ليتوقف التضامن المزيف.. ليبدأ العمل
متى سنكف عن اختزال التضامن برفع شارة النصر وراية فلسطين والاصطفاف في طابور، نردد مع من حولنا شعارات تعود إلى أيام حرب الخليج؟ ألا توجد أي طريقة للتضامن سوى بهذه الشاكلة، أليس في هاته الهيئات التي تدعو إلى التظاهر شكل للتنفيس عن الكبت لا أكثر، رغبة ونية بإيجاد طرق جديدة للتضامن، وإيصال صوت الشعب المغربي لقضية فلسطين أو غيرها. الأولى أن نتضامن مع ذواتنا، أولاً، ونتصالح مع أنفسنا، ونرد ولو شيئاً من عزتنا وكرامتنا، قبل الحديث عن قضايا الأمة، والأولى أن نغير ذواتنا، لنغير واقع أمتنا المتأزم الذي نحمل جزءاً من المسؤولية فيه.
غزة، بل فلسطين، تبقى جرح الأمة الإسلامية جمعاء، لكن، يجب أن لا نجعلها شعارنا، كلما استهدفها الكيان الغاصب بالعدوان، وننساها، مباشرة فور إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين، بل المطلوب أن لا ننسى القضية الفلسطينية، طوال السنة، ومحاولة كسر الحصار عليها بجميع الطرق الديبلوماسية والسياسية والثقافية، وبكل طريقةٍ يمكن أن تكون قنطرة للتخفيف، وكسر الحصار واسترجاع فلسطين من الصهاينة الغاصبين. أما أن نبقى ملاحظين ومشاهدين بدون وزن في المحافل الدولية، ولا نستطيع المشاركة في اتخاذ القرارات، ونكتفي بالتصفيق، وترديد الشعارات، فهذا تعفينا منه غزة وفلسطين، وتقول لنا ارحموا الناس عناء السفر والحرارة في رمضان، والتصفيق والوقوف في طوابير يوم الأحد، وفي خرجاتكم المهرجانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن كانت فلسطين جرح الأمة الغائر، وانتهاك حقوق الفلسطينيين من طرف فاشيين احتلوا الأرض الفلسطينية، فلا ننسى أننا في كل الدول العربية، الخارجة في مسيرات تضامنية مع غزة، ما زلنا محتلين من هيمنة الصهاينة الذين يسيطرون على ما لا يستهان به في القطاع المالي العالمي، والذي يستغلونه في التحكم في الدول المقترضة من صندوق النقد والبنك الدوليين. وما تخاذل الحكام العرب والجيوش العربية إلا إشارة إلى تأثيرات هذه الهيمنة. وإن كان التضامن بالشعارات والتنافس على من يحشد أكثر عدد من الموالين له، للتبجح بها في مواقعه الإلكترونية وفي جرائده، وإضافتها في سجل معاركه النضالية، ففلسطين تعفيكم من مسيرتكم هاته. غزة تريد الانتصار على الاستعمار والاستبداد بكل أشكاله وأنواعه، والانتصار للحق ومناهضة التطبيع مع الظلم والجور ورفض الاستكانة إلى حاكم مستبد.
غزة مدينة صغيرة بسكان محاصرين براً وبحراً وجواً من أقوى جيش في المنطقة، ومع ذلك، تقاوم وتكبد العدو خسائر، ومن رحم الحصار، تخرج أفواج سنوية من حفظة القرآن الكريم ومن دكاترة ومهندسين وعباقرة يطورون صواريخ وتكتيكات حربية، كل هذا على الرغم من قلة الدعم، إن لم نقل انعدامه، غزة تخرج في كل عدوان أكثر قوةً وإصراراً على المضي في التحام الشعب الفلسطيني بالمقاومة، والسير في درب التحرير وكنس الصهاينة الغاصبين من فلسطين، فعدوان ديسمبر 2008، ثم يناير 2009، وعدوان 2012، ثم عدوان 2014، كلها عناوين بارزة، تدون بمداد من ذهب، لصمود شعب أعزل ومقاومة باسلة في منطقة جغرافية صغيرة محاصرة من كل الجهات، أمام جيش مدرب ومزود بأحدث الأسلحة، وأمام تخاذل واضح للحكام العرب، بل وتواطؤ بعضهم في التضييق على غزة والتآمر عليها.
التضامن الحقيقي يتجلى في الدفاع عن شرعية المقاومة في المحافل الدولية، والضغط على الصعيد الدولي، لأجل الاعتراف بحق المقاومة وردع الصهاينة الغاصبين، واحتضان المقاومة ورجالاتها ومؤسساتها، وتوفير لهم كل الدعم اللازم، وفتح حدود العواصم العربية أمام الفلسطينيين، لا ملاحقتهم، والضغط على الحكام العرب وعلى المحتل، بالإكثار من قوافل كسر الحصار والمساهمة في كسر التعتيم الإعلامي المفروض على القضية الفلسطينية، وإسناد المنابر الإعلامية الفلسطينية بالخبرات والعتاد، ونهج سياسة إعلامية للتعريف بالقضية الفلسطينية، والقضاء على الصورة المغلوطة للقضية الفلسطينية المروج لها من الصهاينة وأعوانهم، طوال عقود في بقاع العالم. التظاهر كشكل للتضامن يبقى إعلاناً عن نياتٍ ليس أكثر، إن لم يترجم إلى أفعال وضغوط ومساعدات تزكي ذلك التضامن القولي، خصوصاً إن تعلق الأمر بقضية مصيرية للأمة، اسمها فلسطين، وعنوانها المقاومة.