لماذا اختار معظم السوريين في باريس مقهى الرحيل؟

18 يناير 2015
ساحة سان ميشيل في باريس (Getty)
+ الخط -
يتميّز مقهى "لو ديبار"، أو الرحيل، بخصوصية وقوعه على زاويتين متميزتين، ساحة سان ميشيل من جهة، وضفة السين من جهة أخرى، قبالة كاتدرائية نوتردام.

وما يسهّل الوصول إليه، وجود منفذ للمترو أمام رصيف المقهى، بحيث يخرج أحدنا، إن اختار المخرج السليم، ليمشي خطوات قليلة، ويجد نفسه في المقهى، وحين يغادر، يقطع الطريق من المقهى إلى المترو، كأنه ينتقل من طاولة لأخرى.

شاءت الصدفة أنّي أوّل مرة أذهب إلى هذا المقهى، كانت للقاء روائي عربي مقيم في باريس. لم أكن أعرف آنذاك أنّه المكان المفضّل لكاتب سوري يعمل قريباً من سان ميشيل، ويسهل عليه تحديد مواعيده في المقهى.

في المرة الثانية لذهابي، حدّد لي الصديق الشاعر العربي، القادم من خارج فرنسا، المقهى كمكان للّقاء، وكان ينزل في فندق في سان ميشيل. صديقتي، التي تدرس في السوربون، تعطيني مواعيد اللقاء، بعد انتهاء الدروس... وهكذا، اعتدت الذهاب من وقت إلى آخر، إلى أن اكتشفت أنّ معظم السوريين يأتون في غيابي، ربما، ولم تجمعني بهم الصدفة من قبل، فيلتقون هنا، في "لو ديبار".

حين تحدثت مع صديقتي السورية القادمة من مصر، وسألتها عن الأماكن التي تعرفها في باريس، اقترحت عليّ "لو ديبار". هناك.. كأنّنا على موعد سوري مكثّف، التقيت بصديق سوري قادم منذ أيام قليلة، وهو على موعد مع الصديق الذي يعمل في سان ميشيل. ثم وجدتني ألتقي بكاتبة لبنانية هناك، ثم مع روائية سورية ألتقي بها لأوّل مرة في حياتي. لم نلتق في سورية، بل في باريس، في "لو ديبار".

لا أعرف مَن عمّم عنوان المقهى، وكيف انتشر اسمه بين السوريين خاصة، لكنني منذ أسبوع فقط، كنت أنتظر صديقاً أمام نافورة سان ميشيل، اتصل بي ليخبرني أنّه عالق في المترو، بسبب عطل قد يؤخّر وصوله، فقرّرت التوجه إلى مكتبة "جيبير" الشهيرة، وتقع على صفّ المقهى. كنت أنقّب بين كتب الأدب الفرنسي الكلاسيكي في الطابق الرابع كما أذكر، حين رنّ هاتفي: ألو... أنا وصلت، أنتظرك في "لو ديبار"!

الناجي الوحيد من فكرة الرحيل، كان الصديق الشاعر فرج بيرقدار، حين قال لي مازحاً على الهاتف: مكتبي في مقهى "فونتين سان ميشيل"، الذي يقع بالقرب من النافورة، على الطرف المقابل من "لو ديبار"، الذي يتوجب قطع الطريق من النافورة، للوصول إليه. ربما لأنّ قدر بيرقدار لم يعد الرحيل، هو القادم من السويد، المعتاد على الترحال بين البلاد، دون أن يكون معنياً بالرحيل الباريسي!

لا أعرف سبب نجاة فرج، ولا سبب اختيار صديقتي الروائية التي صارت تعتاد اللقاء في سان ميشيل، إلاّ أنّها تجلس في المقهى المجاور تماماً، في "سان سيفرين"، على رصيف المقهى، فتبدو وكأنها جالسة في "لو ديبار"، إنّما في قطيعة بين المقهيين، عبر بلاطات صغيرة، تفصل العنوانين. لماذا اختار معظم السوريين العابرين والمقيمين في باريس، مقهى الرحيل؟ الجواب يبقى في قلب الشاعر الذي تنبأ منذ سنوات بعيدة، بمصير الرحيل.
دلالات
المساهمون