وبخطوة "المؤتمر" هذه، باتت ليبيا برأسين سياسيين، يمثلهما مجلس النواب الذي ينعقد في طبرق، شرقي البلاد وحكومة عبد الله الثني، في مواجهة قوى "المؤتمر الوطني" الساعي إلى تشكيل حكومة، وأوكل مهمتها إلى عمر الحاسي.
وهو المشهد الذي كان مراقبون قد أكدوا أن ليبيا تسير نحوه، كترجمة لحالة المواجهة الميدانية، بين قوات "عملية الكرامة"، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعومة من مجلس النواب، في مواجهة قوات عملية "فجر ليبيا" و"مجلس شورى ثوّار بنغازي"، التي يدعمها "المؤتمر الوطني".
وعلى الرغم من حالة الانقسام السياسي هذه، إلا أن ترجمتها على الأرض بانقسام جغرافي تبقى مستبعدة "في الوقت الحالي"، كون مجلس النواب، المنعقد في طبرق، يمثّل المناطق الليبية كلها، ولا سيما أن نواب المنطقة الغربية قد ساهموا في إزاحة أبو بكر بعيرة من رئاسة مجلس النواب، بسبب مواقفه المتشددة في الدعوة إلى فدرلة النظام السياسي، وهو ما يرفضه غرب ليبيا على اختلاف توجهاته السياسية.
وتجلت صورة الانقسام السياسي في مسائل عدة، أبرزها عدم حضور ما يقارب 23 في المئة من نواب البرلمان الليبي لأعمال المجلس في طبرق، لاعتراضهم على إجراءات التسليم والتسلم التي شابتها عيوب دستورية، على حد قول المتغيبين.
وتتجلى المسألة الثانية بخروج تظاهرات في ثماني مدن رافضة لقرارات مجلس النواب في طبرق، المتمثلة في حل كل التشكيلات المسلحة، من دون مراعاة تفاصيل قد لا يخضع بموجبها بعض التشكيلات للقرار، فضلاً عن دعوة المجلس الأمم المتحدة إلى التدخل في ليبيا.
لكن التعبير الأكثر حدة عن الانقسام ظهر في اعتبار مجلس النواب، عبر بيان، أن قوات "فجر ليبيا" في طرابلس، و"مجلس شورى ثوار بنغازي" مجموعات إرهابية، وهو ما تم الرد عليه بغضب شعبي من قبل المؤيدين للقوات و"المجلس"، في تظاهرات الجمعة الماضية.
ويرى محللون سياسيون أن مجلس النواب الليبي الحالي أضعف كثيراً من شرعيته، عبر حصار نفسه داخل مدينة طبرق شرقي ليبيا، وهي معقل مؤيدي حفتر، وانحاز بشكل سافر لـ"عملية الكرامة"، ودخل في معركة كسر عظم مع مسلحين متمرسين.
وعليه، يرى المحللون أن طرابلس خرجت نهائياً من يدي مجلس النواب وحكومة الثني، بعد انهيار مسلحي "القعقاع" و"الصواعق" و"المدني"، وخروجهم من كل مواقع تمركزهم في العاصمة، مخلفين وراءهم أسلحة ثقيلة ونوعية.
كما بدا أيضاً في خسارة قواعده في ثاني أهم مدن ليبيا بنغازي بعد سيطرة قوات "مجلس شورى ثوار بنغازي" على معسكر الدفاع الجوي القريب من قاعدة بينينا الجوية، وحصاره لقوات حفتر في أربعة محاور رئيسية، وهي طريق بوعطني الوسط المؤدية إلى المطار، طريق المطار على يمين القاعدة الجوية، طريق سي منصور شمال المطار، وطريق المقزحة خلفه، والتي يقطعون فيها طريق الإمداد بين بنينا والرجمة. وبالتالي أضحت قوات وآليات حفتر وقاعدته الجوية في مرمى نيران "مجلس شورى" الثوار.
صورة أخرى من صور الانقسام السياسي عبّر عنها المتحدث الرسمي باسم "المؤتمر الوطني العام"، عمر حميدان، مع قرار "المؤتمر" استئناف جلساته مؤقتاً، واتخاذ ما يلزم من التشريعات والاجراءات لتجاوز الأزمة، ووضع الأمور في نصابها حتى يتسنى له تسليم السلطة وفق الاجراءات المقررة دستورياً.
لكن يبدو أن الاستجابة لدعوة حميدان ضعيفة، على الرغم من إعلانه عن توفر النصاب القانوني لانعقاد جلسة، إذ لم يتجاوز عدد الحاضرين لجلسة اليوم 45 عضواً، وهو ما سيجعل "المؤتمر" في موقع الباحث عن عودة دوره السياسي.
ولا ينكر المراقبون الدعم الشعبي الذي بدأت تحوزه "فجر ليبيا" بطرابلس، ولا سيما بعد دعوات مؤيديها، اليوم الاثنين، على مواقع التواصل الاجتماعي، للتظاهر أمام مقر "المؤتمر الوطني العام" للتعبير عن دعمه ورفضه لبرلمان طبرق، إلا أن هذا الدعم غير كاف بنظرهم إذا لم يكن هناك غطاء سياسي يعبر عنه محلياً ودولياً.
من جهته، سرّع مجلس النواب الليبي من وتيرة تحديه لـ"فجر ليبيا" ولـ"مجلس شورى ثوار بنغازي"، بالإعلان عن إقالة اللواء عبد السلام جاد الله العبيدي، وتكليف عبد الرازق الناظوري، والأخير من مدينة المرج، ومعروف بتأييده لـ"عملية الكرامة" وتبعيته لحفتر.
إلا أن سياسيين ليبيين شككوا في طريقة انتخاب الناظوري، لناحية عدد النواب الحاضرين لجلسة تنصيبه، بعد رفض عضو مجلس النواب عمر التكبالي، الإفصاح عن عدد النواب الحاضرين لجلسة الانتخاب.
من جهتهم، رفض ضباط جيش مؤيدين لعملية "فجر ليبيا" تكليف الناظوري رئيساً للأركان، وهو ما سيشكك برأي خبراء عسكريين في دعوى مجلس النواب والحكومة أنهم يمثلون مؤسسة عسكرية، أو جيشاً ليبياً تابعاً للدولة.
ويتضح أن المشهد السياسي والأمني والشعبي الليبي منقسم إلى مؤيدين لمجلس النواب بطبرق ولحكومة الثني، وآخرين مؤيدين لـ"فجر ليبيا" بطرابلس و"مجلس شورى الثوار" ببنغازي، وسينجم عن هذا الانقسام توزع السلطة التشريعية والتنفيذية والأمنية بينهما، في صراع قد يُحسم قريباً لمن يملك القوة على الأرض.