ليبراليّة الـ "آي فون 6"

18 أكتوبر 2014
+ الخط -
لم تُنصب الخيم ولم تمتلئ ميادين نيويورك وشيكاغو وواشنطن بالمعترضين على مشروع مدير مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركية، (إف بي آي) جيمس كومي، القاضي بالسماح لأجهزة الأمن، بالاطلاع على كل المحتويات الرقمية لأجهزة هواتف الـ "آي فون 6" الجديدة، بعدما طُرح المنتوج في الأسواق مزوَّداً بتقنيات تمنع أي شخص في العالم من الاطلاع على صور ورسائل ودردشات صاحب الجهاز.

عرض كومي مشروعه علناً، في كلمة أمام معهد "بروكينغز" يوم الخميس، ليصبح عنوان سجالات لا تنتهي، لكن بهدوء، في الإعلام الأميركي.

يأتي طرح كومي كأول ثورة مضادة على المكتسبات التي حققها المواطن الأميركي بفضل العميل الأميركي السابق، إدوارد سنودن، إثر فضحه التجسس الأميركي على هواتف المواطنين وحكام الدول الحليفة للولايات المتحدة. منذ تلك الفضيحة، تراجعت أجهزة الأمن الأميركية عن الكثير من الإجراءات التي تبيّن أنها تستبيح خصوصيات كل الناس، بسبب ومن دون سبب.

لكن النقاش الذي يعنينا في هذه المنطقة يتجاوز البُعد الإجرائي، ليصل إلى التساؤل عن السبب الذي يحول دون شعور المواطن الأميركي بأن حريته مهددة إزاء مشروع مماثل، يقول جهاراً: "أريد أن أتجسس على أجهزتكم". سؤال بسيط يعيد طرح أصل المسألة؛ يشعر المواطن الأميركي (والغربي عموماً) أنّ الدولة وأجهزتها، حتى وإن استطلعت خصوصياته الأكثر حميمية (بما أن الهاتف الذكي صار اليوم عنوان الحميمية)، فهي لن تستخدم ذلك للتشفي السياسي أو للابتزاز أو لتصفية الحسابات مع أفراد أو مجموعات.

كما ينتاب المواطن المذكور، شعور مكمّل يفيد بأنه يمكنه التوجه إلى القضاء لتحصيل حقّه، إذ لن يجد مؤسسة فاسدة. كلام لا يعفي بأي حال الديمقراطيات الغربية من مصائبها، لكنه يعيد لنظرية "الديمقراطية المعدَّلة"، أي المطعَّمة بمفاهيم المواطنية والمساواة والحريات الفردية والجماعية، التعريف الأدق ربما، الذي وضعه لها ونستون تشرشل على اعتبار أنها "أفضل الأنظمة السياسية السيئة".

سيأخذ مشروع التجسُّس على الـ "آي فون6" مداه في النقاش الأميركي العام، لكنه لن يُنزل الآلاف ولا الملايين إلى الساحات، فالديمقراطية الأميركية التي لا نتعب من شتمها، لم تستنفد حلولها بعد.
المساهمون