اعتاد أهالي واحة سيوة المصرية، سنوياً، إقامة احتفال محلي يُطلق عليه اسم "ليالي الصلح" بالتزامن مع موسم الحصاد وجني التمر، وفيه تستقبل الواحة زائرين مصريين وأجانب تروقهم مشاركة الأهالي في تلك الفعالية الشعبية ذات الروح الصوفية.
تتعدّد الروايات حول أصل الاحتفال الذي يستمرّ منذ أكثر من 150 عاماً، من دون انقطاع. أمّا تلك الأكثر رواجاً، فتُرجِع المناسبة إلى نزاع قديم على بعض من أراضي الواحة نشب بين القبائل العربية والأمازيغية. ولم ينتهِ النزاع إلّا عندما نجح شيخ صوفيّ صالح في رأب الصدع، فأقام صُلحاً بين الفرقاء على جبل الدكرور. ومنذ ذلك الحين، صارت منطقة الجبل تلك مكاناً يلتمس منه المريدون البركة.
منذ تلك الحادثة، يقتضي العُرف أن يكون الاحتفال لمدّة ثلاث ليالٍ قمرية، يمرّ خلالها المنظّمون المتطوّعون على البيوت فيجمعون رغيف خبز واحداً من كلّ بيت مع عشرة جنيهات على الأقلّ، بينما يساهم الأغنياء بأكثر من ذلك. وقبل الاحتفال بيوم واحد، تُذبَح العجول ويبدأ الطبّاخون بطهو اللحم ويجهّزون الفتّة على طريقة الموائد الصوفية، فيتذوّق رئيسهم مرقة اللحم في كلّ الأواني ويضيف ما يلزم من ملح وتوابل.
وفي يوم الاحتفال، يغرف الطبّاخون أطباق الفتّة مع قطع اللحم المسلوق، ثمّ يجهّزون مائدة كبيرة على الأرض يتجمع حولها الأهالي في سفح الجبل. لكنّ أحداً منهم لا يبدأ تناول الطعام قبل أن يصعد الشيخ "القدوة" إلى أعلى نقطة في الجبل ويعطي إشارته للجماهير كي يبدؤوا بتناول الطعام معاً، وذلك في رمزية موروثة للصلح وتصفية الخلافات والاندماج كأهل وأقارب وأصدقاء. وليس أدلّ على قيمة الصلح وصفاء النفوس من أن يتشارك الناس الطعام، إذ يصير - وفقاً للموروث المصري - ثمّة "عيش وملح" بين المتخاصمين.
وينشط أبناء الطريقة الشاذلية في تنظيم عيد الصلح ورعايته. في تلك الليالي، تُنصَب خيمة الحضرة الصوفية، وتكثر الأذكار ويصدح المُنشدون، وتنتشر الألعاب ويكثر الباعة المتجوّلون، في ما يشبه الموالد الصوفية المعروفة. وينتهي الاحتفال في اليوم الثالث، بمسيرة دينية تُرفَع فيها الأعلام الصوفية الخضراء، تنطلق من جبل الدكرور وتنتهي بالمسجد الكبير في سيوة مروراً بالشوارع والحقول. ويشارك في تلك الليالي من شاء من الأهالي، شباناً ورجالاً وأطفالاً.