ما شهدته ليبيا في خلال السنوات الثماني الماضية من اضطرابات أمنية وتدمير لمناطق بأكملها، أدّى إلى تهجير مئات الأسر الليبية. وقد تكرّر الأمر بالنسبة إلى بعض منها، فرأت نفسها تختبر التهجير مرّة بعد أخرى.
لا تتوفّر بيانات رسمية دقيقة حول عدد النازحين لدى سلطات البلاد، لا سيّما أنّ عمليات التهجير تتوقّف في منطقة لتحدث في أخرى، ولعلّ آخرها في الجنوب حيث ما زالت عشرات الأسر تنزح في مرزق وتراغن والقطرون وأم الأرانب بعد سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عليها.
يفيد آخر تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الصادر في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، بأنّ أكثر من 26 ألفاً و100 نازح و189 ألفاً و25 عائداً من النزوح يواجهون في مدينة بنغازي (شمال شرق) لوحدها، صعوبات في الحصول على مساكن آمنة ولائقة وعلى خدمات طبية وتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية التي تضمن حياة كريمة. كذلك يتعرّض كثيرون منهم لمخاطر متعلقة بمخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة. وتقرير المفوضية أتى بعد زيارة قام بها وفد منها لبنغازي، زار في خلالها مخيّم قاريونس (الواقع عند المدخل الغربي للمدينة) حيث تعيش 230 عائلة نازحة من تاورغاء (شمال). وقد لفتت المفوضية في تقريرها إلى أنّها قدّمت في خلال عام 2018 مساعدات للنازحين والعائدين إلى مناطقهم في المنطقة الشرقية، شملت مواد إغاثة أساسية لأكثر من 23 ألفاً و703 أشخاص بالإضافة إلى مساعدات مالية لأربعة آلاف شخص. كذلك نفّذت 16 مشروعاً انتفع منها أكثر من ثمانية آلاف و500 شخص.
ما زال أكثر من ثلثَي سكان تاورغاء مهجّرين في أكثر من مدينة ليبية، في حين أنّ عدداً من أهلها تمكّنوا من العودة إليها على الرغم من أنّها ما زالت تفتقر إلى كثير من مقوّمات الحياة منذ تدميرها على أيدي مسلحي مصراته في نهاية عام 2011، علماً أنّ حكومة الوفاق عاجزة عن توفير متطلبات إعادة الحياة للمدينة بسبب مواقف مسلحي مصراته الرافضة لذلك. يُذكر أنّ في أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، زار مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا، غسان سلامة، المجلس البلدي لمصراته معلناً عن جملة حلول لإنهاء معاناة سكان تاورغاء. وقد شدّد سلامة على التزام الأمم المتحدة بمتابعة ملف النازحين بصورة مستمرة وبأنّها لن تتوقف عن ذلك إلى حين إيجاد حلول نهائية، إلا أنّه أكد في الوقت نفسه أنّ الملف معقّد جداً.
يقول ناصر الطيب، وهو عضو في الهيئة البنغازية (هيئة أهلية تمثّل النازحين من بنغازي)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلطات الليبية لا تملك بيانات واضحة حول عدد المهجّرين، لكنّ الهيئة متأكدة من نزوح 10 آلاف أسرة من بنغازي". ويعترض الطيب على تسمية "النازحين"، مشدداً على أنّ "الموجودين في خارج بنغازي هم مهجّرون وقد هُدمت بيوتهم في حين أنّ أبناءهم بمعظمهم في سجون حفتر ولا يمكنهم الرجوع إلى مدينتهم". ويشير الطيب إلى أنّ "العدد الإجمالي للمهجّرين وفق تقديرات مبدئية عملت عليها الهيئة بالتعاون مع جهات حكومية، قد يصل إلى 1840 مهجّراً، بعد عودة 386 ألفاً إلى بيوتهم في مختلف مناطق ليبيا".
من جهته، يقول رئيس منظمة التعاون للإغاثة والتنمية (أهلية) سليمان حامد لـ"العربي الجديد" إنّ "الأوضاع الأمنية غير المستقرة تؤثّر سلباً على أوضاع السكان التي تأتي من جهتها غير مستقرة، بالتالي يزيد عدد النازحين وينقص". ويشرح أنّ "منطقة ورشفانة الواقعة إلى جنوب غرب طرابلس، على سبيل المثال، تعرّضت للتهجير لكنّ عدداً من الأسر عاد إليها في وقت لاحق. ومع تجدّد الاشتباكات في أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، كان تهجير جديد. ويأتي الوضع في أوباري (جنوب) مماثلاً، فالبعض أهلها عاد بعد انتهاء الحرب القبلية في عام 2014، في حين أنّ آخرين لا يستطيعون ذلك بسبب المطالب القبلية". يضيف حامد: "أمّا الوضع في مرزق وتراغن والقطرون فهو سيّئ جداً، إذ إنّ عدد النازحين يرتفع فيها، ويقدّر بنحو 100 أسرة"، مؤكداً أنّ "هذا العدد كبير بالمقارنة مع عدد السكان القليل. وهؤلاء نزحوا بمعظمهم بسبب انتمائهم إلى قبيلة تعارض دخول حفتر إلى مناطقها في هذه المدن الثلاث".
ويشير حامد كذلك إلى أنّ "مدن طرابلس والزنتان ومصراته هي أكثر المدن الحاضنة للنازحين من مناطقهم بسبب الاضطرابات الأمنية، وأكثر من ثلثي الموجودين في تلك المدن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، لا سيّما صحية للأطفال". ويتابع حامد أنّ "في الشرق نجد النازحين من غرب البلاد على خلفية مواقفهم السياسية، وهم يتركزون في البيضاء وطبرق والمرج وإجدابيا، وعددهم في تزايد وأوضاع بعضهم سيئة جداً، علماً أنّ عمل المنظمات الإنسانية يصعب هناك بسبب المواقف السياسية".
ويوضح حامد أنّ "ثمّة نازحين ما زالوا يقيمون في مدارس ومعاهد ومباني شركات، في حين أنّ بعضاً آخر يقيم عند أقارب له وآخرين استأجروا مساكن خاصة لهم. لكنّ عدداً كبيراً منهم، وفي كلّ الحالات، يفتقر إلى أبسط احتياجاته. كثيرون هم الذين خرجوا من منازلهم تحت القصف ولم يتمكنوا من حمل أبسط ما يحتاجون إليه، بما في ذلك أوراقهم الثبوتية وحاجياتهم الشخصية. أمّا آخرون فقد دُمّرت بيوتهم بالكامل". ويكمل حامد أنّ "معاناة بعض النازحين زادت بسبب تهالك بعض المدارس والمباني العامة التي لجؤوا إليها وحاجتها إلى الصيانة، فبعضها من دون نوافذ وأبواب بينما المرافقة الصحية مفقودة. كذلك ثمّة تحديات أخرى من قبيل توقّف صرف الرواتب ومشكلات نقل حسابات النازحين المصرفية من مدنهم الأصلية إلى مناطق النزوح".