ليبرمان زعيماً لمعسكر "السلام" الإسرائيلي

17 ديسمبر 2014

أفيغدور ليبرمان في اجتماع في قبرص (5نوفمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

انضمت وزيرة القضاء الإسرائيلي المُقالة، تسيفي ليفني، زعيمة حزب "هتنوعاه"، الذي يدعي تمثيل "الوسط"، لحزب العمل الذي يمثل "اليسار" الصهيوني. ونظراً لأن "العمل" يقدم نفسه ممثلاً "معسكر السلام" الإسرائيلي، ويعكف زعيمه، إسحاق هيرتزوغ، على زيارة مقر رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله، في أوقات متقاربة، فإن ليفني ستكون جزءاً من قيادات "معسكر السلام" الإسرائيلي! لا حاجة للتذكير بماضي ليفني البعيد والقريب، فقد اعتادت على التباهي بسيرة والدها إيتان، قائد شعبة العمليات في منظمة "إرغون" التي ارتكبت مجزرة دير ياسين في التاسع من أبريل/نيسان 1948. وإيتان هذا الذي أطلق عليه حتى زملاؤه من سفلة الإرهابيين "إيتان الرهيب"، بسبب الطابع السادي للفظائع التي كان يقترفها، وجعلته عقوداً مرشداً لمنتسبي الوحدات الخاصة في الجيش الإسرائيلي. وبعد تسريحها "مقاتلة" في "الموساد"، اقتفت أثر والدها، وانضمت لحزب "الليكود"، أكبر أحزاب اليمين، ثم شاركت إرييل شارون في تشكيل حزب "كاديما"، لتنسحب منه بعد ذلك، وتشكل حزب "هتنوعاه". والآن، بعد أن طردها نتنياهو، تنضم، ببساطة، إلى حزب العمل.

لكن، على الرغم من التحولات الحزبية التي طرأت على مسيرة ليفني، إلا أن شيئاً واحداً لم يتغير لديها، وهو حماسها لإهراق دماء الفلسطينيين. ففي أثناء توليها وزارة الخارجية، خرجت عن طورها في الدفاع عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها إسرائيل خلال حرب غزة 2008. ولما كانت وزيرة للقضاء، منحت جيش الاحتلال كل "المسوغات القضائية" لتنفيذ جرائمه في الحرب على غزة أخيراً. ومن "النجوم" الذين تمكن حزب العمل من اصطيادهم لتعزيز "معسكر السلام"، وزير الحرب الأسبق، شاؤول موفاز، الذي كان ليكوديّاً وزعيماً لحزب كاديما. وتكفي، هنا، الإشارة إلى ما نقلته صحيفة هآرتس في 12 مايو/أيار 2011 عن ضباط خدموا تحت إمرة موفاز، رئيس هيئة أركان الجيش خلال انتفاضة الأقصى، قولهم، إنه كان يأمر قادة الألوية في الجيش بألاّ يقل عدد القتلى الفلسطينيين في اليوم الواحد عن 70.

تدلل التحولات الحزبية في مسيرة ليفني وموفاز، في الواقع، على بؤس الرهان على الفروق الأيدولوجية بين الأحزاب الصهيونية، ولا سيما بعد حل الكنيست وتبكير الانتخابات. ولا سيما وأن بورصة أسماء المرشحين لقيادة "معسكر السلام" لا تنحصر في زعيم حزب العمل، فهناك من يدعو إلى تكليف وزير المالية المُقال، يئير ليبيد، زعيم حزب "ييش عتيد"، برئاسة قائمة انتخابية، تمثل الأحزاب المنضوية تحت "معسكر السلام"، بحجة أن مواقفه الأكثر تمثيلاً لـ"الوسط" الذي يلبي تطلعات معظم الإسرائيليين. ولا داعي للتذكير بأن ليبيد أصر على أن يتم عقد الاجتماع التأسيسي لحزبه في مستوطنة "أرئيل"، أكبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ليوصل رسالة مفادها، أن تفكيك المستوطنات ليس وارداً لديه. وليبيد، وزير المالية، هو الذي فتح صنبور الأموال لرفد المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس.

وقد يحتاج المرء إلى ميكروسكوب، لكي يتعرف على الفروق في مواقف "ييش عتيد" و"الليكود". ففي أثناء وجوده في الحكومة، حرص ليبيد على التأكيد أن الصراع مع الفلسطينيين لن يحل، وأن حله لا يتوقف، أصلاً، على الموقف الإسرائيلي، بل بسبب "التعنت الفلسطيني". ومن اللافت أنه طرح اسم يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، لكي يقود قائمة موحدة تمثل "معسكر السلام". و"الشاباك" هو الجهاز الذي يتولى، نيابة عن الحكومة الإسرائيلية، إدارة سياسة القمع ضد الشعب الفلسطيني. وديسكين تحديداً يوصف في إسرائيل بأنه "مهندس" سياسة الاغتيالات خلال انتفاضة "الأقصى" وبعدها. ومن تابع تغريداته في "تويتر"، في أثناء الحرب، لاحظ أنه كان شديد الانتقاد للحكومة والجيش، لعدم استخدام قوة أكبر لحسم المواجهة مع المقاومة.

يبدو المشهد الإسرائيلي هاذيّاً في سرياليته، عندما تقترح نخب محسوبة على اليسار أن تتوحد قوى الوسط واليسار في قائمةٍ، يقودها وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان. وحسب منطق هذه النخب، فإن ليبرمان أدرك أن من مصلحته التوجه نحو "الوسط"، وأن بعض مواقفه الأخيرة تعكس ذلك، وأن وضعه على رأس قائمة تمثل اليسار والوسط سيجذب أصواتاً كثيرة من معسكر اليمين، ما يعني ضمان التخلص من نتنياهو. ولو تجاوزنا تصريحات ليبرمان القديمة، ولا سيما دعوته إلى إلقاء قنبلة نووية على غزة، وتهديده بتدمير السد العالي، وفرض "السيادة اليهودية" على المسجد الأقصى، وغيرها، فإن ليبرمان يواصل التعبير عن مواقف عنصرية، تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. فقد قدم، الأسبوع الماضي، خطة تقوم على طرد فلسطينيي الداخل، ولا سيما من المدن المختلطة، في مقابل منحهم حوافز مالية. فللأسف مرة أخرى، لا تعني الحقائق شيئاً لفلسطينيين وعربٍ كثيرين، يهتمون بالفروق الباهتة بين قوى اليسار واليمين في إسرائيل. فحتى قادة المستوطنين يقرون بأن المشاريع الاستيطانية بلغت الذروة، تحديداً في عهد الحكومات التي شكلها حزبا "العمل" و"كاديما"، اللذان يمثلان "اليسار" و"الوسط".

ويتضح مما سبق أن الفروق الأيديولوجية بين الأحزاب والحركات السياسية الصهيونية تكاد تكون معدومة، وإن وجدت لا تعني شيئاً للفلسطينيين. وأقصى ما يمكن أن يقدمه أكثر الأحزاب الصهيونية "اعتدالاً" لا يمكن أن يقبله أكثر الفلسطينيين مرونة. من هنا، فإن تشبث بعض الفلسطينيين والعرب بالرهان على الفروق الأيديولوجية بين الأحزاب والحركات الصهيونية رهان في غير محله، ويسهم فقط في تمكين الصهاينة من تكريس الأمر الواقع على الأرض.

قصارى القول، يتوجب على الفلسطينيين خصوصاً أن يتوقفوا عن الرهان على تحولات الواقع السياسي في إسرائيل. فهذه التحولات لن تغير من نمط التعاطي الصهيوني معنا، بل على العكس. إن الانتخابات الإسرائيلية، سواءً أفضت نتائجها إلى مواصلة النخب الحالية إدارة مقاليد الأمور في تل أبيب، أو أسفرت عن تمكين نخبة أخرى، فإنها تسهم فقط في إنجاح استراتيجية إدارة الصراع الصهيونية الهادفة إلى تأبيد الاحتلال.