مآلات الثورة السورية.. قضية الإرهاب ما زالت مؤجلة

14 يوليو 2016
(في حلب، تصوير: أمير الحلبي)
+ الخط -

تبدو الوسائل التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع قضية الإرهاب في العالم، غير مقنعة لمعظم الشباب السوري المنخرط في الثورة ضد نظام الأسد، وذلك بسبب تعقيدات الشأن السوري، حيث يولي السوريون في العموم أهمية كبيرة للبحث عن حل سياسي لصراع مدمر دائر في بلادهم منذ سنين، تفوق اهتمامهم بتحديد وتعريف الإرهاب ودراسة طرق مكافحته، والتي يبدو أنها مؤجلة حالياً بالنسبة لهم ومرتبطة بمآلات الثورة والنظام.

وفي وقت تتصاعد فيه موجات العنف الإرهابية وتتمدّد في مناطق جديدة من العالم، تبقى مسألة الإرهاب، بالنسبة لمعظم الشباب السوري المنخرط في حراك الثورة السورية، منذ سنوات، ذاتاً سردية مختلفة وتفسيراً آخر عن الشباب العربي في الأقطار الأخرى؛ إذ تفرض خصوصية الصراع في سورية عليهم تعريفاً أشمل للإرهاب إذا قارنّاه مع شعوب ومجتمعات أخرى لا تعرف من الإرهاب سوى مفخخات داعش وانتحارييها، فالسوريون يعايشون البراميل التي تلقيها طائرات النظام على المدنيين كل يوم، منذ سنوات، فالجواب المعتاد لدى هؤلاء الناشطين بخصوص الإرهاب هو أن "نظام الأسد منبع لكل إرهاب" فإيقاف آلة النظام العسكرية عن القتل اليومي للمدنيين في سورية كفيل بإيقاف ردود الفعل العنيفة، بحيث تبدو وسائل التوعية من الإرهاب غير مجدية بوجود هذه المعادلة.

من جانب آخر، تجد أن معظم الناشطين السوريين لديهم تجربة مريرة ولسنوات مضت مع نظام الأسد؛ ما يجعل نظرتهم لداعش وإرهابها، وهو الأقل كماً ومدة "مقارنة بأرقام الضحايا الذين سقطوا بسبب الطرفين"، تنحصر في اثنين؛ إما أن يكون نتيجة لقمع الأسد وهو ما ولد هذه النزعة العنيفة، أو يعتبرها كثيرون ممن يعملون في الشأن السوري بأنها صنيعة أجهزة النظام الاستخباراتية.

وعلى الرغم من ضعف الأدلة على الفرضية الأخيرة، إلا أنها تشكّل يقيناً عند كثيرين منهم، هذا اليقين بشأن الفرضية الأخيرة يسبب تشويشاً على أي جهد بناء وحقيقي بشأن فهم أسباب الإرهاب وكيفية التعامل معه ومحاربته فكرياً وثقافياً.

خليفة الخضر (23 عاماً) ناشط في الثورة السورية، قابلناه في مدينة غازي عنتاب التركية، لخليفة قصة مؤلمة مع الإرهاب، حيث اعتقل لمدة سبعة أشهر في سجن لداعش في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وكان قد هرب من السجن بما يشبه المعجزة، أما الآن فهو يعمل بالإعلام، إضافة إلى العمل في الدعم والإرشاد النفسي مع بعض المنظمات الدولية.

يرى خليفة أن لا أحدَ تقريباً يهتم بشأن مكافحة الإرهاب عن طريق التوعية أو طرح موضوع أسبابه للنقاش على المستوى السوري، وذلك بسبب "تعدد من يمارسون العنف. إذا قلنا، إن تعريف الإرهاب هو القتل دون تمييز وقتل المدنيين بغية تحقيق أهداف سياسية، فهناك النظام السوري وداعش ووحدات الحماية وتجاوزات بعض الفصائل المحسوبة على الثورة".

ويتابع: "شخصياً، حاولت إثارة الموضوع مع أكثر من طرف هنا بشأن إجراء حوارات والقيام بحملات توعية في المناطق المحررة في سورية، إذ نلاحظ أن أبناءها يلتحقون بمناطق داعش للانضمام إليه، وهم بمعظمهم من اليافعين، كان من الممكن أن يكون لمنظمات المجتمع المدني هنا دور أكبر في هذا المضمار إلا أن ذلك لا نراه".

أما الحل الأمثل بنظر خليفة فهو إثارة الموضوع داخل إطار المؤسسة الدينية، وهو يشيد بتجربة بعض رجال الدين المسلمين في مناطق حلب المحررة بخصوص مناهضة الإرهاب ويرى مناسبة جداً للتوسع فيها، خصوصاً مع تفاقم وتزايد الهوة بين الشباب السوري وهيئات المجتمع المدني، والتي اختزلت برأيه الإرهاب بداعش والنصرة فقط؛ ما أثر على مصداقيتها وحضورها بينهم.

التجربة الأبرز في هذا المجال في مدينة غازي عنتاب هو تجربة الناشط زاهر الشرقاط، أحد أبناء مدينة الباب التي سجن فيها خليفة، وكان الشرقاط عضواً فاعلاً بحراكها الثوري بالإضافة لعمله كخطيب في أحد جوامعها خلال الثورة، حيث اصطدم بما يعرف بالشرعيين بتنظيم داعش قبل أن تدخل الأخيرة في قتال ما زال، حتى اللحظة، ضد فصائل المعارضة، إذ منع عدد منهم بأكثر من مرة من الخطبة في المسجد الذي كان يخطب فيه.

الشرقاط وبعد أن خرج من مدينته الباب أقام في مدينة غازي عنتاب وبدأ بالعمل مع إحدى القنوات التلفزيونية المعارضة للنظام السوري واشتهر كمقدم برنامج فند فيه مزاعم داعش وانتقده بشدة مستفيداً من ثقافته الإسلامية الواسعة، وبقي كذلك إلى أن اغتيل بكاتم صوت في أحد شوارع المدينة التركية، خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، وقد تبنى داعش عبر بعض إصداراته عملية الاغتيال.

يقول راشد وهو أحد الإعلاميين من أبناء منطقة الشرقاط: "إن عمل الشرقاط في قطاع التوعية ومكافحة داعش عن طريق الاستشهاد بنصوص وأحكام إسلامية ومقارنتها مع أعمال التنظيم كان لها أثر واضح على خطاب التنظيم وصدقيته، وتأثيره هذا هو ما دفع الأخير لاستهداف".

ويتابع: "الشريحة الأبرز التي أثر فيها خطاب الشرقاط المعتدل والمناهض للإرهاب، كانت ممن يعيشون خارج سورية ويؤيدون أفعال التنظيم أو يعتبرونه تجسيداً لثقافة الإسلام وشريعته، وهو ما فشلت فيه فعاليات أخرى، خصوصاً المنظمة من قبل هيئات المجتمع المدني".

شعور الإنسان بالخجل اتجاه ضعفه من جهة، واتجاه قوة الآخرين وجبروتهم؛ كل ذلك يدفعه نفسياً للتعويض عن هذا الضعف أو مواجهة تلك القوة العاتية، هذه الظواهر النفسية نراها، اليوم، تلقي بظلالها على الشباب السوري المنخرط في الثورة السورية، سواء من كان في الداخل السوري أو في الدول المجاورة أو في المهاجر الأوروبية، هذا الشباب الذي يعتقد أنه لم يستطع تصدير ثورته للعالم بالشكل الأمثل.

عقدة النقص الموجودة لدى الشباب السوري هي عقدة نقص تجاه النفس أولاً وأخرى تجاه الآخر، لذلك وبسبب الأولى ترى الشاب السوري يحتقر نفسه كإنسان عربي أو مسلم أو شرق أوسطي، وهو ما نراه جلياً لدى الشباب الذين يأخذون أقصى درجات العداء مع الجماعات الإسلامية والتي يحملها النتيجة التي وصلت إليها الثورة، وتعتبر جملة "ما خرب بيتنا إلا الإسلاميون" مألوفة جداً في هذا الوسط.

أما الثانية فهي التي تجعلنا نحتقر الآخر ونعتبر أنفسنا أرقى وأفضل منه لمجرد الاختلاف فقط، وهو ما يؤمن به معظم الشباب السوري الملتحق بداعش أو بجبهة النصرة أو الموجود في مناطق داعش أو في المناطق المحررة، ويزيد من حدة موقفهم القصف المتوالي والمستمر على مناطقهم، والذي يعزز هذه العقدة ويجعلها ثابتة في شخصياتهم بشكل دائم.

معظم الشباب السوري ممن التقيناهم، لا ثقة لهم بجدوى عمل المجتمع المدني بهذا المضمار، كما أن محاربة الإرهاب تبدو مستيحلة في وقت يمارس فيه النظام السوري القتل بشكل علني وأمام العالم كله، حتى الحلول السياسية والعسكرية لا تبدو ناجعة بنظرهم مع بقاء النظام والذي يعتبرونه المسبب الرئيسي له.


(سورية)

المساهمون