لوح الكوي

21 نوفمبر 2014
+ الخط -
كان والدي يهرب من خلف لوح الكوي، ويطلب من أمي الوقوف مكانه حين يدق أحدهم على باب البيت. وبفارق زمني يصل إلى 20 عاماً، كان زوج صديقتي الذي يحب نشر الغسيل، يختار القيام بالأمر بعد منتصف الليل، ليتأكد من أن الجيران قد ناموا.

يا ويلهم في حال ضبطهم "السيستم" يزاولون هذه المهام المنزلية التي غالباً ما يقومون بها في السر أو تحت جنح الظلام.

هذا ليس أسوأ ما في الأمر. الأسوأ أن يقوم الرجل بها من باب المساعدة، أو أن تشعر النساء بالامتنان لتقديم الرجل يد العون لها لإنجاز هذه المهام. لا بأس. جميعنا كنساء نقع في هذا المطبّ. نعيه ولا نحرك ساكناً حياله. تبقى الأعمال المنزلية التي يؤديها الرجل في إطار المساعدة، وتبقى هذه المهام في صلب دورهن العضوي والطبيعي، كما يحلو للمجتمع تسميتها.

وفي حال خروج النساء إلى سوق العمل، غالباً ما تتم الاستعانة بامرأة أخرى، العاملة المنزلية والأجنبية في معظم الأحوال، للقيام بها.

بعد تفكيك شيفرة الأعمال المنزلية، نجد أنها تضم مروحة واسعة من المهام مثل الطبخ والجلي والتنظيف والغسيل والخياطة وتربية ورعاية الأطفال، والاهتمام بالمسنين/ات وغيرها. تتفاوت هذه بالطبع بحسب الإطار الثقافي الناظم لكل بلد أو منطقة. لكن ما تُجمع معظم الثقافات عليه، هو التأكيد على ربط هذه الأعمال بالنساء، طالما يتم تنفيذها داخل المنزل.

إحدى الدراسات البريطانية التي أعدتها جامعة "ألستر" هذا العام، قالت إن الأعمال المنزلية تستغرق نحو 21 ساعة أسبوعياً من وقت النساء العاملات. تُضاف هذه الساعات إلى 48 ساعة يقضينها في العمل مدفوع الأجر. يعني ذلك ببساطة أن النساء يعملن نحو 11 ساعة شبه متواصلة (على الأقل) في الـ24 ساعة. والسؤال الجدّي: لماذا لا يعتبر الرجل الأعمال المنزلية جزءاً من دوره الطبيعي؟ وما الذي يحول دون ممارسته له بشكل طبيعي من دون الخوف من سوط السيستم؟

قد نذهب أبعد من ذلك. فمروحة الأعمال المنزلية التي شرحناها أعلاه، إذا نقلت من الخاص أو المنزل إلى العام أو سوق العمل، تصبح عملاً عادياً وطبيعياً، يمكن للرجال ممارسته في وضح النهار وفي العلن. المشكلة ببساطة هي أن هذه الأعمال تصبح ذات قيمة أكبر، ومدفوعة، وذات مكانة أعلى، حين يتم تنفيذها في الحيز العام.

على سبيل المثال، نجد أنه ليس هناك أية مشكلة وجودية مع الشيف أنطوان الذي "يطبخ" ولديه برنامج على إحدى محطات التلفزة اللبنانية، أو إيلي صعب الذي "يخيّط"، أو صاحب المصبغة الرِّجل حين يغسل ويكوي. لا مشكلة أيضاً مع النادل حين يخدم أو ينظّف!
المساهمون