ليس بالحبس وحده يُقهر المصريون

11 يناير 2015
الناشطة ماهينور المصري التي اعتقلت العام الماضي (العربي الجديد)
+ الخط -
يتنوع القهر وأشكاله بل ومضامينه، وهو مفهوم لصيق الصلة بعلاقات الهيمنة والسلطة، سواء كانت داخل المجال الخاص العائلي وعلاقات الأفراد ببعضهم البعض أو علاقات العمل، وكذلك تتضح أشكاله من خلال علاقة الدولة والسلطة بمواطنيها. تلك العلاقة التي تتحدد بمدى توافر الديمقراطية والحريات والعدالة. وبقدر تمثيل الفئات الحاكمة للشعب بقدر ما تتراجع ممارسات القهر وأشكاله. 
علاقات العمل بين الأجراء وأصحاب المصانع تتسم بالمنطق نفسه، فهي علاقة يرضخ فيها العمال لأصحاب الأعمال نتاج حاجتهم للعمل حتى يستطيعوا استكمال حياتهم وتوفير القوت لهم ولأسرهم. يرضون بالقهر الاقتصادي كبديل عن العوز.
التأميم ومصادرة الأموال من الفاسدين ومن نهبوا الشعب أو من يحتكرون السلع والثروات أداة من أدوات إحكام السيطرة السياسية. فالتأميم والمصادرة تصور يقوم نظرياً على أن هناك فئات نهبت المال العام المملوك للشعب وتحتكر الإنتاج وتضر المجتمع ككل، وهذا مطلب رفعته فئات في كثير من التجارب العالمية، خصوصاً إن كانت المصادرة ضرورة لمنع خطر محدق أو وقف الاحتكارات والتحكم في السلع او كإجراء لاسترداد أموال نهبت.
ومن هذا المنطلق النظري، لا يمكن فهم أي تصرف سياسي منعزل عن سياقه الاقتصادي والعكس. فحين يستخدم من يمتلكون السلطة أدوات القهر الاقتصادي والمصادرة في آن، لا بد أن يتجاور هذا القرار مع الكثير من علامات الاستفهام،
حيث إن قرار المصادرة أو التأميم يجب أن يعرض الضرورة التى أدت اليه وبيان أن هذا الأجراء لصالح الأغلبية وضد أقلية‎ .‎
إلا أن الحكومة المصرية لم تصادر أموال من نهبوا الشعب بل برّأتهم وتصالحت معهم، وفي ذات الوقت خرجت علينا بقرار ‏مصادرة أموال عدد من النشطاء، وهم ثلاثة من الشباب المعروف عنهم الانتماء الى معسكر الثورة، كفاعلين في المجال العام. وهم هيثم محمدين ويعمل بالمحاماة وترافع فى عدد من القضايا العمالية، وهو ابن احد القيادات العمالية في منطقة حلون العمالية. وخالد السيد وهو أحد قيادات شباب حركة العدالة والحرية، التي لعبت دوراً في الحراك السياسي السابق على اندلاع الثورة المصرية. والثالث هو هشام فؤاد وهو صحافي معروف بتوجهه الاشتراكي.
ولعل نشاطهم هذا وتوجههم المعارض للسلطة هو السبب في اتخاذ قرار المصادرة الذي يحمل في طياته معنى التضييق والقهر ‏المادي، ويسير فى اتجاه محاولات التشويه وتصوير معارضي النظام بأنهم عملاء وأصحاب ثروات يصرفونها لتخريب الوطن وهز ‏الاستقرار حسب توصيفات السلطة‎. وتمثل هذه الإجراءات طريقة قديمة لاغتيال المعارضين برصاص الفضيحة، على طريقة أن "جراب الحاوي" فيه ألاعيب كثيرة لم يكشف عنها بعد.
ليست أحكام وقرارت حبس الآلاف من طلاب الجامعات والشباب بتهمة التظاهر وحدها أداة ‏للقهر، فهناك القهر الاقتصادي كإقرار الغرامات مع أحكام الحبس وقطع الأرزاق والفصل من العمل أو رفض ‏التعيين من الأساس.
ولعل مسألة تدخل أجهزة الأمن فى الموافقة أو رفض تعيين أو ترقية الموظفين العموميين مثال واضح في هذا ‏الصدد.
فبداية من موظفي البلدية وعمال النظافة، مروراً بأساتذة الجامعات وكبار الموظفين، غالباً ما تتدخل الأجهزة الأمنية في التعيين ‏الوظيفي. والآن تتسع أدوات الدولة في استخدام آليات القهر الاقتصادي لإحكام قبضتها على المعارضين... لتعود الصورة لما كانت عليه، وربما في بعض الأحيان بصورة أكثر فجاجة.
فلا تستغرب ذا تسلمت خطاباً رسمياً من ‏جهة تقدمت للعمل معها، وكان محتوى الخطاب "لقد تم رفض تعيين المذكور بقرار من الجهة الأمنية".
إذ ترفع أبواق السلطة شعارات كدولة القانون والانصياع لأحكام القضاء، كأداة لتزييف الوعي وكتبرير للقهر والمحاصرة. وتستخدم آليات التغريم المالي في ما يخص القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، سواء كانت الكلمة منطوقة أو مرئية. فمازالت عقوبة الحبس والغرامة المالية في مصر سيفاً مسلطاً على الإعلاميين، ولعل قضية تغريم الإعلامي الساخر باسم يوسف خمسين مليون جنيه حالة شديدة الوضوح في هذا السياق.
دلالات
المساهمون