ليبيا: توسّع جبهات القتال يعيق الحلّ السياسي

15 ديسمبر 2014
توسّع رقعة الاشتباكات وعدم وقف القتال يعرقلان الحوار(فرانس برس)
+ الخط -


منذ انطلاق "عملية الكرامة" في مدينة بنغازي، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في السادس عشر من شهر مايو/أيار الماضي، وانطلاق عملية "فجر ليبيا"، لطرد مليشيات الزنتان التي كانت تسيطر على أهم المرافق الحيويّة في العاصمة طرابلس في السادس عشر من يوليو/تموز الماضي، تتّسع رقعة ومساحة العمليات العسكريّة والقتاليّة حتى باتت تشمل بنغازي وهلال القرى والمدن المحيطة بالعاصمة طرابلس، وصولاً إلى الحدود الليبيّة التونسيّة.

وأسفرت المعارك الدائرة بين قوات حفتر وقوات "فجر ليبيا"، أمس الأحد، في محيط معبر رأس جدير على الحدود مع تونس، عن إغلاق المعبر من الجانب التونسي. ونقلت وكالة "تونس أفريقيا للأنباء"، عن مصدر أمني في المعبر، إشارته إلى حصول قصف في مناطق بوكماش وبوابة الأمن العام من الجانب الليبي، على بعد نحو 9 و10 كيلومترات من المعبر، وهو ما أدى إلى سقوط قتيلين ليبيين في حصيلة أوليّة. واتخذت السلطات التونسيّة، بعد القصف على المناطق المتاخمة للحدود التونسية، قراراً بمنع التونسيين من التوجّه نحو الأراضي الليبية، كإجراء وقائي من أجل سلامتهم، في وقت انعدمت فيه الحركة بالاتجاهين.

وامتدت المعارك الليبيّة إلى وسط ليبيا، لتدخل منعطف السيطرة على حقول ومرافئ النفط في ميناء رأس الأنوف والسدرة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة أمس الأحد أدّت إلى توقف العمل، والتمدّد حتى البريقة، في وقت تشهد فيه مدن الجبل الغربي ككلة وغريان اشتباكات ملحّة هي الأخرى، بين قوات "جيش القبائل" الموالي لحفتر، وقوات "فجر ليبيا" المعارضة، والتي أسفرت عن تهجير كامل قرية ككلة وسقوط ما لا يقلّ عن تسعمائة قتيل، وآلاف الجرحى.

وفي جنوبي ليبيا، تشتعل معارك قبليّة، وتحديداً في مدينة أوباري التي تشهد قتالاً، بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بين مكوني الطوارق والتبو، في حرب سيطرة على منافذ تهريب الهجرة غير الشرعيّة والوقود والمخدّرات وتجارة السلاح العابرة للحدود الجنوبيّة الليبيّة، مع كلّ من تشاد والنيجر والجزائر، في ظلّ فشل كلّ جهود الوساطة لتهدئة الأوضاع، كونها حرباً من أجل المال والنفوذ.

ولا تبدو مدينة درنة، شرقي بنغازي، (300 كلم) بعيدة عن شبح الحرب، فتجهيزات موالين لحفتر في مناطق عدّة مجاورة لها، شرقاً في مناطق مرتوبة، والتميمي وأم الرزم، وغرباً في مناطق عين مارة، والقبة، والأبرق، وشحات والبيضاء، وحشد قوات قريبة من تخوم المدينة، إضافة إلى الإعلان عن مجلس عسكري جديد في درنة، يضمّ تشكيلات إسلاميّة عدّة، هو مجلس مجاهدي درنة، كلها تُنذر بحرب مقبلة على المدينة التي يقطنها قرابة مائة ألف نسمة، وتشهد حالات نزوح وهجرة لم يُقدر أعداد النازحين أو اللاجئين منها بعد.

ويرى خبراء عسكريون أن مدينة درنة قد لا تشهد معارك عسكريّة أو محاولات اقتحام، إذ إنّ تهديدات موالي حفتر باقتحامها ليست إلا تكتيكاً عسكرياً يهدف إلى منع مشاركة مقاتلي درنة من الجماعات الجهادية، في معارك بنغازي إلى جانب قوات "مجلس شورى ثوار بنغازي".

أمّا مدينة بنغازي، التي تُعدّ ثاني أهم مدينة ليبية من حيث عدد السكان والتأثير السياسي في ليبيا، فقد دُمرت أغلب بنيتها التحتية بسبب القصف الجوي الذي تشنه طائرات تابعة لسلاح الجو الليبي، الموالي لحفتر، على أحياء سكنية. وانتقلت المعارك من تخوم المدينة في منطقة بنينا والرجمة، حيث تتمركز قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلى أحياء المدينة الشرقية والغربية ووسط المدينة.
وتنقسم مدينة بنغازي إلى أحياء تابعة ومؤيدة لقوات "مجلس شورى الثوار"، كمنطقة القوارشة، وسي فرج، والصابري، وسوق الحوت، والليثي، وقاريونس، وبوصنيب والهواري، الخاضعة لسيطرة المجلس، وأخرى مؤيدة لحفتر وتشهد اشتباكات، كحي السلام الوحيشي، وسيدي يونس، وبوهديمه، والسرتية، والماجوري والسلماني الشرقي والغربي.

ويقول شهود عيان في بنغازي إنّه منذ انطلاق قوات مكلفة من القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، نوري بوسهمين، لحماية الحقول والموانئ النفطيّة، خفّ ضغط قوات حفتر العسكري على بنغازي، لانتقال المعارك إلى مناطق الحقول النفطيّة في السدرة، وهو ما يعني فتح ممرات دعم لقوات "مجلس شورى الثوار"، فيما لو نجحت عملية السيطرة على الحقول حتى مدينة اجدابيا شرقي بنغازي، حيث تتواجد مليشيا تابعة لرئيس المكتب السياسي لإقليم برقة والموالي لحفتر، إبراهيم الجضران، ويعتمد تشكيله المسلح في أغلبه على مناصرين من مكوّن التبو والطوارق.

ويجعل تغيّر المشهد العسكري، لناحية إمساك المناوئين لحفتر بزمام الأمور، المشهد السياسي والعسكري عرضة لتحولات جديدة، من شأنها أن تجعل مسألة الحوار الذي يقوده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون، أشبه بالمستحيل، في ظلّ عدم وقف القتال، أو ثباته في رقع جغرافيّة محدّدة، وانتشاره من غربي ليبيا مروراً بوسطها ووصولاً إلى شرقها. ويعني ذلك، من زاوية أخرى، قطع خطوط الإمداد والاتصال بين قوات حفتر في شرقي ليبيا والموالين له في غربها، من كتائب الصواعق والقعقاع والمدني وجيش القبائل، وحصر قوات حفتر في أحزمة ساحليّة يصعب عليها التحرّك فيها، ما لم تتغير المعادلة.

المساهمون