر من مناسبة مؤخراً وجود أزمة سيولة في البلد، الذي يشهد اضطرابات سياسية منذ عدة شهور.

يقول فرحات علي، الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" إن "حجم ما يتم تداوله في الاقتصاد الموازي يقدر بحوالي 35 مليار دولار، وهو رقم كبير، بينما تقف الدولة عاجزة عن كبح ارتفاعه، رغم الخطابات الرسمية التي تتعهد فيها بالقضاء على الاقتصاد الموازي".

وأضاف علي أن "مدخرات الجزائريين في المنازل تصل أيضاً إلى نحو 25 مليار دولار وفق تقديرات وزارة المالية، وبالتالي نحن أمام 60 مليار دولار خارج رقابة الدولة، والمشكلة أن القطاع المصرفي يقف عاجزاً عن احتواء ربع هذه الأموال، بينما تواجه البنوك أزمة سيولة، دفعت البنك المركزي إلى خفض الاحتياطي الإلزامي لدى المصارف من 12 في المائة من المدخرات إلى 8 بالمائة".

وكان وزير المالية محمد لوكال، قد أقرّ نهاية الأسبوع الماضي بعجز الحكومة عن احتواء الأموال المتداولة خارج السوق الرسمية، داعياً البنوك إلى ضرورة استقطاب أموال الجزائريين عن طريق الخدمات الإسلامية وتسهيل عملية جمع أموال السوق السوداء.

لكنه نفى في المقابل تراجع السيولة، قائلا لوكالة الأنباء الجزائرية الحكومية إن السيولة المصرفية وصلت إلى 1.705 مليار دينار في نهاية أغسطس/ آب الماضي، مقابل 1.55 مليار دينار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وتكررت محاولات الحكومات المتعاقبة منذ نشوب الأزمة المالية منتصف 2014 بسبب تراجع عائدات النفط، لطرح مبادرات تهدف إلى امتصاص الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية أو تلك النائمة في البيوت، إلا أن النتائج كانت عكس توقعات الحكومة.

ففي عام 2016، أطلقت الحكومة أكبر عملية استدانة داخلية في تاريخ الجزائر، بطرح سندات خزينة للجزائريين بنسبة فائدة 5 في المائة لأجل 3 سنوات، ترتفع إلى 5.75 في المائة لأجل 5 سنوات وأكثر، إلا أن العملية التي دامت قرابة 10 أشهر سمحت للحكومة بجمع 5 مليارات دولار فقط، من أصل 30 مليار دولار كانت تتوقع جمعها.

وتعود الأموال التي تمت استدانتها لرجال أعمال وشركات عمومية كبرى وأخرى خاصة، ما جعل الأموال المتداولة في الأنشطة الموازية والمكتنزة لدى المواطنين كما هي.

وفي عام 2017، وتحت ضغط اشتداد الأزمة المالية، قررت الحكومة إطلاق "مصالحة ضريبة"، تسمح لكل جزائري بأن يدخل أمواله في البنوك المعتمدة دون السؤال عن مصدرها، وبنسبة فوائد تعادل 7 بالمائة، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح أيضاً في إغراء الجزائريين بوضع أموالهم في البنوك، حيث استقطبت العملية قرابة 850 مليون دولار فقط.

وخلال العام الماضي 2018، أطلقت الحكومة سندات دين عام للمرة الثانية، لكن دون فوائد، أي عبر صكوك إسلامية، لتحسس الجزائريين من إشكالية الربى، وتقدر مدة القرض بين ثلاث إلى خمس سنوات، وكانت النتيجة مماثلة للمحاولات السابقة، ما وضع الحكومة أمام حرج كبير، وفق خبراء اقتصاد.

ويقول عبد الرحمان راوية، وزير المالية السابق (2016 ـ 2017) إن "الأزمة المالية التي عاشتها الجزائر دفعتنا كحكومة للبحث عن الأموال أينما كانت، كل في قطاعه، وبصفتي وزيرا للمالية، كان لزاما عليّ أن أحاول امتصاص الأموال سواء النائمة أو المتداولة في الاقتصاد الموازي، ما اقترحته هو إجراء معمول به في العالم، إلا أن خصوصية الجزائر جعلت العملية لا أقول تفشل ولكن لم تؤت ثمارها كاملة".

ويضيف بن رواية لـ"العربي الجديد" أن "محاولات استقطاب الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية، جعلتنا نقف أمام حقيقة مرة وهي أن الإشكالية أكبر من أن تحل بطرح منتجات بنكية، سواء كانت إسلامية أو تقليدية، والدليل وجود بنوك إسلامية لا تلقى رواجاً عند الجزائريين، وبالتالي نحن أمام منظومة بنكية عاجزة عن القيام بدورها، فمن أصل 100 دينار جزائري تخرج من أي بنك في البلاد تعود منها 30 ديناراً فقط، وهذا رقم رسمي وقفت عليه بنفسي".

ويشير بعض التقديرات إلى أن 60 بالمائة من الجزائريين يكتنزون أموالهم بالبيوت ويرفضون إيداعها بالبنوك، حيث يفضل هؤلاء اقتناء خزانة الأموال الحديدية التي ذاع صيتها خلال السنوات الأخيرة ووضعها في مكان آمن بالبيت، إذا أضفنا ما يتم تداوله في الاقتصاد الموازي، نجد أن الجزائريين فقدوا الثقة بالبنوك، ما جعلهم يفضلون الاحتفاظ بها نقداً، أو تعامل نقداً عوض المرور عبر البنوك، وفق الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول.

يقول مبتول لـ"العربي الجديد" إنه "لا بد من تنويع البدائل المصرفية حتى يجد المواطن ضالته لإخراج الثروة المكتنزة"، مشيراً إلى أن عزوف الجزائريين عن إيداع أموالهم في البنوك ربما يرجع إلى إطلاع مصالح الضرائب على حسابات المواطنين لتطبيق الضريبة الجزائية.

وتعيش الجزائر العضو في منظمة "أوبك" أزمة اقتصادية منذ 5 سنوات، جراء تراجع أسعار النفط، وتقول السلطات إن البلاد فقدت نسبة كبيرة من مداخيل النقد الأجنبي، التي هوت نزولا من 60 مليار دولار في 2014 إلى 41 مليارا في 2018.

ورافق الأزمة تقلص كبير في احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي التي هوت من 194 مليار دولار نهاية في يونيو/ حزيران 2014، إلى 72.6 مليار دولار في نهاية إبريل/ نيسان 2019، حسب أرقام وزارة المالية، وسط توقعات حكومية بمزيد من تآكل الاحتياطي خلال السنوات القليلة المقبلة.

وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى (مسجون حاليا في قضايا فساد) قد اعتمدت التمويل غير التقليدي (طبع الدينار) نهاية 2017، وتم إصدار ما يفوق 6.55 تريليونات دينار (حوالي 56 مليار دولار).

المساهمون