ما إن جنّ الليل في اليمن، حتى هدأت الأمور، وعاد المواطنون إلى بيوتهم بعد حالة غضب عارمة اجتاحت شوارع العاصمة، عقب سماعهم صباح اليوم الأربعاء نبأ رفع أسعار الوقود، وقامت وحدات من الشرطة، مساءً، بإزالة مخلفات الحرائق والأحجار وفتحت الطرقات.
واللافت أنه بمجرد إقرار "الجرعة السعرية الجديدة" توفر الوقود في المحطات، بعد أزمة خانقة عاناها اليمنيون في المشتقات، لأكثر من 4 أشهر.
وأعلنت الحكومة، اليوم، رفع أسعار المحروقات بنسبة زيادة كبيرة بلغت 80 بالمئة للبنزين و150 بالمئة للسولار.
وباشرت المحطات بيع الوقود وفق التسعيرة الجديدة، ولم يجد الغالبية سوى الاستسلام للزيادة، ويدلل توفر الوقود في المحطات عقب رفع الدعم أن أزمة انعدامه كانت مفتعلة حسب بعض المحتجين.
إجراءات مشددة
واتخذت السلطات إجراءات مشددة لمنع تصاعد الاحتجاجات، وقامت بنشر المئات من الجنود وأفراد الشرطة في العاصمة صنعاء ومدن أخرى، وفرق الأمن محتجين بالرصاص الحي في مناطق عديدة من العاصمة.
ولم تعلن أي من الأحزاب المشاركة في حكومة الوفاق، رفضها للزيادة السعرية الأخيرة في المشتقات، بل إن مصادر مطلعة تؤكد أن قرار الزيادة جاء بعد موافقة كافة الأحزاب.
وفي أول تعليق لمسؤول حكومي على رفع دعم المشتقات، تحدّث وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد أثناء زيارة ميدانية لوحدات من الجيش قائلًا إن "حكومة الوفاق الوطني لدعم الاقتصاد اتخذت عدة إجراءات بدأتها اليوم برفع الدعم عن المشتقات النفطية، والذي كان يذهب بنسبة كبيرة إلى مهربي المشتقات النفطية وجيوب بعض المتنفذين والجماعات والشركات الأجنبية، بينما لا يصل المواطن سوى النزر اليسير".
وأضاف الوزير أنه " قد آن الأوان ليعود المال إلى أهله، وستعمل حكومة الوفاق على إجراء الإصلاح الاقتصادي بما يخدم الشرائح الوطنية المستحقة، وتحسين أوضاعهم المعيشية، وتعزيز الاقتصاد الوطني والحفاظ على استقرار العملة وجذب المزيد من الاستثمارات".
ودعا أحمد المواطنين إلى "مؤازرة قرارات الحكومة"، مؤكداً على أهمية "محاربة تهريب النفط ومشتقاته، حيث تم القبض مؤخراً على سفينة في شواطئ المهرة (شرقي البلاد)، تحمل أكثر من 30 مليون لتر من مادة الديزل (سولار) وإعادتها إلى ميناء نشطون".
وقفزت أسعار وسائل النقل بنسبة تصل إلى 100% في بعض الحالات، ذلك أن حجم الزيادة المقررة اليوم غير مسبوق حسب مواطنين.
هدوء الشوارع
وبعد هدوء الشوارع صرح مصدر مسؤول في الحكومة لـوكالة (سبأ) اليمنية بأنه ووفقاً لقرار مجلس الوزراء بشأن إقرار حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية، ومنها تحرير أسعار المشتقات النفطية، بهدف تصحيح الاختلالات في الموازنة العامة وتوفير الموارد المالية اللازمة لمشاريع التنمية وتحسين الخدمات الاجتماعية للمواطنين.
وحسب المصدر، قامت شركة النفط اليمنية بتوفير المشتقات النفطية وبوفرة في كافة محطات البترول، وفي عموم محافظات الجمهورية ووفقا للأسعار الجديدة.
وأكد المصدر أن الحكومة بصدد اتخاذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية الرامية إلى تحسين الخدمات العامة، وإطلاق العلاوات السنوية للموظفين، وزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي الحالية بنسبة 50%، وإضافة أكثر من ربع مليون حالة جديدة، بالإضافة إلى خطوات جادة لإصلاح الأوعية الضريبية، ومعالجة حالات الازدواج الوظيفي وغيرها من الإجراءات.
وجاء القرار الرسمي لرفع أسعار الوقود بعد أشهر من ضغوط المانحين الدوليين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، وذلك من أجل رفع الدعم عن المشتقات النفطية، باعتباره "بوابة للفساد المالي".
اختفاء ظاهرة تخزين الوقود
وقال الخبير الاقتصادي سعيد عبد المؤمن في تصريحات لـ" العربي الجديد" إن اختفاء طوابير السيارات، جاء بعد امتناع اليمنيين عن التخزين، عقب ارتفاع الأسعار، فتوفرت الكميات التي تلبي احتياجات السوق.
في حين يرى المواطن، محمد أحمد، أن اختفاء طوابير السيارات من أمام محطات الوقود، سببه سياسي، وبأن أطرافاً سياسية كانت تحشد أنصارها وتجبرهم على النزول إلى المحطات لإحداث الأزمة القائمة.
وقال مسؤول في وزارة النفط اليمنية لمراسل" العربي الجديد" إن العائد السنوي من رفع الدعم عن الوقود، يقدر بنحو 3 مليارات و600 مليون دولار، وهو ما يمثل ثلث الموازنة العامة للدولة.
ووفقاً للبنك الدولي، فإن كلفة دعم الوقود في اليمن تبلغ نحو 10 ملايين دولار يومياً، بما يعادل 8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وينفق اليمن نحو ملياري دولار سنوياً على دعم الديزل، وهو ما يشجع على ضخ المياه بشكل مفرط بواسطة المحركات، ويساهم في الاستنزاف السريع لموارد المياه في اليمن، بحسب تقارير رسمية.
ووفقاً لوزارة المالية اليمنية، فإن الإنفاق الفعلي على فاتورة المشتقات النفطية، بلغ العام الماضي ستة مليارات و81 مليون دولار، منها أربعة مليارات و857 مليوناً قيمة المستورد، في حين قدرت الحكومة حصتها من النفط في موازنة السنة الماضية بـ 54 مليون برميل، لكنها لم تتسلم سوى 42 مليون برميل.
وقدرت الحكومة اليمنية حصتها للعام الحالي بنحو 51 مليون برميل، لكن الحصة الفعلية، بحسب وزارة المالية، تشير إلى أنها ربما لن تتجاوز 36 مليون برميل، بسبب تفجير أنابيب النفط المستمرة.
جرعة مفاجئة
وحسب الخبير الاقتصادي سعيد عبد المؤمن فإن الحكومة "اليمنية" لم ترفق مع هذه الجرعة المفاجئة إجراءات اقتصادية، حتى ولو كانت مسكنات كما كان يحصل في السنوات السابقة، مشيراً إلى أن وعوداً أطلقت من مصادر رسمية حتى الآن، تقضي بعمل زيادة في رواتب موظفي الحكومة.
ووفقًا للبنك الدولي، فإن اليمن البالغ عدد سكانه نحو 25 مليون نسمة، هو من الدول الأشد فقراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بنسبة فقر تبلغ 42.8 في المئة، ووصلت مستويات سوء التغذية بين الأطفال إلى نحو 59 في المئة عام 2011.
ويعيش ثلث سكان اليمن البالغ عددهم 25 مليون نسمة على أقل من دولارين في اليوم، وتقدر البطالة بنحو 35 في المئة، في حين أن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 60 في المئة.
استمرار تفجير حقول النفط
ويواجه اليمن صعوبات في بسط الأمن والاستقرار في البلاد، حيث يستمر مسلسل تفجير أنابيب النفط الذي يعتمد عليه اليمن في موازنته السنوية بنسبة تصل إلى 70 في المائة، وهو ما يخفض الإنتاج النفطي ويعمق أزمة المشتقات.
وتصاعدت عمليات تخريب النفط اليمني عقب نجاح ثورة الشباب في فبراير/شباط 2011 في الإطاحة بالرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وبلغت خسائر التخريب في السنوات الثلاث الماضية نحو 4.75 مليار دولار، حسب الإحصاءات الرسمية.
واستورد اليمن مشتقات بترولية بنحو 975 مليون دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، لتعويض الفاقد في الإنتاج المحلي.
واليمن منتج صغير للنفط، ويتراوح إنتاجه بين 280 و300 ألف برميل يومياً، بعدما كان يزيد على 400 ألف برميل يومياً، قبل ثورة الشباب في فبراير/شباط 2011.
وتشكل حصة صادرات النفط الخام، التي تحصل عليها الحكومة اليمنية من تقاسم الإنتاج مع شركات النفط الأجنبية، نحو 70 في المئة من موارد الموازنة العامة للدولة و63 في المئة من إجمالي صادرات البلاد و30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
من جانبه أعلن المجلس السياسي لأنصار الله (الحوثيون) رفضه لقرار الزيادة، معتبرا أن الحكومة بهذا القرار "تعلن رسمياً حرباً شعواء على الشعب متنكرة لتضحياته الجسام إبان ثورة فبراير/شباط 2011 وأهدافه التي ناضل من أجلها لصنع مستقبل أفضل ."
وأضاف المجلس في بيان تلقى "العربي الجديد" نسخة منه، أن "جرعة الحكومة الظالمة تعكس فشل السياسة القائمة على المحاصصة والتي انتهت إلى ما انتهت إليه من الإثراء غير المشروع على حساب الفقراء والمُعدَمين باعتماد سياسة الجرع الاقتصادية مؤكدة بذلك أنها لا تختلف عن سابقاتها من حكومات ما قبل ثورة فبراير".
وفي السياق قام قبليون بتفجير أنبوب تصدير النفط في منطقة العرق بوادي عبيدة محافظة مأرب وسط اليمن، ونقل عن مصادر محلية أن التفجير جاء احتجاجا على رفع أسعار الوقود.