حصلت المحاولة الانقلابية الأولى للواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، في فبراير/ شباط 2014، في ما بات يُعرَف بـ"الانقلاب التلفزيوني"، ضد شرعية "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان)، بدعم تفيد المؤشرات بأنه إماراتي، بدليل مثلاً أن حفتر ظهر في "خطاب انقلاب" سُجل في قناة "العربية"، ومقرها دبي، وهي الممولة من رجال أعمال سعوديين، محسوبين على النظام، مع شركاء إماراتيين. في حينها، اعتقد المتقاعد حفتر أن تظاهرات شعبية ستلتف حوله وتسانده في سيناريو مشابه لتظاهرات 30 يونيو/ حزيران، وانقلاب الثالث من يوليو/ تموز في مصر.
استخدم الرجل، المعروف بعلاقاته الأمنية مع الإدارة الأميركية، في انقلابه الأول، لغة تختلف تماماً عن اللغة التي استخدمها في انقلابه الثاني في بنغازي، يوم الجمعة 16 مايو/ أيار الحالي، والتي امتدّت إلى العاصمة طرابلس حيث كان من المستحيل استحضار خطاب "الإرهاب" و"التطرف الديني" البعيد بشكل كبير عن الذهنية السائدة هناك.
وركز حفتر، في النسخة الهزلية من انقلابه الأول، على انتهاء شرعية المؤتمر الوطني، وهي مسألة دستورية أساء فيها الداعون إلى إسقاط "المؤتمر الوطني"، قراءة الإعلان الدستوري المهتم أساساً بالاستحقاقات، بحسب مواعيد تنظيمية غير ملزمة.
في النسخة الثانية للانقلاب في بنغازي، عدّل حفتر خطابه الشعبوي، إذ اعتمد بشكل رئيس على فزاعة الإرهاب والجماعات المسلحة ذات التوجه الإسلامي، محاولاً دغدغة الشعور العام للحصول على المؤازرة الشعبية اللازمة لإنجاح انقلابه.
رغم اغتيال عسكريين وأمنيين وسياسيين وإعلاميين في مدن ليبية عدة، لعل أشهرها مدينتي درنة وبنغازي الشرقيتين، إلا أن أي جهة حكومية محلية أو دولية لم تقم بإجراء تحقيقات تخلص إلى اتهام متشددين إسلاميين بهذه العمليات، وإنما الذي قاد توجيه هذه الاتهامات وسائل إعلام محلية وعربية وغربية تنتمي معظمها إلى جهات داعية إلى استئصال الإسلاميين بشكل كامل من ليبيا، من دون تفرقة بين المعتدل منها أو المتشدد، على غرار الاستئصال الحاصل الآن في مصر.
الملاحظ نوعياً في النسخة الثانية من انقلاب حفتر، هو استخدام طائرات حربية تابعة لرئاسة أركان السلاح الجوي في ضرب معسكرات لـ"أنصار الشريعة" و"كتيبة 17 فبراير"، وهذه الأخيرة ينتمي إليها ثوار إسلاميون ووطنيون ساهموا بشكل رئيس في حماية بنغازي ضد كتائب العقيد معمر القذافي في 19 مارس/ آذار 2011، وهي تعلن تبعيتها لرئاسة الأركان.
وهذا الاستخدام للطيران الحربي، يأتي ضمن رسالة مفادها عدم سيطرة السلطة المركزية على أسلحتها ومعسكراتها ومطاراتها العسكرية، ما قد يغري كثيرا من الدول للاعتراف المبكر بانقلاب كهذا.
تصدت كتائب ثوار "مشرعنة" بموجب تكليفات من رئاسة الأركان ووزارة الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، لهجوم حفتر على بنغازي، وأفشلت محاولة سيطرته عليها مؤقتاً.
وقد تواترت أنباء عن خروج تعزيزات عسكرية وآليات ثقيلة وقوات تابعة لحفتر من مدينة المرج (100 كيلومتر) شرق بنغازي إلى المدينة، ما يجعل الحديث عن فشل انقلاب حفتر غير مؤكد، فضلاً عن تأكيد شهود عيان من بنغازي، تحليق طائرة حربية ليلاً في سماء المدينة، منطلقة من قاعدة بنينا الجوية.
وتزامن ذلك مع قيام كتيبتَي الصواعق والقعقاع، وهي ميليشيات تابعة لمدينة الزنتان، وتضمان مقاتلين سابقين من "اللواء 32" معززاً، الذي قاتل ضد ثوار "17 فبراير" على جبهات عدة في المنطقة الغربية، إبان اندلاع الثورة، بمحاصرة مقر قصور الضيافة، حيث يقع مقر المؤتمر الوطني العام واللجان التابعة له، وإطلاق نيران كثيفة على المقر، ما أسفر عن مقتل موظفين في ديوان المؤتمر الوطني، وجرح آخرين.
ونفى رئيس المؤتمر الوطني، نوري بو سهمين، خطفه في مداخلة متلفزة، مساء الأحد، عبر قناة ليبيا الوطنية، كما نفى أعضاء في المؤتمر الوطني خطف زملاء لهم في المؤتمر الوطني.
وكان اللافت تأييد أعضاء في المؤتمر الوطني، ينتمون لحزب "تحالف القوى الوطنية"، بقيادة محمود جبريل، المقيم في الإمارات منذ قرابة العام، محاولة انقلاب حفتر في بنغازي، ومساعي كتائب الصواعق والقعقاع في طرابلس، إذ أعلنت عضو "المؤتمر الوطني العام"، زينب التارقي، المحسوبة على جبريل، عن تأييدها للعمليات العسكرية في بنغازي وطرابلس "لتطهيرهما"، على حد تعبيرها، من "عناصر التطرف والإرهاب في ليبيا"، وذلك خلال مداخلة متلفزة على محطة "ليبيا لكل الأحرار".
وقالت التارقي إن أعضاء في "المؤتمر الوطني"، من الاتجاه الإسلامي من كتلتي "الوفاء للشهداء" و"حزب العدالة والبناء" (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية)، "يدعمون الإرهاب في بنغازي وطرابلس"، في إشارة إلى تأييد "تحالف القوى الوطنية" للعمليات العسكرية الهادفة إلى الانقلاب على شرعية المؤتمر، وخصوصاً أن "تحالف القوى الوطنية"، الذي يسيطر على لجنته التسييرية كل من رجل الأعمال عبد المجيد امليقطة، وأبو بكر ارميله من الزنتان، أعلن في أكثر من مناسبة سقوط شرعية المؤتمر الوطني العام.
إلا أن "غرفة عمليات ثوار طرابلس"، المحسوبة على الحكومة و"المؤتمر الوطني"، تصدّت للهجوم المسلح على مقر "المؤتمر"، وأرغمت الكتيبتين على الانسحاب من محيط قصور الضيافة، فانتقلت الاشتباكات إلى محيط طريق المطار في العاصمة، حيث مقرات كتائب الزنتان.
لجأت الدولة، ممثلة في "المؤتمر الوطني" ووزارة الدفاع ورئاسة الأركان، إلى قوات ثورية في بنغازي وطرابلس لتأمينهما من محاولات الانقلاب؛ ففي بنغازي، كلّف وزير الدفاع ورئيس الحكومة المؤقت عبد الله الثني، قائد كتيبة عمر المختار، زياد بلعم، بالتنسيق مع الغرفة الأمنية المشتركة في بنغازي، لتأمين المدينة. أما في طرابلس، فكلف نوري بو سهمين، قوات درع الوسطى، بحماية العاصمة، ما ينتفي معه وجود جيش وطني تابع للدولة.
الدور الخارجي
يوحي سلوك وسائل إعلام خليجية، بحماستها إزاء محاولتي انقلاب حفتر الأولى والثانية، بدور ما لهذه الدول في الأحداث؛ ففي المحاولة الأولى في فبراير / شباط الماضي، كرّرت قناة "العربية"، بثّ بيان اللواء المتقاعد حفتر لساعات، رغم فشل المحاولة الانقلابية "التلفزيونية".
كذلك ركز موقع "العربية" على الإنترنت، على ما سمّاه "محاولة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تطهير بنغازي من معسكرات التكفيريين والإرهابيين".
ونقل الموقع تصريحات لآمر ركن السلاح الجوي الليبي السابق، العقيد صقر الجروشي، الذي استبعده قانون هيئة النزاهة والوطنية من منصبه، قال فيها إن قوات الجيش الليبي تتحرك "لضرب معاقل المتشددين الإسلاميين والإرهابيين في بنغازي"، داعياً كل العسكريين للالتفاف حول المتقاعد خليفة حفتر.
وفي السياق، تبنّى موقعَي "24 الإماراتي"، و"إيلاف" السعودي، رواية اللواء حفتر على حساب الرواية الرسمية للحكومة الليبية، التي اعتبرت محاولة حفتر انقلاباً عسكرياً، ما يعطي مؤشرات على دعم الإمارات والسعودية للانقلاب العسكري في ليبيا، كما فعلتا في مصر.
يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه مصادر عدة، قيام حفتر بزيارة القاهرة وأبو ظبي، ولقائه بقادة عسكريين وسياسيين في البلدين، للحصول على دعم سياسي في حال نجاح انقلابه.
ويُتوقع في حال نجاح الانقلاب المذكور، أن تكون فرنسا أول المعترفين بشرعيته، إذ إنّ السياسة الفرنسية تعتبر ليبيا المدخل الرئيس لها في إفريقيا. وتتفق الصحافة الفرنسية، بتنوعاتها المختلفة، مع الرواية الرسمية لباريس حول استخدام فزاعة الإرهاب في ليبيا، وخصوصاً الجنوب الليبي، ذريعة للتدخل العسكري أو لتوجيه ضربة إلى معاقل الثوار في ليبيا.