لم يكن اللجوء إلى أوروبا من ضمن مخططات الصحافية والناشطة السورية ليندا الغلاييني، لكنّ الظروف الصعبة في تركيا دفعتها إلى ذلك بعدما تركت سورية إثر ملاحقة أمنية، على خلفيّة نشاطها الداعم للنازحين في جرمانا في ريف دمشق.
وصلت ليندا الأم الباحثة عن استقرار بناتها الثلاث إلى النمسا، بعد رحلة شاقة. وقد ساقها القدر إلى هذا البلد الذي لم تكن لديها معلومات مسبقة عنه، باستثناء ما نقله لها بعض الأصدقاء. يُذكر أنّ ليندا خبرت رحلة عمل شاقة في تركيا مع عدد من وسائل الإعلام العربية، لا سيّما السورية.
"الإحساس بالغربة والوحدة في مجتمع لا يشبهني أبداً، والقوانين الناظمة للحياة الاجتماعية، والروتين، والبيروقراطيّة القاتلة مع كثرة المعاملات الورقية والمواعيد المستمرة"، بعض من الأمور التي عانت منها ليندا في بداية لجوئها إلى النمسا، بحسب ما تخبر "العربي الجديد"، من دون أن تنسى اللغة.
وتشير ليندا إلى أنّ التعامل مع الدوائر الحكومية النمساوية لم يكن صعباً، هي التي تسكن في غراتس ثاني أكبر مدن النمسا، إذ إنّها تتقن اللغة الإنكليزية بحكم دراستها وعملها في الترجمة. لكن من أجل الحصول على عمل، "لا بدّ من تعلّم وإتقان اللغة الألمانية. وهذه من أصعب المغامرات".
وعن اللجوء في النمسا، تقول ليندا إنّه كما في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي التي تمنح اللاجئ حقوقاً كاملة". بالنسبة إليها، فإنّ "ثمّة مجتمعاً آخر في النمسا. صحيح أنّه غريب عن المجتمع السوري، إلا أنّ المرأة السورية وجدت من يدافع عنها ويساويها بالرجل". تضيف أنّ "المرأة السورية لم تعد تخاف من نظرة المجتمع إليها إذا تطلّقت، ولا من الضائقة المالية التي قد تتعرض لها إن تركت عش الزوجية بسبب ظلم لحق بها".
وقد تكون النمسا بلداً مناسباً لأمّ مثل ليندا، إذ تشرح أنّ "ثمّة مراعاة للعوائل التي تضمّ أطفالاً، بالإضافة إلى اهتمام كبير خاص بتأمين المدارس وتقديم الدعم الدراسي والنفسي والترفيهي للأطفال". لكنّ ليندا تلفت إلى أنّ "حياة اللجوء لا تخلو من صعوبات ومشاكل عدّة تتشابه في معظم دول اللجوء، إذ إنّ مجتمعاتها لا تختلف فقط عن المجتمعات الشرقية في العادات والتقاليد والدين إنّما تختلف في وسيلة التواصل والتفاهم عبر اللغة، فضلاً عن الحالة النفسية التي يعاني منها اللاجئون".
من خلال تجربتها، ترى ليندا أنّ "عدم الاندماج مع المجتمع الجديد يعود إلى أسباب عدّة، ومنها تشبّث اللاجئ بأفكار غريبة عن المجتمع المحلي الجديد والتمسّك بعادات غير محبّذة فيه ومحاولة فرضها على المجتمع، فضلاً عن الإحباط الناجم عن الضغط المادي وصعوبة تعلم اللغة وقلّة فرص العمل أو عدم الحصول على عمل مناسب".
وليندا التي تسعى دائماً إلى تطوير نفسها، تؤكد أنّ "مفتاح النجاح في أوروبا هو النشاط والمثابرة والطموح واحترام القانون وتعلم اللغة"، وهي تعمل حالياً على "إعداد وتقديم برنامج صباحي باللغة العربية في إذاعة راديو هلسنكي في مدينة غراتس الواقعة على ضفاف نهر مور جنوبي شرق النمسا".
تجدر الإشارة إلى أنّ ليندا رُشّحت من قبل قسم الاندماج في مدينة غراتس للمشاركة في ورشة تحمل عنوان "هي ليست لاجئة.. هي إنسانة" وتتناول المرأة السورية اللاجئة. وقد شرحت ليندا خلالها لوزيرة المرأة والشباب النمساوية ولممثلي دول الاتحاد الأوروبي، الصعوبات التي تواجه المرأة السورية في اللجوء وقدّمت لهم حلولاً تراها مناسبة.