لا أعرف لماذا لا تتحلى الحكومة المصرية بروح الشجاعة وتخرج على الرأي العام لتعترف أنها كانت السبب الرئيسي في أزمة النقد الأجنبي الحادة التي تمر بها البلاد، وأن تعترف كذلك بفشلها في احتواء الأزمة التي أربكت الأسواق والمواطن وأحدثت قفزات مستمرة في الأسعار، وأنها أخفقت في وقف تهاوي العملة المحلية المستمر أمام الارتفاع المجنون للدولار والذي نتج عنه فقدان الجنيه 25% من قيمته أمام العملة الأميركية في السوق الرسمي وأكثر من 50% في السوق السوداء، كما فشلت أيضا في القضاء على السوق السوداء للعملة والتي وعدت بدفنها عدة مرات.
ولا أعرف لماذا تتأخر هذه الحكومة في الإعلان عن خطة واضحة المعالم تحدد بدقة كيفية إعادة الحياة لأنشطة الاقتصاد المدرة للموارد الدولارية والتي تراجعت بشدة في آخر 3 سنوات، هل سمعنا مثلا عن خطة لدب النشاط في قطاع السياحة المتردي، أو استراتيجية محددة الملامح لتنشيط الصادرات التي فقدت 5 مليارات دولار من قيمتها خلال 2015 فقط، أو عن إجراءات إعادة ثقة لإقناع العاملين بالخارج بتحويل أموالهم لحاجة الاقتصاد لها.
هل رأينا محاولات من هيئة قناة السويس لجذب سفن وحاويات جديدة للمرور بالقناة، وإقناع دول بأهمية مرور سفنها عبر القناه بدلاً من رأس الرجاء الصالح وقناة بنما؟ هل رأينا خطة واضحة لإعادة الاستثمارات الأجنبية الهاربة؟
للأسف لم يحدث ذلك، ولم نجد إجراءات فعلية على الأرض، والنتيجة استمرار أزمة الدولار الطاحنة، والتوسع في سياسة الاقتراض الخارجي.
وبدلا من أن تبحث الحكومة عن حلول واقعية لأزمة الدولار راحت تبحث عن مبررات واهية تحملها زعزعة استقرار العملة المحلية.
آخر ما تفتق عنه ذهن الحكومة هو إعداد مشروع قانون يفرض عقوبات بالسجن على من يبيعون العملة الأجنبية خارج القنوات الرسمية.
القانون ببساطة يعني انتقال نشاط تجارة العملة من داخل مقار شركات الصرافة إلى المنزل والمقاهي والشوارع الخلفية للبنوك والصرافات، كما أن القانون يذكرني بالقيود التي فرضها البنك المركزي على عمليات إيداع النقد الأجنبي والذي اضطر في النهاية للعدول عنها لعدم جدواها.
القانون الجديد ستكون له تأثيرات سلبية على سوق الصرف، لأنه يعطي رسالة للسوق أن أزمة الدولار مستمرة، ولذا تحتاج لقانون، كما قد تؤدي لإغلاق عشرات شركات الصرافة وتصفية العمالة بها.
يا سادة سوق الصرف يخضع في كل دول العالم للعرض والطلب، وبالتالي فإن القوانين والإجراءات الإدارية ليست صاحبة الكلمة النهائية في إدارة السوق، الكلمة لعرض دولاري يزيد على الطلب، هنا يعود الاستقرار مباشرة للأسعار، وفيما عدا ذلك تصبح المحاولات تضييعاً للوقت والجهد.