ليبيا: استمرار أزمة الأسعار رغم الإصلاحات الاقتصادية

06 ديسمبر 2018
أسعار السلع تقفز والقدرات الشرائية تتراجع (فرانس برس)
+ الخط -

 

على الرغم من الإصلاحات الاقتصادية التي شرع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية في تطبيقها مند نحو ثلاثة أشهر، إلا أن أسعار مختلف السلع قفزت، بما يفوق القدرات الشرائية للكثير من المواطنين، في البلد الذي كان فيما مضى أحد أغنى البلدان العربية.

ويشير المسؤولون الحكوميون إلى أن السيولة في المصارف التجارية أضحت متوفرة، مع الإجراءات التي استهدفت تقليص الفارق بين سعر الدولار في السوقين الرسمي والسوداء، والتي أدت إلى خفض سعر صرف الدينار رسميا، ما ترتب عليه صعود أسعار السلع الأساسية، وقيام شركات الاتصالات والطيران والكثير من المؤسسات برفع أسعار خدماتها.

وللتعامل مع "اقتصاد الحرب"، فرضت حكومة طرابلس المعترف بها دولياً، في سبتمبر/أيلول الماضي، ضريبة نسبتها 183% على المعاملات التجارية والخاصة بالعملة الصعبة، ليصل السعر الرسمي لمثل هذه المعاملات إلى 3.9 دنانير للدولار، بينما يبلغ السعر الرسمي الذي تستخدمه مؤسسات الدولة نحو 1.37 دينار.

وقال أحمد أبولسين، مدير مركز أويا للدراسات والبحوث الاقتصادية، لـ"العربي الجديد"، إن المؤشرات تظهر ارتفاع أسعار جميع السلع، بما فيها الأدوية، في ظل الرسوم المفروضة على مبيعات النقد الأجنبي.

وأوضح أبولسين: "هناك انخفاض في السلع الكمالية، بسبب حالة الركود التي لحقت بالأسواق من جراء ضعف القدرات الشرائية للمواطنين مع تراجع قيمة الدينار، فالمواطن أصبح بحاجة إلى نحو 5 آلاف دينار شهريا لتلبية الاحتياجات، وسط الغلاء المتزايد". ويبلغ الحد الأدنى للأجور نحو 450 ديناراً شهريا، حسب البيانات الرسمية.

وقال علي العزيبي، صاحب سوق البركة للمواد الغذائية في طرابلس، في حديث مع "العربي الجديد"، إن السلع باتت متوفرة، خلافا لما كان سائدا مطلع العام الحالي، ولكن الأسعار ارتفعت، خاصة السلع الغذائية.

في المقابل، تأمل الحكومة في أن تساعد إصلاحاتها في سوق العملات على استعادة الثقة في اقتصاد البلاد، وعزل الجماعات المسلحة عن ممارسة أنشطة الأعمال والسيطرة على السوق السوداء للنقد الأجنبي، وهو هدف رئيسي لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى إرساء الاستقرار في ليبيا.

فقد تبدّل حال أعضاء الجماعات المسلحة التي يجوب قادتها شوارع طرابلس على متن سيارات فاخرة، والذين أصبحوا أثرياء بإرغامهم السلطات على توظيفهم ومنحهم الدولارات بسعر رخيص ليقوموا بتغييرها في السوق السوداء ويكسبوا من فارق الأسعار.

بينما أضحى الكثير من أبناء الطبقة المتوسطة، الذين كانوا ميسورين من قبل، يواجهون تدهورا في مستوى معيشتهم بسبب ارتفاع معدل التضخم.

وتعرضت السياسات الاقتصادية في ليبيا لتشوه كبير، بسبب الصراع بين الحكومة في طرابلس وأخرى موازية في الشرق، أنشأت بنكا مركزيا خاصا بها، في أعقاب الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011.

ووفق نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أحمد معيتيق، في تصريحات صحافية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن الإجراءات التي اتبعتها قبل نحو ثلاثة أشهر ستساعد في إنهاء أزمة السيولة بحلول أوائل العام المقبل 2019.

لكن الأموال لا تزال تتدفق على نخبة قليلة تتمتع بعلاقات جيدة، تبسط سيطرتها على أنشطة الأعمال وإيرادات النفط. ففي الأحياء الراقية بطرابلس، تبيع المتاجر الفاخرة ملابس ذات علامات تجارية عالمية، وتفتح مطاعم ومقاه جديدة أبوابها.

لكن في أرجاء أخرى من العاصمة، تتناثر مشروعات البناء التي توقفت منذ 2011، وتتكدس القمامة التي لا تجد من يجمعها. ولا يزال الكثيرون يصطفون أمام البنوك أملا في الحصول على رواتبهم، ولا يستطيعون سحب مبالغ كبيرة من الأموال.

واعتبر عبد الله التركي، الخبير الاقتصادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من المبكر الحديث عن نتائج الإصلاحات الاقتصادية، لأنها تتركز على الإصلاح المالي فقط"، مشيرا إلى أن السيولة بدأت تتوفر في المصارف، وهي خطوة نحو تحقيق الاستقرار المالي.

وتتوقع المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، أن تبلغ إيرادات مبيعات النفط الخام والمنتجات النفطية 23.7 مليار دولار في 2018، بزيادة 73% عن العام الماضي. لكن يندر إيداع الأموال في البنوك. فالأغنياء يحتفظون بالنقود في منازلهم، لأنهم لا يثقون في البنوك أو يديرون سوقا سوداء، وفق محللين ماليين.

 

المساهمون