ليست وحدها الحروب

05 أكتوبر 2016
ليست نسبتهم كبيرة في العراق (صباح آرار/ فرانس برس)
+ الخط -
منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 تتدهور وعلى نحو مأساوي أوضاع كبار السن خصوصاً. تبدو في منعطفات معينة من هذه السنوات وكأنّها وصلت إلى القاع ، لكن بعد فترة وجيزة يترحّم كثيرون على ما كانوا عليه. كأنّ القاع يفتح على قاع أعمق وهكذا.

في هذه السنوات انهار كل شيء. انهارت قيمة النقد والأنظمة والقوانين العامة والخاصة والحياة الاقتصادية والاجتماعية والأسرية. ثم جاءت "داعش" و"الحشد" لتكتمل معالم الصورة. الأمر لا يقتصر على كبار السن ممن كانوا يعيشون في مدن الموصل والفلوجة وغيرهما مما تحول ويتحول إلى مسارح عسكرية تخضع فيها لأحكام الحصار القاسية، كما تتم فيها عمليات الاعتقال والإعدامات العشوائية ، ويتحول الناس، ومنهم كبار السنّ، إلى دروع بشرية أو "فشة خلق" أو موضوع انتقام، وضحايا بالمئات يسقطون يومياً بالتفجيرات. بل كلّ العراق مسلخ مفتوح لمنوعات العنف: السياسي، والاقتصادي، والمعيشي، والنفسي، والجنسي. والمسنّون هم الطرف الأضعف في المعادلة.

وقائع نهب المال العام تضغط على أوسع الفئات الاجتماعية وتجني قلة المليارات. تتهاوى إمكانات العيش مع انهيار الخدمات العامة ونظام الأجور والتعويضات والتقديمات الاجتماعية والدورة الاقتصادية الطبيعية. تنال وزارتا العمل والشؤون الاجتماعية الفتات، بينما تتحول المقدرات بما تتضمنه من ديون من البنك الدولي وغيره الى الوزارات العسكرية والأمنية. هناك حماة للفساد على مستويات محلية وإقليمية ودولية. لا علاج في الأفق مهما صرخ المتظاهرون.

يفتقد العراقيون الحد الأدنى من دور إيواء المسنين. ما هو متوفر من القطاعين العام والخاص لا يربو على 13 داراً تأوي أكثر من 600 شخص بقليل. وهي على أي حال تفتقد المقومات الصحية والكادر البشري المتخصص والتغذية الصحية. نتحدث عن مليون ومائة ألف من كبار السن ومن يتلقون رعاية منقوصة فقط ليسوا أكثر من عدة مئات. مئات المليارات تختفي بين ليلة وضحاها، ودعوات الإصلاح والمحاسبة تتحول إلى مجرد صدى يضيع في الفراغ.

نسبة المسنين في العراق هي 3.1 في المائة من السكان، وهي نسبة ضئيلة تستوجب البحث: ألا يكبر العراقيون؟ قد تكون الحروب المتسلسلة التي خاضها العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي مسؤولة عن هذا الوضع، وقد يكون التخلف والعوز الذي يلفّ البلاد هو المسؤول عن تراجع معدلات الأعمار.

الخراب الاقتصادي يكمل المشهد. وحدها المؤسسات العسكرية، رسمية وخاصة تتضخم ... والعراق الذي كان يوماً من بين الدول الأغنى في العالم بات في أسفل قائمة الدول الفقيرة.

*أستاذ جامعي

المساهمون