لماذا لم تترجَم آسيا جبار إلى العربية؟

07 فبراير 2016
(جبّار في بورتريه لـ سعد بن خليف)
+ الخط -

ليس من باب التكرار التذكيرُ بأن الكاتبة الجزائرية، آسيا جبّار (1936 - 2015)، التي مرَّ، أمس، عامٌ على رحيلها، هي أوّل كاتب مغاربي وعربي يدخل إلى "الأكاديمية الفرنسية"، وثاني أفريقي بعد الشاعر السينغالي ليوبول سيدار سنغور (1906 - 2001). إنّما نُذكّر بذلك بغية النظر إلى الجهة الأخرى؛ حيثُ لم يُلتفت إلى أعمالها، رغم ما حقّقته من تقدير في غير ما بلد، وبغير ما لغة.

تركت فاطمة الزهراء إملحاين (اسمها الحقيقي) العشرات من الأعمال الأدبية في الرواية والقصّة والشعر، إلى جانب الدراسات التاريخية؛ بدءاً بأولى رواياتها؛ "العطش (1957)، وصولاً إلى روايتها الأخيرة "لا مكان في بيت أبي" (2007)، وهي الأعمال التي تُرجم كثير منها إلى نحو عشرين لغة. في المقابل، كان يجب انتظار قرابة ستّة عقود لتخرج أوّل ترجمة لأحد أعمالها إلى اللغة العربية، ويتعلّق الأمر بروايتها الأخيرة التي نقلها المترجم الجزائري محمد يحياتن (1953 - 2012) إلى العربية.

يبقى السؤال الذي يُطرح بإلحاح: هل أسلوب ولغة الكتابة لدى جبّار، الصعب، هو الذي حال دون ترجمة أعمالها إلى العربية؟ أم هي رغبة خاصّة من الكاتبة نفسها، أملتها اعتبارات معيّنة، في أن لا تصل إلى العربية بصورة أفضل، أو خشية أن يُسيء قرّاء العربية فهمها، كما صرّح بعض الناشرين الجزائريين؟

هل أدّى "الاعتراف العالمي"، والفرنسي تحديداً من خلال انتخابها عضواً في الأكاديمية الفرنسية، إلى نوع من سوء الفهم والتوجّس اللذين أفرزا مواقف مشكّكة عند بعضهم في هوية الكاتبة والتزامها تجاه قضايا وطنها ولغتها الأم؟

ربّما كان موقف هؤلاء سيتغيّر لو قرأوا نصّ كلمتها التي ألقتها، في حفل انتخابها عام 2006، أمام نخبة من الأكاديميين والكتّاب الفرنسيين؛ حين راحت تسرد أبعاد وامتدادات الثقافة والتاريخ الجزائريَّين، عن محاولات الاستعمار طمس الشخصية الجزائرية في بعدها العربي والأمازيغي، وعن "اللغة العربية التي واكبت انتشار اللغة اللاتينية واليونانية في الغرب، إلى نهاية القرون الوسطى".

في تلك الكلمة، دافعت جبّار عن الحضارة العربية الإسلامية التي أنتجت العلوم والمعارف؛ قائلةً: "بعد سنة 711، وحتى سقوط غرناطة عام 1492، أنتجت الأندلس روائع الكتب، الرحّالة ابن بطوطة المولود في طنجة، ابن رشد الذي استند إلى فلسفة أرسطو في ردّه على الغزالي، وأخيرا أعظم صوفي في تاريخ الشرق: ابن عربي الذي انتقل من بجاية إلى تونس، وسرعان ما عاد إلى قرطبة ثم إلى فاس".

أضافت: "كانت اللغة العربية أيضاً، لغة العلوم والمعرفة: الطب والفلك والرياضيات.. وهكذا، حدث شيء جديد في لغة الآخر. العرب أدخلوا الأمازيغ إلى الإسلام ليفتحوا معاً إسبانيا. باللغة العربية سيكتب ويبدع أجدادي الأفارقة، آخرهم وجه من وجوه الحداثة؛ ابن خلدون، المولود في تونس، والذي كتب تاريخ البربر في الجزائر، في منتصف القرن الرابع عشر، رحل عام 1406 في الشرق، تماماً مثل ابن عربي، منذ ما يقرب قرنين من الزمن. بالنسبة إلى هذين العبقريين: الصوفي الأندلسي، ومؤسّس علم الاجتماع، فقد حوّلتهما لغة الكتابة إلى مواطنَين من العالم، فضّلا منفى الأرض، بدل منفى الكتابة".

اليوم، تستعدّ وزارة الثقافة الجزائرية لبرمجة مشروع ترجمة أعمال الكاتبة إلى اللغة العربية، بعد أن كانت قد أطلقت جائزة أدبية باسمها تُمنح للروايات المكتوبة بالعربية والأمازيغية والفرنسية. وقبل ذلك، أُقيمت العديد من الندوات حول مسيرتها وأعمالها، بعد رحيلها. بعد رحيلها فقط، جرى الالتفات إليها والاحتفاء بها، وهي التي غُيّبت عن المشهد الأدبي الجزائري، منذ هجرتها إلى فرنسا مرغمةً، مطلع الثمانينيات.

ما يُحسب لآسيا جبّار، مقارنةً بكثير من كتّاب الجزائر والمغرب العربي في الضفّة الشمالية من المتوسّط، هو اشتغالها المستمرّ بعيداً عن الصخب والضجيج. لطالما فضّلت أن تكون ضمن أولئك، الذين لا يتحدّثون كثيراً، ولا يسعون إلى الأضواء. مواقفها وكتاباتها هي فقط الكفيلة بالتحدّث عنها، وهي الناطقة الرسمية باسم صمتها، ورؤيتها الاستشرافية لمستقبل الأشياء.



اقرأ أيضاً: آسيا جبار.. ولسانها الجريح

المساهمون