لم تكن أوروبا وحدها قبلة التونسيين الحالمين بتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، بل كان التونسي دائماً مخيّراً بين الوجهة الشمالية الباردة، أو جنوباً إلى ليبيا الدافئة. ويتذكّر التونسيون جيداً أن طرابلس كانت أيضاً وجهة السياح التونسيين، والذين يذهبون إليها في رحلات جماعية للإعداد لزواجهم والتزود بمختلف السلع والماركات العالمية التي كانت تباع بأرخص الأثمان، لأنها كانت مدعومة، فضلاً عن أن أهالي الجنوب التونسي يعتبرون طرابلس امتداداً طبيعياً لقراهم ومدنهم، والعكس بالعكس.
وتدعمت هذه الوجهة مع السنوات، بعدما فرضت أوروبا شروط دخول قاسية على التونسيين، وأصبحت التأشيرة حلماً بعيداً وصعباً، وتحولت ليبيا إلى الملاذ الأخير... لكنها سقطت أيضاً في براثن الخلافات الداخلية، والتي تغذيها أطراف خارجية. وأقفل هذا الباب بشكل يكاد يكون نهائياً أمام آلاف التونسيين. وأحس التونسيون بحالة من الاختناق، بعدما ضاقت الساحة الداخلية أيضاً بسبب تراجع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية... ولم يكن هناك من ملجأ غير الارتماء في البحر، فإما الوصول الى لمبادوزا الإيطالية أو الموت غرقاً... وسبق لي أن التقيت شباناً في إحدى المدن الإيطالية، يهربون من ملاحقة الشرطة من مدينة إلى أخرى، وليس في جيبهم ثمن الخبز أو تذكرة قطار، ما حوّل الحلم بالثروة إلى جحيم دائم، ومهّد الطريق أمام الانضمام إلى أي جهة إجرامية أو إرهابية في أوروبا، وما أكثرها!!
ولا تشكّل هذه الرواية تبريراً لما يحصل من دمار تسبب فيه تونسيون، لكنه تقرير صادق عن واقع لا يريد الأوروبيون الاستماع إليه أصلاً، إذ يبدو من الأسهل، أمام صعود اليمين المتطرف خصوصاً، أن تتهم العرب. ولكن هل يسأل الصحافي الفرنسي أو الألماني، والذي كرّس أيامه الماضية لكيل الاتهامات لتونس، ماذا لو سافر أنيس العامري إلى ليبيا بدل إيطاليا، كما تعود شبان تونسيون كثر من قبله؟ لأن الثابت أنه خرج من تونس منحرفاً لا إرهابياً. وهو، شأن الكثير من أمثاله اليوم، يلقي بهم الجوع وأوهام الجنة الموعودة إلى البحر، فتلقي بهم أوروبا الفقيرة المتطرفة إلى أحضان الإرهاب والجريمة. والجوع كما نعرف كافر، والفقر كافر... من دون أن يعفينا كل هذا من مسؤولية ما يحدث، لأننا تخاذلنا معهم أيضاً، وتسببنا في كثير من هذه المآسي.
وتدعمت هذه الوجهة مع السنوات، بعدما فرضت أوروبا شروط دخول قاسية على التونسيين، وأصبحت التأشيرة حلماً بعيداً وصعباً، وتحولت ليبيا إلى الملاذ الأخير... لكنها سقطت أيضاً في براثن الخلافات الداخلية، والتي تغذيها أطراف خارجية. وأقفل هذا الباب بشكل يكاد يكون نهائياً أمام آلاف التونسيين. وأحس التونسيون بحالة من الاختناق، بعدما ضاقت الساحة الداخلية أيضاً بسبب تراجع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية... ولم يكن هناك من ملجأ غير الارتماء في البحر، فإما الوصول الى لمبادوزا الإيطالية أو الموت غرقاً... وسبق لي أن التقيت شباناً في إحدى المدن الإيطالية، يهربون من ملاحقة الشرطة من مدينة إلى أخرى، وليس في جيبهم ثمن الخبز أو تذكرة قطار، ما حوّل الحلم بالثروة إلى جحيم دائم، ومهّد الطريق أمام الانضمام إلى أي جهة إجرامية أو إرهابية في أوروبا، وما أكثرها!!
ولا تشكّل هذه الرواية تبريراً لما يحصل من دمار تسبب فيه تونسيون، لكنه تقرير صادق عن واقع لا يريد الأوروبيون الاستماع إليه أصلاً، إذ يبدو من الأسهل، أمام صعود اليمين المتطرف خصوصاً، أن تتهم العرب. ولكن هل يسأل الصحافي الفرنسي أو الألماني، والذي كرّس أيامه الماضية لكيل الاتهامات لتونس، ماذا لو سافر أنيس العامري إلى ليبيا بدل إيطاليا، كما تعود شبان تونسيون كثر من قبله؟ لأن الثابت أنه خرج من تونس منحرفاً لا إرهابياً. وهو، شأن الكثير من أمثاله اليوم، يلقي بهم الجوع وأوهام الجنة الموعودة إلى البحر، فتلقي بهم أوروبا الفقيرة المتطرفة إلى أحضان الإرهاب والجريمة. والجوع كما نعرف كافر، والفقر كافر... من دون أن يعفينا كل هذا من مسؤولية ما يحدث، لأننا تخاذلنا معهم أيضاً، وتسببنا في كثير من هذه المآسي.