ليكن الإلحاد بهم في مصر الحل

16 نوفمبر 2014

شبان يواجهون قمع قوات الأمن المصري (30أغسطس/2014/الأناضول)

+ الخط -

نشر موقع اليوم السابع المصري، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تصريحاً للأنبا بنيامين، أسقف المنوفية، يقول فيه "الإلحاد انتشر في مصر نتيجة لثورة الشباب التى وقعت في 25 يناير"، مطالباً بضرورة تحصين المواطنين المصريين ضد فكر "الإلحاد". وفي السياق نفسه، تطالعنا الصحف، من وقت إلى آخر، بشأن تصريحات "رجال دين" مسلمين، تقترب مما ذكره الرجل، أن ثورة 25 يناير سبب "تفشي" ظاهرتي الإلحاد والعلمانية في مصر.

ويشهد الواقع أن في زمن تراجع الأمم وسيطرة المؤسسات غير المدنية على المجتمع، يتم إلباس المفاهيم بغير ما تحتمله. وبالتالي، يتم تحريف المفهوم وإخراجه عن دلالاته التي صك من أجلها. أيضاً، قد تقوم تلك المؤسسات التي تصبح سلطات تجثم على واقع المجتمع بصك مصطلحات جديدة، لتبرير ما تقوم به من سياسات وأفعال، من أجل شرعنة تلك السياسات والأفعال.

سيطر على المجتمع العربي، عقوداً طويلة، نوعان من المؤسسات، وكل منهما يغذي الآخر، حيث لا بقاء لأحدهما من دون الآخر. فالمؤسسة العسكرية لا يمكنها أن تحكم في مجتمع "متدين"، أو يراد به كذلك، من دون أن يكون لديها شرعية دينية، تبرر ضرورة وجودها، وتجعل من الخروج عليها إثماً، يؤدي بصاحبه، أو صاحبته إلى جحيم الدنيا والآخرة. وبالتالي، لا بد لهذه المؤسسة العسكرية أن تدعم استمرار هيمنة المؤسسات الدينية، سواء في شكلها المؤسسي، مثل الكنيسة، أم مؤسسة المسلمين الرسمية، أو في شكلها التنظيمي، كحركات دينية لديها خطابات موالية لها. ومع سيطرة الأخيرة على خطابات المجال العام، الدينية والثقافية، تصبح الممثل الحصري للـ"إله". وبالتالي، قد يصبح التطاول على قيادتها غير مقبول، بل ومحرماً، لأنه تطاول على ذات "إلههم". وتصبح الأسئلة بأنواعها محرمة، خصوصاً إن كانت تشكك في شرعية هذه القيادات، ومدى رشادة آرائها في المجال العام، وتطرح العلاقة بين السياسي والديني والمدني والعسكري. وهكذا، يصبح كل من يقوم بهذه النوعية من الأسئلة خارج الملة، أو يكاد خارجها، ما لم يعد إلى حظيرة الكنيسة، أو المؤسسة الرسمية المسلمة. ولا بد أن يلصق به من المصطلحات ما يبرر التنكيل به للعامة. هؤلاء العامة الذين رضو أن يكونوا داخل الحظيرة الدينية العسكرية "ذات الوطنية"، وبالتالي، فهم شعب الكنيسة، وهم شعب المسلمين الذين لا يمكن أن يُتاح لهم المجال للاستماع إلى أسئلة من خارج السياق، أو من الخارجين عن النظام. ليس هذا النظام سياسياً فحسب، بل هو نظام سياسي عسكري ديني، متشابك في تعاقدية بليغة في العلاقات والمصالح والوجود قطعاَ.

إذن، لابد أن تكون ثورة 25 يناير 2011 وكل ثورات الربيع العربي سبباً في الإلحاد، كما تعرفه السلطات، لأنها ببساطة أخرجت ناساً كثيرين، وخصوصاً من الشباب، من إطار النظام وفلكه وثقافته ودينه وعقيدته. ولابد من تحصين "المواطنين" (بالتعريف السلطوي هم المتبعون لخطابات السلطات) من هذا الإلحاد. والإلحاد هو كل فعل، أو قولٍ، يقوم به شخص خارج عن النظام الموضوع من هذه السلطات التي تدّعي الشرعية، وامتلاكها المشروعية، إما بقوة السلاح أو بقوة الـ"إله"، أو بهما جميعاً. ويصبح طرح الأسئلة إلحاداً إذا ما كانت تشكك في شرعية هذه السلطات. وبالتالي، لا مفر من ضرورة تبني تعريف السلطات ــ الإلحاد، لأن غير ذلك سيكون إلحاداً، وهو، بالضرورة، سيؤدي بك إلى جهنم التي أعطيت مفاتيحها لهذه السلطات، ولا يمكنك أن تسأل كيف أعطيت هذه المفاتيح لهم، لأن ذلك سيكون قطعاً إلحاداً.

لن تتوقف الدائرة، أبداً، في وصم شخص يهتف ضد الحكم العسكري في الكنيسة الأرثوذكسية، في أثناء الاحتفال بمولد المسيح في عام 2012 بالعلماني، والعلمانية، حسب تعريف السلطات الدينية المسيحية والإسلامية الرسمية في مصر ومشايخ الحركة السلفية، كفر، وبالتالي، هذا الشخص وحركته مستباح دمه، وللمؤسسة الحاكمة الحق في دهسه في المظاهرات، والقضاء على الحركة التي ينتمي إليها، ولا عزاء، فلقد انتهك منظومة النظام، وخرج عن حظيرة الكنيسة وجلبابها الأسود. وهذا، أيضاً، مصير ذلك الشاب أو الفتاة التي تخرج في ساحة الأزهر، تشكك في شرعية قيادتها، فهو وهي إرهابيان، ومصيره ومصيرها لا يمكن التساؤل حوله، لأنهما انتهكا المنظومة، وبالتالي، قتْلهما أو التنكيل بهما يجوز شرعاً، لأنهما ببساطة خارج العباءة الإسلامية!

إذن، لا تسأل وإلا سُتلصق بك كل المصطلحات سيئة السمعة، أو التي تم تحريفها عن معانيها. ولا تثرْ، لأن في ذلك خروجاً عن سلطان الـ"إله". وانتبه، لأنك قد تكون عضواً في جماعة/حركة تعطي لمرشدها/قائدها وحراسة معبده القدسية نفسها التي تعطيها هذه السلطات لرؤسائها وقياداتها: الحلقة واحدة والمسميات مختلفة، والنتيجة واحدة. إذا سألت حول شرعية النظام فأنت ملحد، وإذا كان هذا تعريفهم للإلحاد، فليكن إلحاداً! وإذا سألت عن شرعية الهيمنة الاقتصادية لنخبة ديكتاتورية، فأنت ملحد، وإذا كان هذا تعريفهم للإلحاد، فليكن إلحاداً! إذا سألت عن شرعية رأس الكنيسة ورأس الأزهر في التدخل في الشأن السياسي، وفرض فتاوى، فأنت ملحد، وإذا كان هذا تعريفهم للإلحاد، فليكن إلحاداً. إذا سألت متشككاً عن "القدسية" التي حول شيخ حركتك، وطالبت بتنحيه وعزله، فأنت ملحد، وإذا كان هذا تعريفهم الإلحاد، فليكن إلحاداً. إذا طالبت بإسقاط النظام، فأنت ملحد، وإذا كان هذا تعريفهم للإلحاد، فليكن إلحاداً.

لن يتقدم المجتمع إلى الأمام، إلا بطرح الأسئلة غير التقليدية، والبحث عن إجابات لها، ولا يوجد وقت غير مناسب للأسئلة، فالوقت دائماً مناسب لأي أسئلة، ولأي تشكيك، ولا يملك مفاتيح السماء إلا خالقها. وإذن، فالإلحاد والكفر بنظامهم ومنظومتهم والخروج عليه ليس حراماً، بل واجب وفرض، فلنكن ملحدين سياسياً، ومؤمنين بالله.

EB663898-3457-459C-B1E2-A40FE222DCB7
نجوان الأشول

كاتبة مصرية، رئيسة المركز العربي لتحويل النزاعات والتحول الديمقراطي، باحثة دكتوراه في الحركات الاجتماعة والإسلامية بالجامعة الأوروبية، عملت باحث دكتوراه في المعهد الألماني للدراسات الدولية. تنشر مقالات بالعربية والانجليزية.