لندخل سوق المفاوضات

22 يوليو 2015
+ الخط -
الآن، وقد أصبح التطبيع الغربي الإيراني أسود فوق أبيض، حروفا فوق ورقة اتفاق كتب على مدار 20 شهراً من المفاوضات الشاقة، وانتهى إلى وثيقة فيينا التي، بموجبها، أجلت إيران أحلامها النووية عشر سنوات، وحصلت، في المقابل، على اعتراف دولي بمكانتها الإقليمية، وبرفع كلي للعقوبات على اقتصادها. ماذا على العرب أن يفعلوا؟ الوقوف طويلا في سرادق للعزاء والبكاء مع إسرائيل واليمين الأميركي المعارض للخيار الدبلوماسي للرئيس باراك أوباما ليس سياسة ولا استراتيجية. هو رد فعل عاطفي لن يغير من حقائق القوة على الأرض شيئاً. 
الحل جعل اتفاق فيينا وسيلة ضغط على إيران لتغيير سياساتها في المنطقة العربية، وليس حبل نجاة من أزمتها الاقتصادية، ومورداً مالياً لتمويل سياستها القديمة في الجوار الإقليمي الهش، على العرب أن يتفاوضوا مع إيران على الجزء الثاني من اتفاقية فيينا، أقصد الجزء السياسي المتعلق بدعمها العسكري والمالي لطاغية دمشق وتدخلها الطائفي في العراق وتحريض المليشيات الحوثية على الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني في اليمن، وخيارات تسييس الأقليات الشيعية العربية، وجعلها مخلباً إيرانيا يهدد سلامة أوطانها.
الغرب سيفتح المفاوضات مع إيران حول مستقبل بشار الأسد في سورية، ومستقبل الحرب اليمنية، ومستقبل الحرب على داعش وموقع حزب الله في لبنان، وكل القضايا العالقة بين القوى الكبرى وطهران. إنها الملاحق غير المرئية للاتفاق، وإيران لا ترفض هذا الأمر من حيث المبدأ، حتى وإن كان الحرس الثوري والمتشددون في المؤسسة الدينية يقولون عكس ذلك، لكن أميركا لن تدافع عن مصالح العرب طوعياً، ولن تنوب عنهم في غيبتهم، لا بد للعرب، وللخليجيين خصوصاً أن يجلسوا مع الإيرانيين على طاولة مفاوضات واحدة، وأن يتفقوا على تعريفٍ لأمنهم القومي اتجاه إيران وإسرائيل وأميركا وروسيا وأوروبا وتركيا. يكفي أن العرب أبعدوا عن المفاوضات في فيينا، وحضرتها ألمانيا والدول الخمس في مجلس الأمن، فيما غاب المعنيون الرئيسيون بالسلوك الإيراني في المنطقة، أي العرب.
في سنة واحدة، أصيبت الخارطة الجيوسياسية بزلزالين قويين. الأول بروز داعش التي استولت على مساحة في العراق وسورية تعادل مساحة بريطانيا، وها هي باقية وتتوسع، على الرغم من الضربات الجوية للتحالف الدولي، وعلى الرغم من الأسلحة والأموال الكبيرة التي وضعت تحت تصرف الحشد الشعبي الذي يزيد من صب الزيت فوق النار، من خلال حربه ضد داعش تحت أعلام طائفية.
والزلزال الثاني الذي ضرب المنطقة هو الاتفاق الإيراني الأميركي، وهو صفقة ساسية مكتوبة بلغة تقنية. لهذا، لا ينبغي الوقوف طويلاً عند البنود التقنية للمشروع النووي، وإغفال الرهانات السياسية الكامنة وراءه. الرهان الأهم وراء اتفاق فيينا هو القبول بإيران قوة إقليمية، والتعامل معها على هذا الأساس، والباقي سيتكلف به التاجر الإيراني الخبير في سياسة البازار القائمة على المقايضة. على السعودية أن تقود مبادرة سلام وأمان واحترام متبادل مع إيران، مادام الوقت مناسباً، وما دام العرب يتوفرون على بعض أوراق الضغط على ملالي طهران، ومن هذه الأوراق سعر برميل النفط الذي فقد نصف قيمته، وهو يفقد الخزانة الإيرانية المليارات، والحرب في اليمن التي تغطي على طهران معنوياً وسياسياً، والثورة في سورية، حيث بدا الأسد يترنح، وعدم قبول سنة العراق بالهيمنة الطائفية للمليشيات المدعومة من إيران. كلها أوراق صالحة للضغط، من أجل توقيع الجزء الثاني من اتفاق فيينا المكتوب بالعربي هذه المرة.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.