28 مارس 2021
لماذا لن تتوقف أزمة اللجوء إلى أوروبا؟
تحاول الطبقة السياسية الحاكمة في أوروبا، بمختلف أطيافها، بشكل مباشر، أو مواربة، تجريع ناخبيها في بلدانها معادلةً أحادية الاتجاه، تستند إلى أن الخطوة الأولى في وقف طوفان اللاجئين القادمين إلى أوروبا هو تسوية اعتباطية للكارثة السورية، تقوم على لفلفتها، وفق الأجندة الروسية أساساً، أو كيفما اتفق، بإعادة عقارب التاريخ سنوات خمسا إلى الوراء، بإعادة الاعتبار السياسي لنظام بشار الأسد، سواء به أو بدونه، رأساً لهذا النظام. وتلك المعادلة كفيلة، بحسب زاعميها، بإعادة المقهورين السوريين إلى حظيرة القمع التاريخي، القادر وحده على إرغامهم على الموت في وطنهم، من دون تمكنهم من الخروج منه في قوارب الموت في مقامرةٍ، تحتمل كارثة الموت السرمدي، بديلاً عن الموت، مع وقف التنفيذ المعاش يومياً، سعياً إلى الوصول إلى شواطئ أوروبا، وحلماً بحياة طبيعية لهم ولأطفالهم.
ويحق للمتابع المدقق أن يفند، منهجياً، عوار تلك الأطروحة السياسية الانتهازية، والقافزة فوق شروط الواقع العياني المشخص إقليمياً ودولياً، لأسباب متداخلة ومتفاعلة فيما بينها أهمها:
أولاً: إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، سواء به، أو بدونه رأساً للنظام، عملية سوف تقود عملياً إلى إفراغ الوطن السوري من كوادره من الذكور جميعاً ممن تحت سن 45 عاماً ممن يطلبون عادة للخدمة الاحتياطية في جيش النظام، بغض النظر عن معارضتهم المعنوية، أو الملموسة للنظام، أو غير ذلك، وهو ما يجري فعلياً بشكل يومي في مدينة دمشق التي لم تشارك فعلياً في انتفاضة الشعب السوري، ويهدّد بإرغام الملايين من أبناء الطبقات الوسطى في مدينة دمشق عن التوقف عن استخدام مدخراتهم في رشوة أجهزة النظام القمعية، لغض النظر عنهم إلى حين، واستخدامها في تغطية نفقات تغريبة اللجوء إلى أوروبا. وعلى المقلب الآخر، يمثل التفكر بإمكانية تمكّن نظام بشار الأسد من السيطرة بالشكل الذي اعتاد عليه أمنياً وعسكرياً على المناطق السورية التي انتفضت عليه، بيضة القبان التي سوف ترجح كفة خيار الرحيل عبر قوارب الموت، أو غيرها، لكل من لم يغادر الوطن السوري الهشيم، لمعرفة السوريين جميعهم بالنية الثأرية الانتقامية والفاشية في آن معاً للنظام السوري، وآلياته الداخلية والتنفيذية التي خبرها الشعب السوري، خلال عقود طويلة من القهر في سني الثورة الأخيرة، وما قبلها من تنكيل لم يبارح ذاكرة الشعب السوري المظلوم.
ثانياً: إن تدقيقاً منهجياً يتجاوز ضبابية التغطية الإعلامية المتعمدة للمأساة السورية، وصنوها المتمثل في تراجيديا قوافل اللاجئين إلى أوروبا، بالاستناد إلى الدراسات الإحصائية لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، ترشح عنه حقيقة مفادها غوغائية، وشعبوية الطرح السياسي المشار إليه أعلاه؛ حيث أن تلك الإحصائيات توضح، بشكل صريح لا يقبل الالتباس، أن نسبة السوريين من العدد الكلي للاجئين إلى أوروبا لم تمثل في أي من الأشهر المنصرمة من عمر جلجلة الثورة السورية أكثر من نصف أعداد اللاجئين إلى أوروبا، وهي في المتوسط حوالي 41% فقط من الأعداد الكلية لأولئك اللاجئين، وأن نسبة تقارب النصف منهم تأتي من العراق وأفغانستان. وهو ما يعيدنا إلى مفاعيل الحروب المستمرة التي لم تنقطع في العالمين العربي والإسلامي، منذ إعلان جورج بوش الابن عقب أحداث "11 سبتمبر" 2011، أن
"الولايات المتحدة تحتاج إلى ركل مؤخرةٍ ما"، وهو ما عنى، في القاموس السياسي والعسكري الأميركي، إدخال العالمين العربي والإسلامي في أتون الحروب الأميركية التي لا تنقطع، والتي كان عمادها الأول، في عهد بوش الابن، منهجية الأرض المحروقة، وتهشيم المجتمع والإنسان، ورمي كل من يواجه الغول الأميركي في غياهب المعتقلات المدارة أميركياً، أو بأيادي وكلائها المحليين، كما في سجني أبو غريب والتاجي العراقيين. ولا يُنسى أن الأخير كان مختبر تصنيع القيادات الداعشية المحورية التي رصفت اللبنات الأولى في تخليق ذلك التنظيم السرطاني، قبل هروبهم على طريقة أفلام هوليود منه في يوليو/تموز 2013. وهي منهجية الحرب الأميركية السرمدية نفسها ضد كل من لم يسر في ركابها، والتي توحشت في عهد أوباما لتصبح أقل جعجعة، وأكثر إيلاماً، بالاستغناء عن الحاجة إلى المعتقلات، حيث تقوم الطائرات من دون طيار بواجب القتل لمن كان يتوجب اعتقاله في عهد بوش الابن، بغض النظر عمّن قد يُقتل بالخطأ كأضرارٍ جانبيةٍ، لا مفرّ منها، حسب توصيف السّاسة الأميركان، على الرغم ممّا يعني ذلك من خوف مقيم لدى كل من يعيش تحت خيمة طائرات الموت، سوف يدفعه عفوياً إلى التفكر بأن قوارب الموت هي الخيار الأكثر واقعية، وهو ما يحدث فعلياً ويومياً في كل الدول التي يمثل مواطنوها أكثر من 50% من اللاجئين إلى أوروبا، حسب مفوضية الأمم المتحدة.
ثالثاً: تغوّل الشركات الغربية العابرة للقارات، وخضوع حكومات دولها إلى سطوتها الكليانية، إلى حد تمنع شركات كثيرة منها عن دفع الحد الأدنى من الضرائب المستحقة عن أرباحها، بالاستناد إلى تلفيقات قانونية بهلوانية، للضحك بها على الرأي العام. وهي سطوة تصل إلى حد قيام تلك الشركات من خلال من صنَّعتهم بتمويلها، السري أو العلني، للوصول إلى مراتب السلطتين، التنفيذية والتشريعية، في العالم الغربي، برسم دور دولها والجيوش التابعة لها في تفكيك كل البنى الاجتماعية، والقانونية، والاقتصادية، في دول العالم الثالث القادرة على القيام بدورها الطبيعي في التنمية وحماية الاقتصاد الوطني، واستبدالها بطغم فاسدة، عسكرية كانت، أو ليبرالية كمبرادورية، لتسهل لتلك الشركات عمليات النهب المنظم لثروات الدول النامية، من دون رقيب أو حسيب، في عقود استثمارية خُلَّبية، لا تقدم فعلياً لأبناء الدول النامية سوى التلوث البيئي، والعمل في شروطٍ تكاد أن تكون العبودية نفسها، وبعوائد أقرب ما تكون إلى الصفر المكعب، مترافقة مع إعفاءات ضريبية شبه مطلقة، تحت يافطة تشجيع الاستثمار. وإذا أضفنا إلى ذلك الواقع اشتراط دوام الحروب المستمرة التي احتفت بها كبرى شركات إنتاج السلاح العالمية، في مؤتمرها الذي لم يتم تغطيته إعلامياً في (ويست بالم بيتش) في مؤتمر (كرديت سويس) في ديسمبر/ كانون أول المنصرم، والذي أشار أحد أقطابه إلى "الفوائد غير المباشرة" من الحروب في "سورية ومنطقة الشرق الأوسط"، ومن "التصعيد العسكري بين تركيا وروسيا"، والذي أدى، بشكل طبيعي، إلى زيادة الطلب في"مسارح تلك النزاعات" على منتجات شركات السلاح الكبرى المشاركة في المؤتمر!
وإذا أضفنا إلى ذلك الثالوث الجهنمي واقع التغير المناخي الذي سوف يؤدي إلى شح متسارع في موارد المياه العذبة على المستوى الكوني، وإلى تفاقم مهول في زحف التصحر على الأراضي الزراعية، بما يعني، في مجمله، سقوط الملايين من مفقري العالم، وأولهم المكلومون في العالمين العربي والإسلامي، سقوطاً حراً إلى خيار اللجوء إلى قوارب الموت المتجهة صوب القارة البيضاء، التي ما زال سياسيوها يحاولون التلطي خلف دخان ماكينات الدعاية السياسية، وتقنيات غسل الأدمغة إعلامياً، والهروب إلى الأمام بمحاولة إيهام شعوبها بأن أُس مأساة اللاجئين المتقاطرين، أحياءً أو غرقى، على شطآنهم هو الشعب السوري الذي يرفض العودة بعقارب الساعة التاريخية إلى الوراء.
ويحق للمتابع المدقق أن يفند، منهجياً، عوار تلك الأطروحة السياسية الانتهازية، والقافزة فوق شروط الواقع العياني المشخص إقليمياً ودولياً، لأسباب متداخلة ومتفاعلة فيما بينها أهمها:
أولاً: إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، سواء به، أو بدونه رأساً للنظام، عملية سوف تقود عملياً إلى إفراغ الوطن السوري من كوادره من الذكور جميعاً ممن تحت سن 45 عاماً ممن يطلبون عادة للخدمة الاحتياطية في جيش النظام، بغض النظر عن معارضتهم المعنوية، أو الملموسة للنظام، أو غير ذلك، وهو ما يجري فعلياً بشكل يومي في مدينة دمشق التي لم تشارك فعلياً في انتفاضة الشعب السوري، ويهدّد بإرغام الملايين من أبناء الطبقات الوسطى في مدينة دمشق عن التوقف عن استخدام مدخراتهم في رشوة أجهزة النظام القمعية، لغض النظر عنهم إلى حين، واستخدامها في تغطية نفقات تغريبة اللجوء إلى أوروبا. وعلى المقلب الآخر، يمثل التفكر بإمكانية تمكّن نظام بشار الأسد من السيطرة بالشكل الذي اعتاد عليه أمنياً وعسكرياً على المناطق السورية التي انتفضت عليه، بيضة القبان التي سوف ترجح كفة خيار الرحيل عبر قوارب الموت، أو غيرها، لكل من لم يغادر الوطن السوري الهشيم، لمعرفة السوريين جميعهم بالنية الثأرية الانتقامية والفاشية في آن معاً للنظام السوري، وآلياته الداخلية والتنفيذية التي خبرها الشعب السوري، خلال عقود طويلة من القهر في سني الثورة الأخيرة، وما قبلها من تنكيل لم يبارح ذاكرة الشعب السوري المظلوم.
ثانياً: إن تدقيقاً منهجياً يتجاوز ضبابية التغطية الإعلامية المتعمدة للمأساة السورية، وصنوها المتمثل في تراجيديا قوافل اللاجئين إلى أوروبا، بالاستناد إلى الدراسات الإحصائية لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، ترشح عنه حقيقة مفادها غوغائية، وشعبوية الطرح السياسي المشار إليه أعلاه؛ حيث أن تلك الإحصائيات توضح، بشكل صريح لا يقبل الالتباس، أن نسبة السوريين من العدد الكلي للاجئين إلى أوروبا لم تمثل في أي من الأشهر المنصرمة من عمر جلجلة الثورة السورية أكثر من نصف أعداد اللاجئين إلى أوروبا، وهي في المتوسط حوالي 41% فقط من الأعداد الكلية لأولئك اللاجئين، وأن نسبة تقارب النصف منهم تأتي من العراق وأفغانستان. وهو ما يعيدنا إلى مفاعيل الحروب المستمرة التي لم تنقطع في العالمين العربي والإسلامي، منذ إعلان جورج بوش الابن عقب أحداث "11 سبتمبر" 2011، أن
ثالثاً: تغوّل الشركات الغربية العابرة للقارات، وخضوع حكومات دولها إلى سطوتها الكليانية، إلى حد تمنع شركات كثيرة منها عن دفع الحد الأدنى من الضرائب المستحقة عن أرباحها، بالاستناد إلى تلفيقات قانونية بهلوانية، للضحك بها على الرأي العام. وهي سطوة تصل إلى حد قيام تلك الشركات من خلال من صنَّعتهم بتمويلها، السري أو العلني، للوصول إلى مراتب السلطتين، التنفيذية والتشريعية، في العالم الغربي، برسم دور دولها والجيوش التابعة لها في تفكيك كل البنى الاجتماعية، والقانونية، والاقتصادية، في دول العالم الثالث القادرة على القيام بدورها الطبيعي في التنمية وحماية الاقتصاد الوطني، واستبدالها بطغم فاسدة، عسكرية كانت، أو ليبرالية كمبرادورية، لتسهل لتلك الشركات عمليات النهب المنظم لثروات الدول النامية، من دون رقيب أو حسيب، في عقود استثمارية خُلَّبية، لا تقدم فعلياً لأبناء الدول النامية سوى التلوث البيئي، والعمل في شروطٍ تكاد أن تكون العبودية نفسها، وبعوائد أقرب ما تكون إلى الصفر المكعب، مترافقة مع إعفاءات ضريبية شبه مطلقة، تحت يافطة تشجيع الاستثمار. وإذا أضفنا إلى ذلك الواقع اشتراط دوام الحروب المستمرة التي احتفت بها كبرى شركات إنتاج السلاح العالمية، في مؤتمرها الذي لم يتم تغطيته إعلامياً في (ويست بالم بيتش) في مؤتمر (كرديت سويس) في ديسمبر/ كانون أول المنصرم، والذي أشار أحد أقطابه إلى "الفوائد غير المباشرة" من الحروب في "سورية ومنطقة الشرق الأوسط"، ومن "التصعيد العسكري بين تركيا وروسيا"، والذي أدى، بشكل طبيعي، إلى زيادة الطلب في"مسارح تلك النزاعات" على منتجات شركات السلاح الكبرى المشاركة في المؤتمر!
وإذا أضفنا إلى ذلك الثالوث الجهنمي واقع التغير المناخي الذي سوف يؤدي إلى شح متسارع في موارد المياه العذبة على المستوى الكوني، وإلى تفاقم مهول في زحف التصحر على الأراضي الزراعية، بما يعني، في مجمله، سقوط الملايين من مفقري العالم، وأولهم المكلومون في العالمين العربي والإسلامي، سقوطاً حراً إلى خيار اللجوء إلى قوارب الموت المتجهة صوب القارة البيضاء، التي ما زال سياسيوها يحاولون التلطي خلف دخان ماكينات الدعاية السياسية، وتقنيات غسل الأدمغة إعلامياً، والهروب إلى الأمام بمحاولة إيهام شعوبها بأن أُس مأساة اللاجئين المتقاطرين، أحياءً أو غرقى، على شطآنهم هو الشعب السوري الذي يرفض العودة بعقارب الساعة التاريخية إلى الوراء.