هناك، لدى كلّ واحدٍ منا، مسافة نعتاد قطعها مع مرور الوقت. إنها الوقت – المكان الذي نقضيه ونجتازه في الطريق إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة. ثمة من يعتقد أن هذه المسافة، وهي مادية ونفسية في آن واحد، حيّز حيادي، لا يتأثر بنا، ولا نتأثر به. حيّز عادي ومتكرر، ولا داعي لقول المزيد عنه، فماذا يمكن أن يُقال عن أمور تحدث كل يوم مثل اليوم الذي سبقه. هكذا هي استجاباتنا مع ما يغدو أليفاً جراء الاعتياد والتكرار. لكنني أحسب أن هذا الحيّز الحيادي ليس حيادياً أبداً. إننا نتحرك، أي نتمتع بحق التنقل وحرية الحركة عندما نجتاز الطريق كل يوم. غير أن حركتنا هذه وتنقلنا هذا ليسا دون مخاطر، فالتمتع بالسير من دون ضغوط وضجيج وخوف غدا أمراً من الماضي ربما، ويجدر بنا نسيانه. الآن هناك ما يدفعنا إلى الحذر وربما نشعر بالذعر أحياناً. فثمة سيارات كثيرة من حولنا، وهي تحت ضغط الحاجة والعمل وسرعة الأداء، تدفع بعضها بعضاً إلى التهوّر.
ما يحدث أثناء السير في الطريق، سواء مشياً على الأقدام أو من خلال ركوب سيارة، هو الذي لم يعد حيادياً رغم ادعائنا التآلف معه.
ثمة ما يهدّد الجسد ويهدّد النفس خلال المرور اليومي بهذا الحيّز. علاقتنا مع السير تتبدل تحت هكذا ظروف ومخاطر. إننا أشبه بمن يهرب أو يبحث عن ملاذ ، وما كنا نحسبه تمتعاً أو أحياناً تسكعاً إذا سمح لنا الوقت، لم يعد سهل المنال.
ما نعانيه أثناء المرور اليومي يترك أثراً غير ملاحظ في استجاباتنا النفسية والسلوكية، وهذا الأمر يتعدى تلك الدقائق القليلة أو الطويلة التي نقضيها خلال ذلك المرور. إننا كمن يبادل اللهاث باللهاث والفزع بالفزع، فما يفترض أن يكون آمناً وأليفاً تحول إلى خطر وشعور بالوحشة. الطابع السريع للخطر نفسه ربما يدفع بنا إلى حرمانه من هذه الصفة اللصيقة به التصاق أرواحنا بأنفاسنا. وبدل القول أهلاً بالطريق الجميلة الآمنة، صرنا نناجي أنفسنا داعين ألا يصيبنا مكروه، وخلال تلك المناجاة ربما نود أن نكون وحدنا، أن نخرج بعيداً عن الجموع اللاهثة والمفزعة التي تتشابه وتتحول مدفوعة بالخوف وحس التنافس الشره والحاجة إلى إتمام الأعمال "الأليفة" بسرعة موحشة وبغيضة.
طابع مبادلة هكذا مشاعر، رغم السكوت عنها وعدم التصريح بها علناً، وربما لهذا السبب الخفي بالذات، يجعلها أكثر عمقاً وأثراً، وربما تزيد من غليان الغضب وبرودة الخوف داخل مفاصلنا. والحال أننا نتحرك مكرهين وناقمين داخل أجسادنا الضيقة بسبب كتماننا الأمر، وتفضيلنا القول "إنها أمور عادية ويومية" على القول الآخر والأكثر قرباً منا: "متى نتخلص من هذه الحال المخجلة".
اقــرأ أيضاً
ما يحدث أثناء السير في الطريق، سواء مشياً على الأقدام أو من خلال ركوب سيارة، هو الذي لم يعد حيادياً رغم ادعائنا التآلف معه.
ثمة ما يهدّد الجسد ويهدّد النفس خلال المرور اليومي بهذا الحيّز. علاقتنا مع السير تتبدل تحت هكذا ظروف ومخاطر. إننا أشبه بمن يهرب أو يبحث عن ملاذ ، وما كنا نحسبه تمتعاً أو أحياناً تسكعاً إذا سمح لنا الوقت، لم يعد سهل المنال.
ما نعانيه أثناء المرور اليومي يترك أثراً غير ملاحظ في استجاباتنا النفسية والسلوكية، وهذا الأمر يتعدى تلك الدقائق القليلة أو الطويلة التي نقضيها خلال ذلك المرور. إننا كمن يبادل اللهاث باللهاث والفزع بالفزع، فما يفترض أن يكون آمناً وأليفاً تحول إلى خطر وشعور بالوحشة. الطابع السريع للخطر نفسه ربما يدفع بنا إلى حرمانه من هذه الصفة اللصيقة به التصاق أرواحنا بأنفاسنا. وبدل القول أهلاً بالطريق الجميلة الآمنة، صرنا نناجي أنفسنا داعين ألا يصيبنا مكروه، وخلال تلك المناجاة ربما نود أن نكون وحدنا، أن نخرج بعيداً عن الجموع اللاهثة والمفزعة التي تتشابه وتتحول مدفوعة بالخوف وحس التنافس الشره والحاجة إلى إتمام الأعمال "الأليفة" بسرعة موحشة وبغيضة.
طابع مبادلة هكذا مشاعر، رغم السكوت عنها وعدم التصريح بها علناً، وربما لهذا السبب الخفي بالذات، يجعلها أكثر عمقاً وأثراً، وربما تزيد من غليان الغضب وبرودة الخوف داخل مفاصلنا. والحال أننا نتحرك مكرهين وناقمين داخل أجسادنا الضيقة بسبب كتماننا الأمر، وتفضيلنا القول "إنها أمور عادية ويومية" على القول الآخر والأكثر قرباً منا: "متى نتخلص من هذه الحال المخجلة".