شكّل "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان السابق)، في جلسته، يوم الثلاثاء، لجنة من أعضاء "المؤتمر" ورئاسة الأركان العامة الليبية، وذلك لوضع مسودة قانون إنشاء جهاز للحرس الوطني، بهدف ضم كتائب الدروع على مستوى ليبيا، وكتائب الثوار التي ترغب في مأسسة وضعها القانوني.
وأفاد أحد أعضاء "المؤتمر"، رفض الكشف عن اسمه، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأن "هناك خلافاً بين النواب لم يُحسم بعد، حول تبعية جهاز الحرس الوطني، إذ يميل بعض الأعضاء إلى إنشاء ركن جديد للحرس الوطني، تابع لرئاسة الأركان العامة، بينما يرى آخرون أنه يجب إلحاقه بركن القوات البرية".
وأشارت معلومات أولية إلى احتمال رصد قرابة الـ300 مليون دولار كميزانية لإنشاء الجهاز، إدارياً وعسكرياً، وأن ثمة صفقات مبدئية مع شركات أجنبية متخصصة في هذا المجال، يشوبها بحسب بعض المصادر الخاصة، فساد إداري، تورّط فيها سفير ليبي لدى دولة أجنبية، إضافة إلى رئيس مؤسسة ليبية معنية بشؤون الثوار وتأهيلهم.
وأشاروا إلى أنه "عندما أدخلت بعثة الأمم المتحدة بليبيا برئاسة أمينها برناردينو ليون، المؤتمر كطرف وشريك في الحوار، الذي يحاول ليون جمع أطرافه حول طاولة مفاوضات واحدة، بعد حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية القاضي بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس النواب الليبي بطبرق، شعر المؤتمر، كقيادة سياسية، بالانفصال بينه وبين القادة الميدانيين من قوات فجر ليبيا".
واعتبروا أنه "بينما يقبل المؤتمر بمبدأ الحوار ضمن شروط محددة، يرفض بعض العسكريين من فجر ليبيا مبدأ الحوار، لأسباب متعلقة بسلوك وأداء مجلس النواب الليبي المنحل بطبرق، واللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد عملية الكرامة".
ولذا يحاول "المؤتمر"، من خلال إنشاء جهاز للحرس الوطني، أن يضع قادة الجبهات من الثوار، تحت عباءة "المؤتمر" السياسية، وسيكون من السهل على "المؤتمر" تقرير مسألة التفاوض والحوار من عدمها كقيادة سياسية، واعتبار مَن يرفض أو يشذّ عن قرارات "المؤتمر"، خارج الشرعية والقانون، ما يستلزم رفع الغطاء القانوني عنه أولاً، والثوري ثانياً.
كما أن من شأن هذه الخطوة إنشاء جهاز عسكري موازٍ للجيش الليبي بعد تكوينه وتأسيسه، إذ إن تجرية الانقلاب العسكري التي قام بها حفتر في نسخته الأولى في فبراير/ شباط من العام الجاري، أو في نسخته الثانية ببنغازي تحت مسمى "عملية الكرامة" في مايو/ أيار الماضي، دق جرس الخطر من أية محاولات انقلابية قد يقوم بها مغامرون عسكريون، لذا ارتأى "المؤتمر" خلق توازن بين المؤسسة العسكرية الرسمية وبين جهاز الحرس الوطني.
إلا أنه في حالة تبعية جهاز الحرس الوطني، سواء كركن مستقل تابع لرئاسة الأركان، أو كقوة تابعة لركن القوات البرية، فلن يحقق الهدف الرئيسي الرامي إلى جعل المعادلة الأمنية والعسكرية في أكثر من سلة، بهدف منع الانفراد بالقوة واستخدامها في الانقلاب على المسار السياسي.
بينما يرى آخرون أن خطوة إنشاء جهاز للحرس الوطني من قبل "المؤتمر" جاءت متأخرة، خصوصاً بعد الانقسام السياسي والمعارك العسكرية التي تشهدها مناطق عدة في محيط العاصمة الليبية طرابلس، والهلال النفطي، وبنغازي ودرنة في شرق ليبيا. إذ من غير الممكن في حالة ليبيا السياسية والأمنية الحالية، إنشاء جسم عسكري يضم كل ثوارها. بالتالي ستكون القوة الأكبر للجهاز الجديد من غرب ليبيا، وبنسبة أقل من الجنوب، وبنسب ضعيفة جداً بشرقها، نظراً لعدم بسط المؤسسات التابعة أو المؤيدة لـ"المؤتمر" سيطرتها على الشرق.
ويرى فريق من المحللين أن "فكرة إنشاء الجهاز رسالة سياسية للغرب الأوروبي والأميركي، إذ عن طريق الانضمام إليه، سيتم فرز الثوار المؤيدين لمنطق وفكر الدولة، وأولئك المتشددين الذين لديهم مواقف راديكالية من الديمقراطية والانتخابات والتداول السلمي للسلطة".
وهذا بدوره قد يدفع إلى نشوب انشقاق عميق، وخلق هوّة واسعة بين قادة "مجلس شورى ثوار بنغازي"، الذي يضم في صفوفه تنظيم "أنصار الشريعة"، الموضوع على اللائحة السوداء بالنسبة للجماعات الإرهابية في مجلس الأمن الدولي.
ووفق هذا التحليل، سيثير إنشاء الجهاز الشكوك، بين مَن سيعلن انضمامه إليه من قادة وجنود "مجلس شورى ثوار بنغازي"، وبين أولئك الذين من المتوقع أن يعلنوا عدم انضمامهم إليه، بسبب رفض تبعيتهم لدولة لم تطبّق، برأيهم، أحكام الشريعة الإسلامية، بحسب تصورهم، وهو ما سيدق إسفيناً بين قادة ميدانيين في ظرف حرج ووضع عسكري صعب، بسبب خوضهم معارك عسكرية طاحنة مع قوات حفتر.
ووفقه أيضاً سيستطيع "المؤتمر" شق التحالفات بين قادة الثوار، الذين يرفضون منطق تنظيم "أنصار الشريعة"، إلا أن ظروف الحرب الجارية، خصوصاً في الشرق، فرضت عليهم التعاون مع متشددين إسلاميين، وعزل الجماعات المتشددة والمتهمة بالإرهاب وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، أو القرارات المنفردة لبعض الدول الأوروبية والعربية، وخلق مساحات شاسعة وفاصلة بين "المؤتمر" وبين هذه الجماعات، وتحديداً أن معارضي "المؤتمر" داخلياً وخارجياً يتهمونه بدعم هذه الجماعات وتأييدها.
في حين يقلّل خبراء عسكريون من أهمية الخطوة ويرونها باباً جديداً لنهب المال العام، إذ إن ضعف مؤسسات الدولة الرقابية وتحللها سيجعل من تسرّب المال إلى أيادٍ خفيّة أمراً سهلاً، إلا إذا رفض مصرف ليبيا المركزي تنفيذ قرار صرف ميزانية جهاز الحرس الوطني، وهو أمر متوقع، كون وظيفة المركزي الليبي باتت تقتصر على صرف المرتبات من الميزانية في ظلّ وجود حكومتين بشرق ليبيا وغربها.