12 نوفمبر 2024
لماذا قرّر نتنياهو حل الكنيست وإعادة الانتخابات؟
بعد نحو شهرين من إجراء انتخابات عامة في 9 نيسان/ أبريل 2019، قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، حل الكنسيت، والدعوة إلى انتخابات جديدة في أيلول/ سبتمبر 2019، بعد أن فشل، خلافًا لكل التوقعات، في تشكيل حكومة ائتلافية من معسكر اليمين الذي حصل على 65 مقعدًا من مجموع مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، منها 35 مقعدًا لحزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، وذلك بسبب التناقضات داخل هذا المعسكر. ولم تؤدِّ القضية الفلسطينية، وأي من قضايا السياسة الخارجية، أو حتى الخلافات في السياسات الاقتصادية، دورًا في أزمة تشكيل الحكومة؛ إذ تمحورت حول موضوعين: العلاقة بين الأحزاب الدينية والعلمانية، ومحاكمات نتنياهو في قضايا الفساد.
نصرٌ تحوّل إلى هزيمة
يعدّ الفشل في تشكيل الحكومة ضربة كبيرة لنتنياهو، قد تنهي حياته السياسية، وقد تودي به إلى السجن، فاضطراره إلى حل الكنيست وإعادة الانتخابات عرقل خططه، وإن لم يضع حدًا نهائيًا لها، لسنّ قوانين في الكنيست تهدف إلى منع تقديمه للمحاكمة ما دام في منصبه رئيسًا للحكومة، فالتهرب من المحاكمة في ثلاث قضايا فساد موجهة ضده، وضد عائلته، مثّلت الدافع الرئيس وراء قراراته وتحالفاته الانتخابية ومناوراته لتشكيل الحكومة.
سعى نتنياهو إلى تشكيل حكومته من أحزاب اليمين المتطرّف التي تمتلك أغلبية واضحة في الكنيست، ليس فقط لأسبابٍ أيديولوجيةٍ وسياسية، وإنما أيضًا لأن أحزاب المعارضة ترفض الدخول في ائتلافٍ حكومي يقوده نتنياهو، في ضوء قرار المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، توجيه لائحة اتهام ضده في ملفات فساد. وقد عزّز ذلك من مكانة حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، على الرغم من أن حصته في الكنيست نزلت من سبعة إلى خمسة مقاعد في انتخابات الكنيست الأخيرة، إذ لم يكن في مقدور نتنياهو تشكيل حكومةٍ من دونه، في ضوء رفض أحزاب المعارضة الدخول في ائتلافه الحكومي.
وانطلاقًا من إدراكه وضع نتنياهو المعقد، تمسّك ليبرمان بشروطه للانضمام إلى الائتلاف
الحكومي، وفي مقدمتها المتعلقة بتجنيد اليهود "الحرديم" في الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن حزبي يهدوت هتوراه وشاس نزلا عند ضغوط نتنياهو، وأبديا مرونةً في ما يخص تجنيد "الحرديم"، أصرّ ليبرمان على شروطه كلها من دون تغيير. وقد حاول نتنياهو استمالة ولو عضو كنيست واحد على الأقل من أي حزبٍ من أحزاب المعارضة، كي يتمكّن من تشكيل ائتلافه الحكومي، بيد أنه فشل في ذلك، على الرغم من إغراءات كبيرة قدّمها لأعضاء عديدين في الكنيست توجَّه إليهم. وحاول نتنياهو أيضًا ضمّ حزب العمل إلى ائتلافه الحكومي في اليوم الأخير من مهلة الممنوحة له لتشكيل الحكومة (4 أسابيع + أسبوعين، أي 42 يومًا). واجتمع مع رئيس حزب العمل، آفي غباي، أكثر من أربع ساعات، وقدّم له عرضًا مغريًا شمل منصب وزير الأمن وثلاث وزارات أخرى، على الرغم من أنه لا يحظى إلا بستة مقاعد في الكنيست، إلا أن أربعة من بين الأعضاء الستة رفضوا هذا العرض. كما أرسل نتنياهو، في اليوم نفسه، عرضًا إلى زعيم تحالف "أزرق أبيض"، بيني غانتس، للانضمام إلى الائتلاف الحكومي، لكن الأخير رفض بضغط من شريكه في التحالف، زعيم حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد.
مع اقتراب انتهاء الفترة الزمنية المخصصة له لتشكيل الحكومة، وجد نتنياهو نفسه أمام خيارين: التوجه إلى رئيس الدولة وإبلاغه بفشله في تشكيل الحكومة؛ ما يعني تكليف عضو كنيست آخر بتشكيل الحكومة بعد مشاورات سريعة مع رؤساء الكتل في الكنيست وفق ما ينص عليه القانون، أو الشروع في سن قانون في الكنيست يحل بموجبه نفسه، ويدعو إلى إجراء انتخابات جديدة. وكان نتنياهو يخشى من تكليف بيني غانتس بتشكيل الحكومة، أو أحد قادة الليكود في حال فشل غانتس؛ ما يعني فتح الباب أمام بدء إجراءات محاكمة نتنياهو بقضايا الفساد. صحيحٌ أن إمكانية نجاح غانتس، أو أحد أعضاء الكنيست من الليكود، في تشكيل ائتلاف حكومي كانت ضعيفة، إلا أن نتنياهو لم يشأ، مع ذلك، أن يقوم بأي مجازفة بهذا الخصوص.
حظوظ نتنياهو في الانتخابات
حتى يتمكّن من تشكيل حكومة، يحتاج نتنياهو إلى فوز معسكره اليميني المتطرّف في انتخابات الكنيست القادمة بأغلبية 61 عضوَ كنيست على الأقل، من دون احتساب مقاعد حزب إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان، فإذا ما حقق ذلك، سيكون في إمكانه تشكيل حكومة ائتلافية، والشروع فورًا في سنّ قوانين تحصّنه قانونيًا، وتقيّد من صلاحيات المحكمة العليا في التدخل في قرارات الكنيست، سيما في حال رفض الكنيست نزع حصانة نتنياهو البرلمانية؛ ما يعني عدم قدرة الادّعاء العام على تقديمه إلى المحاكمة.
سعى نتنياهو، في الشهور الماضية، إلى تأجيل جلسة الاستماع مع المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، أطول فترة ممكنة؛ ليتسنّى له إجراء الانتخابات وسن القوانين التي تحصّنه
قبل اتخاذ مندلبليت قراره النهائي بتقديمه للمحاكمة. في البداية، حدّد مندلبليت جلسة الاستماع لنتنياهو في 10 تموز/ يوليو 2019، ولكنه عاد ووافق على طلب نتنياهو تأجيلها، وحدد موعدًا جديًدا في 2 و3 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وبعد حل الكنيست، وتحديد موعد الانتخابات الجديدة في 17 أيلول/ سبتمبر 2019 طلب نتنياهو مرة أخرى تأجيل موعد جلسة الاستماع، بيد أن مندلبليت رفض طلبه هذه المرة، ما يعني أن جلسة الاستماع ستكون بعد يوم واحد فقط من افتتاح الكنيست الجديد في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وإذا ما فازت أحزاب اليمين المتطرّف بأغلبية 61 عضوًا على الأقل من دون حزب ليبرمان، فسيكون في إمكان نتنياهو تشكيل حكومةٍ خلال فترة وجيزة، وسن القوانين التي تحميه من تقديمه للمحاكمة، قبل أن يتخذ مندلبليت قراره النهائي بشأن تقديم لائحة اتهامٍ ضد نتنياهو، وهذه لن تكون جاهزةً على الأرجح قبل كانون الأول/ ديسمبر 2019. أما إذا حصل معسكر اليمين المتطرّف على 60 مقعدًا في الكنيست أو أقل، فسيكون مصيرُه ومصير ائتلافه الحكومي مرة أخرى بيد ليبرمان المتوقع أن يجتاز نسبة الحسم، وقد يزيد عدد مقاعده في الكنيست. أما إذا فازت قائمة "أزرق أبيض" في الانتخابات، وتمكّن رئيسها غانتس من تشكيل الحكومة، فسيضع ذلك حدًا لحكم نتنياهو، ويفتح الطريق واسعًا أمام محاكمته.
أقال نتنياهو، في 2 حزيران/ يونيو 2019، وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، ووزيرة القضاء، أييلت شاكيد، من منصبيهما على إثر سقوط حزبهما في انتخابات الكنيست. وفي 5 حزيران/ يونيو عيّن نتنياهو عضو الكنيست من المقاعد الخلفية في حزب الليكود، أمير أوحانا، وزيرًا للقضاء. وهذا يُعدّ من أبرز المؤيدين لسنّ قوانين في الكنيست تحمي نتنياهو من المحاكمة. وقد أثارت الخطوة امتعاض عديدين من قياديي الليكود الذين عدّوا أنفسهم أوْلى بهذا المنصب، وكذلك عضو الكنيست من حزب "اتحاد أحزاب اليمين"، سموطريتش الذي وعده نتنياهو عشية الانتخابات السابقة بهذا المنصب. ومن المتوقع أن يعيّن نتنياهو، في الأيام المقبلة، رئيس حزب "اتحاد أحزاب اليمين"، رافي بيرتس، وزيرًا للتربية والتعليم، وسموطريتش وزيرًا للمواصلات لتعزيز العلاقة بين نتنياهو وهذا الحزب.
اصطفافات الانتخابات
من المتوقع حصول اصطفافات وتحالفات جديدة بين مختلف الأحزاب لانتخابات الكنيست
المقبلة، ولكن من دون أن تجري غالبيتها انتخابات تمهيدية لقوائمها الانتخابية. وقد اتفق نتنياهو وموشيه كحلون رئيس حزب "كلنا" الذي حصل، في الانتخابات الأخيرة، على أربعة مقاعد فقط، على خوض الانتخابات المقبلة على قوائم الليكود. وقد صدّقت سكرتارية حزب الليكود على هذا الاتفاق، والذي يحصل بمقتضاه حزب "كلنا" على أربعة مقاعد في الأماكن الـ 35 الأولى من قائمة حزب الليكود، وسيحتل موشيه كحلون المكان الخامس في هذه القائمة.
وفيما يخص "شاس" و"يهدوت هتوراه"، سيخوضان الانتخابات في القائمة التي خاضا بها الانتخابات السابقة. ومن غير المعروف حتى الآن كيف ستخوض خمسة من أحزاب اليمين الفاشي الانتخابات المقبلة. وقد خاضت هذه الأحزاب الانتخابات السابقة بثلاث قوائم انتخابية سقطت اثنتان منها، هما حزب اليمين الجديد بقيادة نفتالي بينيت وأييلت شاكيد، وحزب زهوت بقيادة موشيه فيغلين؛ ونجحت قائمة واحدة فقط هي قائمة "اتحاد أحزاب اليمين" التي حصلت على خمسة مقاعد وتضم "البيت اليهودي" و"الوحدة الوطنية" و"القوة اليهودية" (جماعة كهانا). وتُبذل جهود كبيرة بين هذه الأحزاب، ويشارك في جهود الوساطة، من أجل تشكيل قائمة مشتركة واحدة، رجال الدين من حاخامات المستوطنين، وذلك لتجنب تضييع أصوات اليمين الفاشي الذي خسر في انتخابات الكنيست السابقة نحو 262 ألف صوت، تعادل ستة أو سبعة مقاعد في الكنيست. ومن غير المعروف حتى الآن ما ستسفر عنه هذه الجهود، وإذا ما كانت ستنجح في تشكيل قائمة انتخابية واحدة لهذه الأحزاب أو أكثر.
أما حزب إسرائيل بيتنا، فإنه يسعى إلى زيادة قاعدته الشعبية بين المهاجرين الروس العلمانيين، واليمين المتطرّف العلماني الإسرائيلي، محاولًا وضع قضايا الدين والدولة على رأس أجندة الانتخابات، وطارحًا نفسه باعتباره نقيض الأحزاب اليهودية الحريدية.
أما قائمة "أزرق أبيض"، فقد قرّرت خوض انتخابات الكنيست بالقائمة نفسها التي خاضت فيها الانتخابات السابقة. وهي تتحفظ على عقد تحالف مع حزب العمل، خشية أن تلصَق بها تهمة اليسار الذي بات منبوذًا في المجتمع الإسرائيلي. وقد أبدت هذه القائمة تماسكًا حتى الآن، ولكن تُسمع فيها وفي خارجها دعواتٌ، بين الفينة والأخرى، تطالب بإلغاء التناوب بين غانتس ولبيد على رئاسة الحكومة، في حال فوزها في انتخابات الكنيست؛ لأن ذلك يسهّل إجراء تفاهم مع حزبي شاس ويهدوت هتوراه اللذيْن يضعان فيتو على الدخول في ائتلافٍ يقوده لبيد بسبب مواقفه العلمانية المتطرفة.
أما حزب العمل الذي تدهورت قوته تدهورًا حادًا في انتخابات الكنيست السابقة، وفقد معظم أصواته لصالح قائمة "أزرق أبيض"، فقد ازداد وضعه سوءًا، بعد كشف النقاب عن المفاوضات التي أجراها رئيسه، آفي غباي، مع نتنياهو بشأن الانضمام إلى ائتلاف نتنياهو الحكومي، وذلك على الرغم من أن غباي كان أشد المنادين بمقاطعة نتنياهو والالتزام بعدم الانضمام إلى ائتلافه الحكومي.
ولم يحسم حزب العمل بعدُ شكل مشاركته في انتخابات الكنيست المقبلة، ودعا غباي إلى عدم
خوض الحزب هذه الانتخابات وحده، خشية عدم تمكّنه من اجتياز عتبة الحسم، وأن يخوضها إما مع قائمة "أزرق أبيض" أو مع حزب ميرتس. وسيتخذ مؤتمر حزب العمل الذي سيُعقد خلال هذا الشهر قرارًا بشأن كيفية انتخاب رئيس حزب العمل وقائمته الانتخابية المقرّر أن تتم في بداية تموز/ يوليو 2019.
بالمثل، يدعو حزب ميرتس إلى خوض انتخابات الكنيست بقائمة مشتركة مع حزب العمل، لأنه يخشى السقوط في انتخابات الكنيست المقبلة. وفي ما يخص الأحزاب العربية، فقد دعت إلى إعادة تشكيل القائمة المشتركة. وإذا ما تمكّنت هذه الأحزاب من تحقيق ذلك، فالمتوقع أن تزيد من قوتها، أو على الأقل أن تحافظ عليها. أما إذا فشلت في إعادة تشكيل القائمة المشتركة وخاضت الانتخابات بقائمتين، فثمة خطر أن تتكرّر حالة اللامبالاة في الشارع العربي والمتمثلة بعدم التصويت، أو حتى أن تتفاقم، ما يهدّد فرص القائمتين.
خاتمة
يدرك نتنياهو أن انتخابات الكنيست المقبلة ستحدّد مصيره السياسي والشخصي، وأن عدم فوزه فيها لن يقود فقط إلى وضع حد لمستقبله السياسي، وإنما أيضًا إلى تقديمه للمحاكمة التي قد تدينه وتقرّر سجنه. من الصعب في هذه المرحلة توقّع ما ستسفر عنه هذه الانتخابات، ولكن من المرجح أن يكون التنافس فيها على أشدّه في مجتمعٍ يزداد فيه اليمين واليمين المتطرّف قوة وعدوانية، في أجواء إقليمية ودولية تميل بقوة لصالح إسرائيل.
نصرٌ تحوّل إلى هزيمة
يعدّ الفشل في تشكيل الحكومة ضربة كبيرة لنتنياهو، قد تنهي حياته السياسية، وقد تودي به إلى السجن، فاضطراره إلى حل الكنيست وإعادة الانتخابات عرقل خططه، وإن لم يضع حدًا نهائيًا لها، لسنّ قوانين في الكنيست تهدف إلى منع تقديمه للمحاكمة ما دام في منصبه رئيسًا للحكومة، فالتهرب من المحاكمة في ثلاث قضايا فساد موجهة ضده، وضد عائلته، مثّلت الدافع الرئيس وراء قراراته وتحالفاته الانتخابية ومناوراته لتشكيل الحكومة.
سعى نتنياهو إلى تشكيل حكومته من أحزاب اليمين المتطرّف التي تمتلك أغلبية واضحة في الكنيست، ليس فقط لأسبابٍ أيديولوجيةٍ وسياسية، وإنما أيضًا لأن أحزاب المعارضة ترفض الدخول في ائتلافٍ حكومي يقوده نتنياهو، في ضوء قرار المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، توجيه لائحة اتهام ضده في ملفات فساد. وقد عزّز ذلك من مكانة حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، على الرغم من أن حصته في الكنيست نزلت من سبعة إلى خمسة مقاعد في انتخابات الكنيست الأخيرة، إذ لم يكن في مقدور نتنياهو تشكيل حكومةٍ من دونه، في ضوء رفض أحزاب المعارضة الدخول في ائتلافه الحكومي.
وانطلاقًا من إدراكه وضع نتنياهو المعقد، تمسّك ليبرمان بشروطه للانضمام إلى الائتلاف
مع اقتراب انتهاء الفترة الزمنية المخصصة له لتشكيل الحكومة، وجد نتنياهو نفسه أمام خيارين: التوجه إلى رئيس الدولة وإبلاغه بفشله في تشكيل الحكومة؛ ما يعني تكليف عضو كنيست آخر بتشكيل الحكومة بعد مشاورات سريعة مع رؤساء الكتل في الكنيست وفق ما ينص عليه القانون، أو الشروع في سن قانون في الكنيست يحل بموجبه نفسه، ويدعو إلى إجراء انتخابات جديدة. وكان نتنياهو يخشى من تكليف بيني غانتس بتشكيل الحكومة، أو أحد قادة الليكود في حال فشل غانتس؛ ما يعني فتح الباب أمام بدء إجراءات محاكمة نتنياهو بقضايا الفساد. صحيحٌ أن إمكانية نجاح غانتس، أو أحد أعضاء الكنيست من الليكود، في تشكيل ائتلاف حكومي كانت ضعيفة، إلا أن نتنياهو لم يشأ، مع ذلك، أن يقوم بأي مجازفة بهذا الخصوص.
حظوظ نتنياهو في الانتخابات
حتى يتمكّن من تشكيل حكومة، يحتاج نتنياهو إلى فوز معسكره اليميني المتطرّف في انتخابات الكنيست القادمة بأغلبية 61 عضوَ كنيست على الأقل، من دون احتساب مقاعد حزب إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان، فإذا ما حقق ذلك، سيكون في إمكانه تشكيل حكومة ائتلافية، والشروع فورًا في سنّ قوانين تحصّنه قانونيًا، وتقيّد من صلاحيات المحكمة العليا في التدخل في قرارات الكنيست، سيما في حال رفض الكنيست نزع حصانة نتنياهو البرلمانية؛ ما يعني عدم قدرة الادّعاء العام على تقديمه إلى المحاكمة.
سعى نتنياهو، في الشهور الماضية، إلى تأجيل جلسة الاستماع مع المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، أطول فترة ممكنة؛ ليتسنّى له إجراء الانتخابات وسن القوانين التي تحصّنه
أقال نتنياهو، في 2 حزيران/ يونيو 2019، وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، ووزيرة القضاء، أييلت شاكيد، من منصبيهما على إثر سقوط حزبهما في انتخابات الكنيست. وفي 5 حزيران/ يونيو عيّن نتنياهو عضو الكنيست من المقاعد الخلفية في حزب الليكود، أمير أوحانا، وزيرًا للقضاء. وهذا يُعدّ من أبرز المؤيدين لسنّ قوانين في الكنيست تحمي نتنياهو من المحاكمة. وقد أثارت الخطوة امتعاض عديدين من قياديي الليكود الذين عدّوا أنفسهم أوْلى بهذا المنصب، وكذلك عضو الكنيست من حزب "اتحاد أحزاب اليمين"، سموطريتش الذي وعده نتنياهو عشية الانتخابات السابقة بهذا المنصب. ومن المتوقع أن يعيّن نتنياهو، في الأيام المقبلة، رئيس حزب "اتحاد أحزاب اليمين"، رافي بيرتس، وزيرًا للتربية والتعليم، وسموطريتش وزيرًا للمواصلات لتعزيز العلاقة بين نتنياهو وهذا الحزب.
اصطفافات الانتخابات
من المتوقع حصول اصطفافات وتحالفات جديدة بين مختلف الأحزاب لانتخابات الكنيست
وفيما يخص "شاس" و"يهدوت هتوراه"، سيخوضان الانتخابات في القائمة التي خاضا بها الانتخابات السابقة. ومن غير المعروف حتى الآن كيف ستخوض خمسة من أحزاب اليمين الفاشي الانتخابات المقبلة. وقد خاضت هذه الأحزاب الانتخابات السابقة بثلاث قوائم انتخابية سقطت اثنتان منها، هما حزب اليمين الجديد بقيادة نفتالي بينيت وأييلت شاكيد، وحزب زهوت بقيادة موشيه فيغلين؛ ونجحت قائمة واحدة فقط هي قائمة "اتحاد أحزاب اليمين" التي حصلت على خمسة مقاعد وتضم "البيت اليهودي" و"الوحدة الوطنية" و"القوة اليهودية" (جماعة كهانا). وتُبذل جهود كبيرة بين هذه الأحزاب، ويشارك في جهود الوساطة، من أجل تشكيل قائمة مشتركة واحدة، رجال الدين من حاخامات المستوطنين، وذلك لتجنب تضييع أصوات اليمين الفاشي الذي خسر في انتخابات الكنيست السابقة نحو 262 ألف صوت، تعادل ستة أو سبعة مقاعد في الكنيست. ومن غير المعروف حتى الآن ما ستسفر عنه هذه الجهود، وإذا ما كانت ستنجح في تشكيل قائمة انتخابية واحدة لهذه الأحزاب أو أكثر.
أما حزب إسرائيل بيتنا، فإنه يسعى إلى زيادة قاعدته الشعبية بين المهاجرين الروس العلمانيين، واليمين المتطرّف العلماني الإسرائيلي، محاولًا وضع قضايا الدين والدولة على رأس أجندة الانتخابات، وطارحًا نفسه باعتباره نقيض الأحزاب اليهودية الحريدية.
أما قائمة "أزرق أبيض"، فقد قرّرت خوض انتخابات الكنيست بالقائمة نفسها التي خاضت فيها الانتخابات السابقة. وهي تتحفظ على عقد تحالف مع حزب العمل، خشية أن تلصَق بها تهمة اليسار الذي بات منبوذًا في المجتمع الإسرائيلي. وقد أبدت هذه القائمة تماسكًا حتى الآن، ولكن تُسمع فيها وفي خارجها دعواتٌ، بين الفينة والأخرى، تطالب بإلغاء التناوب بين غانتس ولبيد على رئاسة الحكومة، في حال فوزها في انتخابات الكنيست؛ لأن ذلك يسهّل إجراء تفاهم مع حزبي شاس ويهدوت هتوراه اللذيْن يضعان فيتو على الدخول في ائتلافٍ يقوده لبيد بسبب مواقفه العلمانية المتطرفة.
أما حزب العمل الذي تدهورت قوته تدهورًا حادًا في انتخابات الكنيست السابقة، وفقد معظم أصواته لصالح قائمة "أزرق أبيض"، فقد ازداد وضعه سوءًا، بعد كشف النقاب عن المفاوضات التي أجراها رئيسه، آفي غباي، مع نتنياهو بشأن الانضمام إلى ائتلاف نتنياهو الحكومي، وذلك على الرغم من أن غباي كان أشد المنادين بمقاطعة نتنياهو والالتزام بعدم الانضمام إلى ائتلافه الحكومي.
ولم يحسم حزب العمل بعدُ شكل مشاركته في انتخابات الكنيست المقبلة، ودعا غباي إلى عدم
بالمثل، يدعو حزب ميرتس إلى خوض انتخابات الكنيست بقائمة مشتركة مع حزب العمل، لأنه يخشى السقوط في انتخابات الكنيست المقبلة. وفي ما يخص الأحزاب العربية، فقد دعت إلى إعادة تشكيل القائمة المشتركة. وإذا ما تمكّنت هذه الأحزاب من تحقيق ذلك، فالمتوقع أن تزيد من قوتها، أو على الأقل أن تحافظ عليها. أما إذا فشلت في إعادة تشكيل القائمة المشتركة وخاضت الانتخابات بقائمتين، فثمة خطر أن تتكرّر حالة اللامبالاة في الشارع العربي والمتمثلة بعدم التصويت، أو حتى أن تتفاقم، ما يهدّد فرص القائمتين.
خاتمة
يدرك نتنياهو أن انتخابات الكنيست المقبلة ستحدّد مصيره السياسي والشخصي، وأن عدم فوزه فيها لن يقود فقط إلى وضع حد لمستقبله السياسي، وإنما أيضًا إلى تقديمه للمحاكمة التي قد تدينه وتقرّر سجنه. من الصعب في هذه المرحلة توقّع ما ستسفر عنه هذه الانتخابات، ولكن من المرجح أن يكون التنافس فيها على أشدّه في مجتمعٍ يزداد فيه اليمين واليمين المتطرّف قوة وعدوانية، في أجواء إقليمية ودولية تميل بقوة لصالح إسرائيل.