على الرغم من التراشق بالكلمات بين الفرقاء السياسيين في ليبيا وتوجيه اللائمة، كل منهما للآخر، بمحاولة السطو على أموال ليبيا، إلا أنهما يتفقان على رفض أية وصاية مالية دولية على المؤسسات الليبية، وسط مخاوف من فرضها بعد البيان التحذيري الذي أطلقته أميركا و5 دول أوروبية قبل أسبوع، بشأن إساءة استغلال ثروات ليبيا.
ويتخوف الطرفان المتخاصمان سياسياً، وهما مجلس النواب المُعترف به دولياً والمنعقد بطبرق، والمؤتمر الوطني العام بطرابلس، من الوصاية الدولية على الأموال الليبية الموجودة في الخارج، وذلك مغبة فشل الحوار بين الفرقاء السياسيين في البلاد، والذي تشرف عليه الأمم المتحدة.
وتشير توقعات بأن المصالح الغربية في ليبيا، سيما لفرنسا وإيطاليا، تجعل من التطورات أرضاً
خصبة لاتخاذ إجراءات غربية تبرر التدخل في شؤون البلد النفطي العضو في أوبك، وإعلان وصاية دولية على مؤسسات ليبيا المالية.
ووصف، نائب رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بالمؤتمر الوطني العام، سعيد أبو شرادة، مسودة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا "برناردينو ليون " الأخيرة بأنها "مخيبة للآمال وتعطي إيحاءات بأن هناك ثمة مساعي لإفشال الحوار في ليبيا واللجوء إلى خطة " ب" المتعلقة بالوصاية الدولية وتسمية ليبيا دولة فاشلة"، مشيراً إلى أن الخطة "أ" تشمل الحوار بين الفرقاء.
وقال أبو شرادة، لـ "العربي الجديد": إن مجلس النواب المنعقد بطبرق لا يريد تقديم تنازلات من أجل الوطن للوصول إلى وفاق وطني، مؤكداً أن الأمر قد لا يقتصر على الوصاية المالية فقط بل يشمل وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية بكل مؤسساتها، وهو إعلان صريح من الغرب أن ليبيا دولة فاشلة بامتياز.
وقال عضو مجلس النواب المنعقد بطبرق، عبد السلام نصية: إن مجلس النواب وافق على مسودة "ليون" الأخيرة، والتي تتضمن تشكيل حكومة وفاق وطني، مشيراً إلى أن الطرف الآخر (يقصد المؤتمر الوطني العام) هو من رفض المسودة لعرقلة الحوار.
ويرى نصية أن ما يقوم به مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، من صرف أموال لحكومة الإنقاذ الوطني بطرابلس، طريقة غير شرعية.
اقرأ أيضاً: تحذيرات غربية مريبة بشأن استغلال ثروات ليبيا
وقال المحلل الاقتصادي، عبد الباري الزني: إن التحذيرات الغربية توحي ضمنياً بوضع أموال ليبيا تحت الوصاية الدولية، وهو أمر قد يجري تطبيقه في أي لحظة في حالة عدم التوصل إلى حل بين الفرقاء السياسيين.
وأضاف الزني، لـ "العربي الجديد"، أن مبدأ النفط مقابل الغذاء، سكون أحد السيناريوهات
المطروحة لفرض الوصاية الدولية على المؤسسات الليبية، وهو خيار مؤلم جداً لليبيين، إذ لن تستطيع البلاد التصرف في أي درهم من أموالها إلا بعد الرجوع إلى الأمم المتحدة، وسوف تُمنح الأموال لاستيراد السلع الأساسية والدواء فقط وهذا أمر مؤسف للغاية.
وتواجه ليبيا حالة من الانقسام المالي، حيث تسلمت حكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر
الوطني، جميع حسابات الوزارات في طرابلس، وتقوم بالصرف من الميزانية على النفقات الحكومية، في حين تعقد حكومة عبد الله الثني، التابعة لمجلس النواب المُنعقد بطبرق، جلساتها في مدينة البيضاء، وتمارس عملها هناك، رغم وجود جميع أرصدة الدولة في العاصمة الليبية طرابلس.
ولم يقتصر الصراع في ليبيا على دروب السياسة، وإنما انتقل بشكل واضح مؤخراً إلى النفط، بعدما قالت وزارة النفط في حكومة طرابلس إنها ستتخذ إجراء قانونياً ضد مشتري الخام إذا تجاوزوا المؤسسة الوطنية للنفط التي تتخذ من العاصمة مقراً لها، ما يجعل القطاع النفطي الذي تعتمد عليه الدولة في إيراداتها، وسط بيئة مرتفعة المخاطر، وفق محللين في مجال الطاقة.
وجاء تحذير وزارة النفط في طرابلس، رداً على فتح حساب مصرفي في دولة الإمارات يتبع للمؤسسة الوطنية للنفط في طبرق لتحويل مستحقات بيع النفط لصالحها عبر هذا الحساب، في محاولة للانفرد بإيرادات البلاد النفطية.
ويواصل محافظ المصرف المركزي الليبي، الصدّيق الكبير، مهام عمله في طرابلس، رغم عزله من قبل مجلس النواب بطبرق، في حين يمارس محافظ آخر للمصرف مكلف من قبل حكومة عبد الله الثني مهامه بمدينة البيضاء شرق البلاد.
وانخفضت احتياطات ليبيا من النقد الأجنبي، بحوالى 28% بين عامي 2013 و2014، لتتراجع من 106 مليارات دولار في عام 2013 إلى 77 مليار دولار في عام 2014، بانخفاض يناهز 29 مليار دولار.
وتصرف ليبيا 2.5 مليار دينار شهرياً من احتياطاتها على المرتبات والدعم خلال العام الماضي، وذلك لتغطية نفقاتها البالغة 4 مليارات دينار شهرياً على المرتبات والدعم، بسبب انخفاض إيرادات تصدير النفط والتي بلغت نحو 1.5 مليار دينار شهرياً فقط.
وكانت ليبيا تُنتج نحو 1.6 مليون برميل يومياً في السنوات التي سبقت ثورة فبراير/شباط
2011، والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق معمر القذافي، وفقدت أكثر إنتاجها خلال شهور الثورة لكنها عادت تدريجيا حتى وصلت لمستويات الإنتاج السابقة (1.6 مليون ب/ي) في النصف الأول من عام 2013، لكن الاضطرابات الداخلية قلصت هذا الإنتاج بنحو الثلثين.
وينفق البنك المركزي في ليبيا حالياً على الميزانية العامة، فيما يتعلق بالباب الأول الخاص بالمرتبات التي تصرف بعد شهر من موعدها. وتفاقمت الأزمات المعيشية لليبيين خلال الأربع سنوات الماضية، على خلفية الاضطرابات الأمنية وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وأعلنت جمعية الهلال الأحمر الليبي أن أكثر من نصف مليون شخص نزحوا من مناطقهم منذ نحو عام بسبب أعمال العنف في البلاد الغارقة في الفوضى.
وتعاني البلاد من نقص السلع الأساسية والوقود مند ما يقرب من ثمانية أشهر، ودخلت الدولة في أزمات متتالية شملت أغلب مناحي الحياة، مثل نقص الوقود والخبز والكهرباء وضعف الاتصالات وغير ذلك.
اقرأ أيضاً: تحذيرات دولية من سوء استغلال ثروات ليبيا