ليبيا في ذكرى ثورتها: "داعش" يتوّج مسلسل الإخفاقات

19 فبراير 2015
ليبيا: سنة رابعة ثورة (حازم تركيا/الأناضول)
+ الخط -
حلّت الذكرى الرابعة لثورة 17 فبراير/شباط، وسط انقسام ليبيا سياسياً إلى مجلسي نواب وحكومتين، وعسكرياً إلى جيشين، وهي على أبواب احتمال تدخّل دولي عسكري في أراضيها. وانتقلت النقاشات التي كانت تدور في أروقة وزارات الخارجية العربية والأفريقية والأوروبية، إلى داخل مجلس الأمن الدولي، خصوصاً بعد إعدام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) 21 مصرياً، وبروز "بوادر" ارتياح دولي وعربي لغارة شنتها القوات الجوية المصرية على مدينة درنة، شرقي ليبيا، أسفرت عن مقتل 7 أشخاص، بينهم أطفال وامرأة، وجرح 21 مواطناً، بينما تصرّ القاهرة على أنها أودت بحياة عشرات "الإرهابيين".

احتفل الليبيون بذكرى ثورتهم، بعد سقوط 4850 قتيلاً منذ اندلاعها وسقوط نظام العقيد الراحل معمّر القذافي، بينما سقط جراء حوادث أمنية عامي 2012 و2013 حوالي 608 قتلى، وفقاً لإحصائية وزارة الشهداء والأسرى. وسجّل عام 2014 أعلى مستوى من عمليات القتل والاغتيال، التي بلغت 2801، منهم 1484 في شرق ليبيا، و1183 في غرب ليبيا، بينما سقط في الجنوب في العام المنصرم 134 قتيلاً في مدينة سبها، أكبر مدن الجنوب الليبي، حسب ما تذكر منظمات غير رسمية.

ولم تجرِ الحكومات الليبية أي تحقيق في كل حوادث القتل والاغتيال، ومنها اغتيال مدنيين وعسكريين وصحافيين وناشطين في مؤسسات المجتمع المدني، ولم يُقدم أي متهم إلى الجهاز القضائي للمحاكمة عن هذه الجرائم. ونالت التنظيمات المتشددة، ومنها "تنظيم أنصار الشريعة"، و"داعش"، لاحقاً النصيب الأكبر من اتهامات القتل، محلياً ودولياً، كما خُطف شخصان على خلفية انتمائهما إلى مثل تلك التنظيمات، وهما أبو أنس الليبي، وأحمد بو ختالة، اللذان اختطفتهما قوة أميركية خاصة، من طرابلس وبنغازي، ونقلتهما إلى الولايات المتحدة.

وشكّل مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز، وثلاثة أميركيين في الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأميركية في بنغازي، في 11 سبتمبر/أيلول 2012، نقطة تحوّل في المسار الليبي. حينها، خرجت تظاهرات في بنغازي تحت شعار "جمعة إنقاذ بنغازي" في 21 سبتمبر، وطالبت بإخلاء المدينة من الكتائب المسلحة، وساندت مديرية أمن بنغازي التظاهرة وحمتها.

وألقت طائرة حربية (هليكوبتر) منشورات على سكان بنغازي، تدعو فيها إلى التظاهر وطرد الكتائب المسلحة. ونفى وقتها رئيس أركان القوات الجوية، ورئيس الأركان العامة علمهما بالجهة المسؤولة عن استخدام طائرة حربية في توزيع منشورات.

وبعد مقتل السفير الأميركي، قدّم قادة كتائب، ينتسب أفرادها إلى التيار الإسلامي، طلباً لرئيس "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان السابق) وقتها محمد المقريف، للموافقة على ضبط وإحضار 16 من منفذي عملية الهجوم على القنصلية الأميركية، قبل تفاقم التيارات المتشددة، التي سيصعب التعامل معها في حال استفحالها.

وحذّرت كتائب عدة في بنغازي من أن "حلّها أو المساس بقواتها وعتادها المسلح، سيؤدي إلى انتشار جماعات متشددة تكفيرية تمارس عمليات اغتيال لا حصر لها"، إلا أنها طالبت بـ"شرعنة ما تتخذه من إجراءات أمنية مع هذه المجموعات". وكانت تلك الجماعات في حينه صغيرة الحجم وضعيفة التسلّح. وأفاد مصدر من "كتيبة راف لله السحاتي"، لـ"العربي الجديد"، بأن "محاولة الكتائب شرعتنهم والانضمام للدولة بشكل رسمي، باءت بالفشل مع مختلف الحكومات".

وبحسب خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية، فإن جمعة "إغراق بنغازي" التي دعت إليها قوى ليبيرالية في المدينة، أنهت بشكل كامل إمكانية مقاومة المتشددين، بعدما خلت لهم ساحة المجتمع، والسلاح معاً. وأبدوا اعتقادهم بأنه "كان للتظاهرات ضد الكتائب المعتدلة في بنغازي أثر سلبي على منتسبيها، إذ استطاعت الجماعات جذبهم إليها". ويشير خبراء إلى أن "حكومة علي زيدان لم تستفد من إمكانية التعاون مع هذه الكتائب في مكافحة المتطرفين، على الرغم من عدم امتلاكها قوة منظمة شرطية أو عسكرية، بعد تحلل الأجهزة الأمنية والعسكرية عقب سقوط النظام السابق".

ويعتبر مراقبون أن "داعش وجد فراغاً من جهتين: الأولى لناحية فشل الحكومات الليبية في بناء أجهزة أمنية شرطية وعسكرية قوية، أو البدء في بنائها على أسس علمية صحيحة، والثانية عدم تقديم الدعم لكتائب مسلحة كان من الممكن لها أن تجهز أو تحد من خطر انتشار هذه الجماعات". وأشاروا إلى أن "توافد أجانب إلى ليبيا للتدريب بقصد القتال في سورية والعراق ومالي في مرحلة أولى، والقتال في ليبيا في مرحلة تالية، جاء بعد فشل الإدارة الليبية في ملء الفراغين السابقين".

وذكر المستشار السياسي لـ"عملية الكرامة" محمد بويصير على صفحته على موقع "فيسبوك"، أن "أحد ضباط الاستخبارات الليبية السابقين، والمقيم في الولايات المتحدة، أشار إلى أن عمليات الاغتيال التي طالت ضباطاً في الجيش الليبي في بنغازي، كان مخططاً لها".

ويتابع بويصير نقلاً عن الضابط "إن متابعة الضحية، ومراقبة عاداتها وسلوكياتها، تحتاج إلى فريق من 3 إلى 5 أفراد على الأقل، ولمدة لا تقلّ عن أسبوع من المراقبة. وأن الضباط والعسكريين المغتالين في بنغازي من منتسبي كافة الأجهزة العسكرية البحرية، والجوية، والبرية، واستخبارات، وشرطة عسكرية، ودفاع جوي. وهو ما يؤكد أن المنفذين يملكون قواعد بيانات لا تتوافر إلا لدى إما أجهزة استخبارات، أو دولة ما". ويعتقد محللون سياسيون ليبيون أن "خطر داعش لا يتمثل فقط على مستواها المحلي، بل قد ينجم عنه استجلاب تحالف إقليمي أو دولي لتوجيه ضربات عسكرية جوية لليبيا، أو حتى إنزال قوات برية على الأرض".

أمر يعني بنظرهم "الدخول في نفق الدولة الفاشلة، التي أضحت ليبيا على أبوابه. فالبلاد وقعت فريسة للانقلاب والإرهاب على حد سواء. والمجتمع الدولي قد يتغاضى عن الانقلاب، أو يسانده ويباركه، إلا أنه سرعان ما يتحرك لمكافحة الإرهاب، مدعوماً بتأييد شعبي في غالب الأحيان".

ويستذكر مراقبون ما حدث في بداية إسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي "وجد صدىً له بعد الغارة الجوية المصرية على مدينة درنة، التي احتفت بها بعض مواقع التواصل الاجتماعي الليبية، حتى أن شباناً ليبيين، رفعوا أعلاماً مصرية في مدن عدة في شرق ليبيا، احتفالاً بالقصف".

ويرى متابعون أنه "كلما ضاقت المسافات بين الفرقاء الليبيين، في محاولة من رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برناردينو ليون، لجمعهم على طاولة حوار تنتهي بوقف إطلاق النار، والتوافق حول حكومة ائتلاف وطنية، كلما تظهر أحداث كبيرة تزيد المسافات وتعمق الخلافات بين الجانبين، وتزيد من احتمال سقوط الدولة الليبية، والثورة معاً، كما حصل في إعدام 21 مصرياً".

ويؤكدون أن إصرار "داعش" على التمدد في ليبيا، كوطن محتمل له في حال هزيمته على يد التحالف الدولي في العراق وسورية، سيزيد من عمق الأزمة الليبية، وينقلها من ساحات الخلاف السياسي، أو الحرب الأهلية المصغرة، إلى عمق قرارات التدخل الدولية، أو الأعمال الفردية.

المساهمون