مآلات التغريبة سورياً وعراقياً

04 يوليو 2016
يُرجّح أن يستمرّ النزوح (جون مور/Getty)
+ الخط -
لا يستطيع أحد أن يدّعي الخبر اليقين أنّ العراق وسورية ستعودان إلى ما كانتا عليه دولة مركزية واحدة كما سبق. التصريحات الأميركية والروسية تجزم بأنّ حدود سايكس - بيكو باتت مجرّد صفحات في كتب التاريخ لا أكثر ولا أقل. كذلك فإنّ خريطة، أو مجموعة خرائط جديدة بالأصح، سوف تحلّ محلها. محللون كثر يعتبرون أنّ العراق قد انتهى أمره كدولة واحدة، تعرف ذلك الولايات المتحدة الأميركية وأيضاً إيران وتركيا المجاورتان. كذلك، فإنّ ما يجري من معارك في هذه المحافظة أو تلك، ليس سوى خلاف على حدود هذه الفيدراليات أو الدويلات التي تجري صياغتها على نار حامية. الدويلة الشيعية قائمة وشبه ممسكة بزمام الأمور. الدويلة السنية سوف تنشأ حتماً على أنقاض بقايا دولة الخلافة باعتبارها البديل عن العودة إلى الانضواء تحت عباءة سلطة تتدثر بالعباءة الشيعية - الإيرانية الصريحة في المحصّلة. أما الدويلة الكردية، فقد لقيت اعترافاً بها على الصعيد الدولي إلى حدّ ما.

الأميركيون يقيمون علاقات نوعيّة معها، وروسيا أخيراً، وكذلك ألمانيا وغيرها من دول أوروبا. والأكراد يتصرّفون كأنّهم دولة قائمة بذاتها، بصرف النظر عن إرادة بغداد وقراراتها. بالتأكيد، تركيا تتوجّس من هذا الوضع نظراً لمضاعفاته عليها.

تداعي الحدود القديمة لا يقتصر على العراق فحسب، بل يشمل سورية بطبيعة الحال، وعليه تنشأ فعلاً على الأرض دويلات ما دون الوطنية العراقية والسورية في كلا البلدين. وفي الغالب، تتّخذ هذه الدويلات المضمون الطائفي أو القومي الصافي، ما يعني أنّ التغيير الذي يصيب التركيبة السكانية على صعيد التطهير الطائفي والإثني سوف يترك بصماته بالضرورة على البنية السياسية المقبلة. لا يبدو أنّ ثمّة أملاً كبيراً في العودة إلى الصيغ السابقة، حيث للدولة الوطنية سلطة وإدارة وجيش واقتصاد وعملة وسياسة خارجية ودورة عمل وإنتاج وخدمات واحدة. البحث يجري الآن على قدم وساق عن صيغ محتملة تتلاءم مع التطورات.

الصيغ التي جرى اعتمادها في كلا الدولتين، ثبت أنّها مولِّدة لحروب لا ترحم، بدليل مستوى العنف المعتمد، علماً أنّ الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية بما فيها حلف وارسو مثلاً، انهارت بكليّتها من دون ما يذكر على صعيد استعمال الترسانة العسكرية الضاربة التي كانت مكدّسة في مخازنها.

إذاً، فشلت التراكيب المتحدرة من التجربة العسكرية العربية، وفشلت بعدها المقولات والتجارب الفيدرالية بدليل النموذج العراقي. بالطبع فإنّ فشل النموذجَين لا يعني أنّ ما يجري ويصاغ عبر النار وأشكال من التدخلات الدولية، من شأنه إنقاذ الوضع المتدحرج ووقف مسلسل الحروب الطاحنة. الدويلات الطوائفية التي تجري رعايتها سوف تنجح بالتأكيد في فتح ستارة المسرح على حروب المائة عام المقبلة، إذ سوف تندفع كلّ واحدة إلى الدفاع عن حدودها الجغرافية والأيديولوجية. ودوماً ليس في الصراعات التي تتخذ طابعاً دينياً أو مذهبياً تسويات، بل في ذهاب كلّ طرف من أطراف الصراع نحو الحد الأقصى مهما كلف الأمر من ضحايا وخراب.

إن كان هذا يعني من أمر، فإنه يعني توليد مزيد من الحروب وبالتالي تصدير مزيد من اللاجئين وتدمير ما تبقى من طاقات المجتمعات البشرية والمادية على حد سواء.

(أستاذ جامعي)

المساهمون