10 نوفمبر 2024
لماذا ينخدع "الإخوان"؟
بعد إغلاق الحكومة الأردنية مقرّ جماعة الإخوان المسلمين بالشمع الأحمر، قبل أيامٍ، كتب المسؤول السابق لقسم الشباب في حزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الإخوان السياسية)، غيث القضاة، على صفحته في "فيسبوك"، عن لقاءٍ جرى بينه وبين المراقب العام للجماعة، همام سعيد، قبل عام، حول ما كتبه حينها عن توقعه ما حدث:
"... سألني هل ما كتبته معلومات أم توقعات؟ فأجبته بأنها توقعات تقوم على معطياتٍ وقراءةٍ سياسيةٍ منطقيةٍ للواقع، بحسب خبرتي المتواضعة، وأخبرته أن الدولة، باعتقادي، قد قرّرت أن تقلب ظهر المجن للإخوان، فعليكم أن تحذروا، وأن تفكروا بطريقة مختلفة، فأجابني بأنه اطمئن، لأنه جلس قبل يومين مع رئيس الوزراء، وأخبرهم، حينها، أن جماعة الإخوان لن يتم المساس بها إطلاقا. فقلت له هذا رأي سياسي من الرئيس، ولكنك لم تحلل الرأي الأمني، بناء على ما يحصل وحصل حولنا، وينبغي مراجعة العقلية التي نفكر بها، فأخبرني بأنه مطمئن جداً، وهو مرتاح بعد لقاء رئيس الوزراء. وشدّد علي عند المغادرة أﻻ أكتب إﻻ مدافعاً فقط".
الطريف أنّ الراوي، وهو من شباب "الإخوان المسلمين"، أدرك بقراءة سياسية منطقية "النوايا الحكومية". والأكثر طرافة أنّ كاتب هذه السطور التقى مرات عدة، قبل شهور، بقيادات نافذة من الجناح الذي يقود الجماعة حالياً، لاستشارته في التعامل مع السياسات الحكومية وترخيص جمعية جديدة باسم الجماعة، فأخبرتهم أنّ الدولة عازمة على إنهاء وجودهم القانوني، وعليهم التركيز على حزب جبهة العمل الإسلامي، والتفكير في تحويل هذه الأزمة إلى فرصةٍ تاريخيةٍ لفك الدعوي عن السياسي، والانتقال إلى العمل السياسي المحترف، والخروج من إشكالية العلنية والسرية في العمل العام، فلم تعد صالحةً للمرحلة الحالية، أسوة بإسلاميي تونس والمغرب.
كان جواب قادة "الإخوان"، حينها، أنّهم سمعوا كلاماً مغايراً من رئيس الوزراء، عبد الله النسور، كما أنّ رئيس مجلس النواب دعاهم للقائه، وهنالك سياسيون مقربون من مطبخ القرار طمأنوهم، فأجبتهم أنّ وزراء مقربين من الرئيس أكدوا أنّ ما خرجوا به ليس صحيحاً، وأنّه مجرد كلام ناعم من الرئيس، وأنّ كل ما يتحدثون عنه من وعود مجرد "تغميس خارج الصحن"، فمن يدير الملف طرف آخر.
زبدة الموضوع أنّ القيادات المحافظة طاشت على شبر ماء، وانخدعت بكلامٍ لا قيمة له من مسؤولين، وأخذتها العزّة بنرجسية التنظيم، فهي، أولاً، خُدعت من كلام مسؤولين وتصرفاتهم، بقصد أو من دونه، بسذاجةٍ غريبة، وثانياً لم تمتلك الحدّ الأدنى من الإدراك السياسي المطلوب للتنبه إلى "الفخ" المنصوب.
ليست هذه الحال أردنية فقط، إذ أخبرني سياسي أردني عريق، له صلاته المهمة بالنخبة السياسية المصرية، أنّه سمع سيناريو إطاحة محمد مرسي قبل أشهر من وقوعه، فاجتمع بقيادات الإخوان في الأردن، وأسرّ لهم بضرورة مناصحة أشقائهم الإخوان المصريين، ثم عندما سألهم بعد أسابيع، أجابوه بأنّهم تواصلوا معهم، وأخبروهم، والجواب أنّ الإخوان المصريين مطمئنون تماماً لموقف الجيش منهم.
كما حدث في الأردن، لم يقرأ قادة "الإخوان" المصريين المشهد جيداً، فانخدعوا بكلامٍ معسولٍ بسهولة غريبة، كما انخدعوا بالغزل الأميركي والأوروبي لهم حينها، أي أنّهم يعانون من قصور شديد في القراءة السياسية تسهّل خديعتهم.
ذلك، بالمناسبة، لا ينطبق على جميع "الإخوان"، فهنالك نخب إخوانية إصلاحية وبراغماتية، في مصر والأردن، كانت تدرك شروط المعادلات المحلية والإقليمية والدولية، لكنّها هُمّشت من التيارات المحافظة التي قادت الجماعة في المرحلة الماضية، بينما في تونس والمغرب التي قادتها النخب البراغماتية، استطاعت تجنب الفخاخ التي نصبت في طريقها، وفي تركيا التي يقودها حزبٌ في أقصى البراغماتية قلب الطاولة على خصومه.
طالما أنّ موازين القوى الحقيقية ليست بيد الإسلاميين، وطالما أنّ العنف ليس خياراً لهم، فالمفترض أن تستند الخيارات المطروحة إلى قراءة سياسية محترفة وواقعية شديدة، وهذا ما لا يمتلكه محافظو "الإخوان"، ولا تيار عريض في الجماعة يدخل إلى السياسة من باب الدعوة.
"... سألني هل ما كتبته معلومات أم توقعات؟ فأجبته بأنها توقعات تقوم على معطياتٍ وقراءةٍ سياسيةٍ منطقيةٍ للواقع، بحسب خبرتي المتواضعة، وأخبرته أن الدولة، باعتقادي، قد قرّرت أن تقلب ظهر المجن للإخوان، فعليكم أن تحذروا، وأن تفكروا بطريقة مختلفة، فأجابني بأنه اطمئن، لأنه جلس قبل يومين مع رئيس الوزراء، وأخبرهم، حينها، أن جماعة الإخوان لن يتم المساس بها إطلاقا. فقلت له هذا رأي سياسي من الرئيس، ولكنك لم تحلل الرأي الأمني، بناء على ما يحصل وحصل حولنا، وينبغي مراجعة العقلية التي نفكر بها، فأخبرني بأنه مطمئن جداً، وهو مرتاح بعد لقاء رئيس الوزراء. وشدّد علي عند المغادرة أﻻ أكتب إﻻ مدافعاً فقط".
الطريف أنّ الراوي، وهو من شباب "الإخوان المسلمين"، أدرك بقراءة سياسية منطقية "النوايا الحكومية". والأكثر طرافة أنّ كاتب هذه السطور التقى مرات عدة، قبل شهور، بقيادات نافذة من الجناح الذي يقود الجماعة حالياً، لاستشارته في التعامل مع السياسات الحكومية وترخيص جمعية جديدة باسم الجماعة، فأخبرتهم أنّ الدولة عازمة على إنهاء وجودهم القانوني، وعليهم التركيز على حزب جبهة العمل الإسلامي، والتفكير في تحويل هذه الأزمة إلى فرصةٍ تاريخيةٍ لفك الدعوي عن السياسي، والانتقال إلى العمل السياسي المحترف، والخروج من إشكالية العلنية والسرية في العمل العام، فلم تعد صالحةً للمرحلة الحالية، أسوة بإسلاميي تونس والمغرب.
كان جواب قادة "الإخوان"، حينها، أنّهم سمعوا كلاماً مغايراً من رئيس الوزراء، عبد الله النسور، كما أنّ رئيس مجلس النواب دعاهم للقائه، وهنالك سياسيون مقربون من مطبخ القرار طمأنوهم، فأجبتهم أنّ وزراء مقربين من الرئيس أكدوا أنّ ما خرجوا به ليس صحيحاً، وأنّه مجرد كلام ناعم من الرئيس، وأنّ كل ما يتحدثون عنه من وعود مجرد "تغميس خارج الصحن"، فمن يدير الملف طرف آخر.
زبدة الموضوع أنّ القيادات المحافظة طاشت على شبر ماء، وانخدعت بكلامٍ لا قيمة له من مسؤولين، وأخذتها العزّة بنرجسية التنظيم، فهي، أولاً، خُدعت من كلام مسؤولين وتصرفاتهم، بقصد أو من دونه، بسذاجةٍ غريبة، وثانياً لم تمتلك الحدّ الأدنى من الإدراك السياسي المطلوب للتنبه إلى "الفخ" المنصوب.
ليست هذه الحال أردنية فقط، إذ أخبرني سياسي أردني عريق، له صلاته المهمة بالنخبة السياسية المصرية، أنّه سمع سيناريو إطاحة محمد مرسي قبل أشهر من وقوعه، فاجتمع بقيادات الإخوان في الأردن، وأسرّ لهم بضرورة مناصحة أشقائهم الإخوان المصريين، ثم عندما سألهم بعد أسابيع، أجابوه بأنّهم تواصلوا معهم، وأخبروهم، والجواب أنّ الإخوان المصريين مطمئنون تماماً لموقف الجيش منهم.
كما حدث في الأردن، لم يقرأ قادة "الإخوان" المصريين المشهد جيداً، فانخدعوا بكلامٍ معسولٍ بسهولة غريبة، كما انخدعوا بالغزل الأميركي والأوروبي لهم حينها، أي أنّهم يعانون من قصور شديد في القراءة السياسية تسهّل خديعتهم.
ذلك، بالمناسبة، لا ينطبق على جميع "الإخوان"، فهنالك نخب إخوانية إصلاحية وبراغماتية، في مصر والأردن، كانت تدرك شروط المعادلات المحلية والإقليمية والدولية، لكنّها هُمّشت من التيارات المحافظة التي قادت الجماعة في المرحلة الماضية، بينما في تونس والمغرب التي قادتها النخب البراغماتية، استطاعت تجنب الفخاخ التي نصبت في طريقها، وفي تركيا التي يقودها حزبٌ في أقصى البراغماتية قلب الطاولة على خصومه.
طالما أنّ موازين القوى الحقيقية ليست بيد الإسلاميين، وطالما أنّ العنف ليس خياراً لهم، فالمفترض أن تستند الخيارات المطروحة إلى قراءة سياسية محترفة وواقعية شديدة، وهذا ما لا يمتلكه محافظو "الإخوان"، ولا تيار عريض في الجماعة يدخل إلى السياسة من باب الدعوة.