لماذا تهمل مصر الشباب وتهتم بكرة القدم؟

26 نوفمبر 2015
لا مكان للشباب هنا (سبينسر بلات/ Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي تحصل فيه مصر على عشرات الميداليات الفضية والبرونزية والذهبية لألعاب فردية، مثل الرمح ورمي القوس والسهم والملاكمة والسومو وغيرها، ويُمنى منتخب كرة القدم بخسائر متتالية، ولم يتأهل لكأس العالم منذ ربع قرن، نجد الدولة تصب اهتمامها بكرة القدم ولاعبيها وتجزل عليهم الهدايا وملايين الجنيهات ويقتصر الاهتمام على الفائزين في الألعاب "الأولى" على بضعة آلاف وشهادة تقدير وصورة تذكارية واحتفال الشباب بهم عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

السلطة استخدمت كرة القدم لأغراض سياسية قبيل ثورة 25 يناير لإلهاء الناس عن قراراتها التي أحدثت ضجة، وعقب ثورة يناير استخدمتها انتقاما من الثورة والثوار، مثلما حدث في بورسعيد، حينما انتقمت الداخلية من رابطة مشجعي الألتراس بقتل 74 منهم في مجزرة بشعة.

نماذج مصرية كثيرة حققت ميداليات وبطولات ولم تكرمها مصر التكريم اللائق مثل لاعب السومو رامي الجزار، الذي نال في أغسطس/آب الماضي بطولة أميركا المفتوحة للسومو وللاعبة التايكوندو كارولين ماهر، التي خاضت مسابقات في 38 دولة، وحازت 1120 ميدالية وكأسًا، في بطولات إقليمية وعالمية، وتم تكريمها في أميركا عام 2013 ولم تكرمها وزارة الشباب والرياضة حتى الآن.

وليس من طريقة مهينة للتكريم مثل التي نالها الملاكم البورسعيدي حسام بكر من محافظ بورسعيد، فقد أكد في تصريحات صحافية سابقة استياءه قائلا "التقيت بالمحافظ 5 دقائق فقط، هي وقت الحصول على درع المحافظة ومظروف يحوي 500 جنيه مكافأة الحصول على بطولة أفريقيا والتقاط الصور التذكارية"، وكذلك بطلة العالم للسباحة لذوي الإعاقة لبنى مصطفى التي حازت عدة ميداليات محلية وعالمية وفي عام 2007 كانت أول فتاة في المنتخب المصري تحصد ميدالية ذهبية في البطولة، كما حصلت على لقب بطولة الباراليمبيا "الأوليمبياد الخاصة لعام 2013".

وليد عطا، رئيس اتحاد ألعاب القوى، قال هناك اتجاهات مختلفة للدولة، ولا بد أن يتم وضع سياسات مغايرة عما نراه الآن، فهناك ألعاب تحقق ميداليات فضية وذهبية عديدة، ولا يعلم الناس عنها شيئاً، كما أن لاعب الجري أو الرمح قد يحقق بطولات لا يحققها فريق المنتخب.

وأضاف عطا أن فريق كرة القدم حينما يتأهل لكأس العالم تفرح مصر كلها، وتكون مكافأة اللاعبين ملايين الجنيهات، بينما حقق أبطال مثل إيهاب عبدالرحمن، الذي حاز فضية في رمي الرمح في بطولة العالم لألعاب القوى، ومصطفى الجمل، الذي تأهل لأولمبياد ريو دي جانيرو 2016، ميداليات ولم يسمع أحد عنهما، إلا حينما كرم رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، إيهاب، وقتها بدأ وزير الرياضة يهتم بألعاب القوى.

سياسة الدولة لا بد أن تتغير في نظرتها للألعاب الأخرى بخلاف كرة القدم، هذا ما أكده عطا، لافتا إلى أن الإعلام له الدور الأكبر في نشر ثقافة الألعاب الفردية وعدم التركيز على رياضة بعينها، فالجماهير لا تعرف شيئاً عن رياضة الجودو أو المصارعة، ولا كيف يتم احتساب النقاط، بينما يعرف أصغر طفل قوانين مباراة كرة القدم، وينبغي لوزير الشباب والرياضة دعم الألعاب المختلفة ففي لوائح الوزارة يتم تدريب ودعم فريق الرمح بـ150 ألف جنيه، بينما حينما يتأهل فريق المنتخب لكرة القدم فهم يحصلون على مليوني جنيه، وقد يخرجون من التصفيات، منبها إلى أن غالبية لاعبي الألعاب الفردية والحاصلين على ميداليات وبطولات عالمية يهربون إلى الخارج ليتم الاهتمام بهم جيدا، ولو وجدوا عائدا لائقا ومحترما في مصر لبقوا فيها.

بينما لم يحمل محمد القماح رئيس اتحاد البلياردو، الدولة أي تقصير تجاه شباب الرياضيين، مؤكدا أن الوزارة لم تبخل عليهم، حينما طلبوا مبلغا محددا لتجهيزات البطولة، مؤكدا أن الخلل في تركيز الإعلام على كرة القدم، قائلا "الإعلام يستطيع أن يعلي لعبة في السماء ويخسف بالأخرى الأرض".

ورغم الأحداث التي تشهدها مصر من خلافات سياسية وحملات تنشيط للسياحة وهجرة الأدمغة وغيرها، إلا أن أحدا لا يعلم أن هناك بطولة دولية بها 48 دولة أجنبية وهي بطولة العالم للبلياردو الإنجليزي والتي تلعب في الغردقة وهي مذاعة على 6 فضائيات فقط غالبيتهم تابعة للدولة.

وبحسب القماح فإن كرة القدم لا يوجد منها عائد؛ لكننا لا نستطيع أن نعامل كافة الألعاب بنفس الميزانية، لأن ميزانية تجهيز فريق مكون من 30 لاعباً، يختلف عن تجهيز الألعاب الأخرى، كما أن لعبة كرة القدم لها جمهور ومشجعون بالملايين، وهو ما يجعل الممولين يقبلون على شراء حقوق البث حتى لو لم يوجد نتيجة نهائية عادلة ومرضية، كما حدث حينما اشترت الدولة حقوق بث الدوري العام في الوقت الذي عرضت قناة أجنبية شراءه مقابل 320 مليون جنيه.

في الوقت الذي كانت تجاهد فيه ألعاب شعبية محبوبة مثل الملاكمة للانتشار، د.عبدالعزيز غنيم رئيس اتحاد اللعبة أكد مؤخراً أن الملاكمة أُدرجت كلعبة أولى في مصر، بالإضافة للتصنيف العالمي الذي حققوه، مضيفا أنها أصبحت مثل كرة القدم في الاهتمام، حيث ينال الفائز في البطولة 200 ألف جنيه مكافأة، بالإضافة إلى مصروف شهري يقدر بـ10 آلاف جنيه.

اللاعب رامي الجزار بطل العالم في السومو قال عبر تصريحات هاتفية من أميركا "يعاملونني هنا كأنني (الرئيس الأميركي) باراك أوباما لأني فزت ببطولة واحدة وأصبحت نجما ولدي محامية ومديرة أعمال، ويومياً أتلقى عروضاً من دول وشركات كان آخرها، من رومانيا للعبة MMA - ملاكمة في القفص- بالإضافة للإقامة والمقابل المادي الجيد والجنسية".

وأضاف الجزار: "ظُلمت في مصر كثيرا حتى يئست ومكثت في المنزل 5 سنوات من دون لعب؛ وجدت عدم اهتمام وتقدير لي وانعدام الدعم المعنوي والمادي. والدي ووالدتي تولوا المصاريف الخاصة بالسفر لأميركا، بعدما رفض اتحاد اللعبة التكفل بمصاريف السفر بحجة عدم وجود ميزانية كافية، وأنا الآن أعمل كحارس أمن بدوام جزئي لتأمين مصاريف الإقامة والتدريب حتى أستطيع الاستمرار في الولايات المتحدة، استعدادا للبطولات القادمة. راتبي عن تدريب فريق الجودو في مصر كان 140 جنيهاً شهرياً من شركة الغزل والنسيج، وحينما فزت في بطولة العالم أعطوني مكافأة 15 جنيهاً". 

(مصر)

اقرأ أيضاً: عندما تصبح الرياضة طريقاً للانتصار السياسي 

المساهمون