ليبيا تحت النار:تدخّل غربي يستبق الحكومة وخلط أوراق سياسية

04 مارس 2016
"فجر ليبيا" تتحوّل لطرف أساسي ضد "داعش"(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -


تدل المعطيات المتواترة من ليبيا حول الضربات الجوية المتواصلة من "طائرات مجهولة" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، على أن الضربات العسكرية الغربية في البلاد قد انطلقت بالفعل، ولم تعد تنتظر حكومة "الوفاق الوطني" التي لا تزال تواجه صعوبات أمام المصادقة عليها. يأتي ذلك مع عودة حراك سياسي عبر استئناف الحوار الليبي-الليبي الذي يتوقع منه البعض إعادة تشكيل مجلس رئاسي جديد وتشكيل حكومة ليبية جديدة، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه يناسب التحركات الدولية، مع الدعم المستمر لحكومة "الوفاق" والذي كان آخره من ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، مارتن كوبلر.

أما الضربات العسكرية على ليبيا، فأشارت تقارير عديدة إلى أنها كان يُفترض أن تبدأ خلال شهر مارس/آذار الحالي، وفقاً للأجندات السياسية التي كانت تتوقع تشكيل حكومة "الوفاق الوطني" الليبية والمصادقة عليها خلال هذا الموعد. غير أن تلكؤ برلمان طبرق في المصادقة على الحكومة، بغاية إتاحة الفرصة لقائد الجيش التابع لبرلمان طبرق خليفة حفتر لاستكمال ضرباته في بنغازي، بحسب مصادر ليبية لـ"العربي الجديد"، والبحث عن مسارات سياسية جديدة أخيراً بين طرابلس وطبرق، كل هذه العوامل سرَّعت في نفاد صبر العواصم الغربية، التي ترى في تصاعد قوة تنظيم "داعش" تهديداً لها وذريعة للتدخّل.

وشهدت مدن ليبية عديدة خلال الأسبوعين الأخيرين، تصاعداً واضحاً لضربات "الطائرات المجهولة"، واستهدفت بعضها مواقع تنظيم "داعش" في منطقتي السبعة والظهير، جنوب وغرب مدينة سرت، وشنّت أخرى ضربات على موكب تابع لتنظيم "داعش" مكوّن من عشر سيارات بالقرب من مدينة بني وليد الواقعة في شمال غرب ليبيا، بالإضافة إلى غارة صبراتة التي كُشفَت تفاصيلها، واستهداف أرتال للتنظيم وزورق كان يقل عدداً من مقاتليه.

وجاءت المعلومات المتواترة حول التدخّل أو الإسناد العسكري الفرنسي في بنغازي، والبريطاني الأميركي في مصراتة، ليقود إلى استنتاج بأن الضربات العسكرية في ليبيا انطلقت بالفعل، وأنها مرشحة لتكون أكثر كثافة في الأيام المقبلة، سواء ولدت الحكومة الجديدة أو وُئدت في المهد.

وتلتقي هذه الاستنتاجات مع ما كشفه قائد قوات العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا، الجنرال دونالد بولدوك، عن وجود استعدادات أميركية وأوروبية ميدانية للتدخّل في ليبيا لكبح تمدّد "داعش"، مشيراً إلى أن هذه الاستعدادات تجري بمعزل عن حفتر وتعتمد على علاقات سابقة مع مسؤولين في عهد نظام معمر القذافي. وأكد بولدوك "أن التدخّل الأميركي أصبح ملحاً حتى لو لم يتم تشكيل حكومة واحدة في ليبيا".

وتكشف سلسلة مقالات عن ليبيا، للكاتب الإيطالي مانليو دينوتشي، وهو باحث جغرافي وجيوسياسي، ونشرتها شبكة فولتير المستقلة، نقلاً عن "مانيفاستو" الإيطالية، أن الحكومة الإيطالية سمحت للطائرات الأميركية بالانطلاق من قاعدة سينيولا في صقلية جنوب إيطاليا، وهي الطريقة نفسها التي اعتُمدت عام 2011، حين انطلقت طائرات من تلك القاعدة لاستهداف مقاتلي القذافي، بإدارة إلكترونية مباشرة من الجيش الأميركي.

وأكد الكاتب الإيطالي أن مطار"بيزا" الإيطالي، القريب من قاعدة داربي، يشهد إقلاع طائرات نقل من نوع "سي 130" تحمل معدات عسكرية نحو قواعد في أفريقيا الشمالية. وبالتوازي تشهد قاعدة "إيستر" الفرنسية وصول طائرات "كي سي 135" لتموين الطائرات المقاتلة جوّاً، في إطار عملية "بارخان" المعروفة في مالي والنيجر والتشاد وموريتانيا، وليبيا، بجوار نيجيريا، والكاميرون، حيث تقود الولايات المتحدة عملياتها ضد "داعش" أيضاً.

وتُضاف إلى هذه التحركات، عملية "ديناميك مانتا 2016" التي تجري في صقلية، بمشاركة قوات أميركية وبريطانية وإسبانية ويونانية وإيطالية برعاية حلف شمال الأطلسي، وهو ما يلخّص هذه القيادة الإيطالية للعمليات في ليبيا، ولكن القيادة الحقيقية ستكون بالتأكيد أميركية، بحسب الكاتب، مشيراً إلى أن عنوان محاربة "داعش" هو في الواقع ذريعة للسيطرة على السواحل الليبية الاقتصادية والاستراتيجية.

وأرسلت بريطانيا إلى قاعدتها في قبرص طائرات إضافية، إلى جانب طائرات "تورنادو" و"تايفون" الموجودة أصلاً، بالإضافة إلى كل القطع البحرية المتنوعة الموجودة منذ مدة في المياه الدولية قبالة السواحل الليبية. ولا ينقص هذه الاستعدادات سوى دعوة الحكومة الليبية للتدخّل، التي يبدو أنها تأخرت، ولذلك تضغط المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون بشدة على الرئيس الأميركي باراك أوباما، من أجل معالجة أكثر حدة للأزمات الدولية ومن بينها ليبيا.

وكانت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، أعلنت منذ أسابيع عن مشروعها الخماسي الجديد للسنوات المقبلة، وجاء عنوانه الأبرز حملات عسكرية لمقاومة التهديدات المتصاعدة في أفريقيا، وعلى رأسها التركيز على الملف الليبي، بحكم اللا استقرار في هذا البلد. وأكد الكاتب دينوتشي أن إيطاليا معنية أساسا بتحركات "أفريكوم"، إذ تحتضن بعض قياداتها في مدينتي نابولي وفيتشانزا.

اقرأ أيضاً: خطة التدخل الغربي في ليبيا: "شركاء محليون" بلا حفتر

من جهة أخرى، ذكر موقع "ميديابارت" الفرنسي أن الهدف الأول سيكون مدينة سرت الليبية، لعزلها أولاً ثم تصفيتها من الإرهابيين، قبل الانتقال إلى مدن أخرى، ومحاولة بسط شرعية محلية فيها. وأضاف الموقع نقلاً عن المدير السابق للمدرسة الحربية الفرنسية الجنرال فانسان ديبورت، أن موافقة جيران ليبيا، المعلنة أو السرية، ستكون سلاحاً دبلوماسياً مهماً في هذه الحرب.

ولعل استهداف مدينة سرت كهدف أساسي أول، يلتقي مع جملة من العوامل والأسباب المهمة، أولها رمزية هذه المدينة في تاريخ ليبيا، وأهميتها الاستراتيجية، ثم سهولة استهدافها جواً وبحراً، إذ تأتي قبالة القطع البحرية الغربية الموجود قبالة السواحل الليبية، ومحاصرتها من الخلف من قوات ليبية، قوات مصراتة وطرابلس، التي أعلنت بالفعل بداية عملياتها ضد التنظيم في المدينة منذ أيام.

ولعل ما أشيع عن وجود قوات بريطانية وأميركية في مصراتة، على الرغم من النفي الرسمي للمجلس العسكري في المدينة، يلتقي مع ما أكده بولدوك، لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، من أنه "لدينا، بفضل العلاقات السابقة مع قوات العمليات الخاصة الليبية، روابط مع قادة الجيش المقبول الشراكة معهم دولياً من أجل دعمهم في ملاحقة التهديدات الإرهابية".

ويبدو أن نجاح القوات الأمنية التابعة لسلطات طرابلس في معركتها ضد "داعش" في صبراتة، بعد استهدافها أميركياً، عزّز فيما يبدو من موقع معسكر طرابلس، وتحديداً قوات "فجر ليبيا"، كطرف محلي أساسي في المعارك ضد "داعش"، في وقت تتسابق فيه مختلف القوى الليبية لنيل الاعتراف الدولي بالقدرة على محاربة "الإرهاب". ويُتوقَع أن يكون سيناريو صبراتة، هو السيناريو الأمثل الذي وضعته العواصم الغربية في مواجهة "داعش"، أي توجيه ضربات جوية مكثفة تسندها قوات برية محلية.

في مقابل هذه التحركات العسكرية، ظهر تحرك سياسي اعتبره البعض مناورة جديدة للالتفاف على مسار الحل السياسي الأممي، وضغطاً على الأطراف الدولية التي سارعت بدعمها للنواب الموقّعين على حكومة الوفاق، إذ فوّض برلمان طبرق من جديد عدداً من نوابه لاستئناف ما سمي بالحوار الليبي-الليبي الذي انطلق في تونس، وتواصل في مسقط ومالطا وجمع بين الشقين المختلفين نوري بوسهمين وعقيلة صالح. والتقى المجتمعون على مدى الأيام الماضية في طرابلس.

وكشف مسؤول الإعلام الخارجي في حكومة طرابلس خالد زوبيّة لـ"العربي الجديد"، أنه يجري التباحث حول أكثر من نقطة ومن بينها إعادة تشكيل مجلس رئاسي جديد من رئيس ونائبين، وتشكيل حكومة ليبية مصغرة تتكوّن من 15 وزيراً، خمسة من طبرق وخمسة من طرابلس وخمسة يختارهم المجلس الرئاسي الجديد، معلناً أن الاجتماعات ستُتوج بالتوقيع على هذا الاتفاق.

ولكن هذا المسار يعتبره البعض غير واقعي خصوصاً مع الدفع الذي يلقاه المجلس الرئاسي الذي تم التوافق عليه في الصخيرات، وهو ما تجلّى في دعوة المبعوث كوبلر، مجلس الأمن الدولي "إلى التحرّك ومحاسبة الذين يهددون المجلس الرئاسي ويمنعونه من العمل في طرابلس، ويحولون دون عملية التحول الديمقراطي في البلاد".

وحذر كوبلر في إفادة أمام أعضاء المجلس في نيويورك ليل الأربعاء، من "خطر انقسام وانهيار ليبيا"، مشدداً على ضرورة أن "تتحمل الأطراف السياسية الليبية مسؤولياتها من أجل المصالح العليا للشعب ووقف معاناته". وقال إن "الأغلبية العظمى من الشعب الليبي تؤيد الاتفاق السياسي في البلاد، وتدعم تشكيل حكومة وفاق وطني تعالج التهديدات القائمة"، مشيراً إلى أن بعض المسؤولين في الطرفين المتصارعين، "ما زالوا يرفضون الاستماع إلى صوت شعبهم، ويواصلون السعي لتحقيق مصالحهم السياسية الضيقة".

وشدّد على اعتزامه استئناف إجراء الحوار السياسي الوطني، لبحث سبل التحرك قدماً بما يتوافق مع الاتفاق السياسي الليبي، مضيفاً: "لا يمكن أن تظل ليبيا رهينة أقلية في مجلس النواب (بطبرق)، والمؤتمر الوطني العام (بطرابلس)، لأنه يوجد في كلا المجلسين، أغلبية واضحة تؤيد التحرك قدماً بشكل عاجل نحو تشكيل حكومة الوفاق الوطني". وتابع: "بالنظر إلى الوضع الأمني وخطر توسّع تنظيم داعش، يجب توحيد وإصلاح قوات الأمن الليبية"، داعياً مجلس الرئاسة وحكومة الوفاق الوطني للقيام فوراً بإنشاء آلية لتحقيق هذا الهدف".

اقرأ أيضاً: "لوموند": الدول الغربية تختار التدخل العسكري السري بليبيا