للغرباء أيضاً موسيقاهم

13 يوليو 2016
يو يو ما (Getty)
+ الخط -
رغم كل ما يحيط بنا من بشاعة وبؤس، عنف واستبداد، إضافة إلى مؤشرات للفشل الاجتماعي والبيئي على مستوى الكوكب، يقترح مورغان نيفيل، الفن كملاذ أخير وطريقة وحيدة للجنس البشري للاستمرار والتطور، في إنتاجه الأخير وهو فيلم"موسيقا الغرباء". العمل يتيح لنا أن نلقي نظرة مقربة على عازف التشيلو Yo yo ma ومشروعه الموسيقي "طريق الحرير"، في مقاربة إنسانية ثقافية معاصرة لفكرة التواصل التجاري التاريخية.

المشروع يضم موسيقيين من بلاد وثقافات مختلفة، كل منهم يحمل تراثه وتجربته وبؤسه وإيمانه بالفن وحبه للحياة.
ثيمة الفيلم الرئيسية هي خلق شكل موسيقي عابر للثقافات وللغات، لموسيقيين أنماطهم متنوعة من دون الوقوع في مطب السياحة الثقافية. وبمونتاج ذكي ورشيق وسلس، يلاحق المخرج عوالم الشخصيات الرئيسية وتجاربهم الذاتية، وفهمهم لدورهم ورؤيتهم للحياة، لينسج من حكاياتهم وأماكنهم شريطا فنياً مشدوداً ومؤثراً، غنياً على مستوى الصورة وعظيماً موسيقياً.
الشخصية الرئيسية في الفيلم هي شخصية "يو يو ما" وهو عازف تشيلو عالمي من أصول صينية، ومؤسس مشروع طريق الحرير. بدأ عروضه الموسيقية من عمر خمس سنوات، وحقق كل شيء حلم به، من النجاح إلى الشهرة العالمية، لكنّ المخرج لا يهتم بكل هذا، بل يسعى خلال الفيلم بدأب إلى كشف غنى وشفافية وانفتاح، هذا المواطن العالمي الذي يرى الفن، والفن فقط، خلاصاً للبشرية، حتى يبدو "يو يو ما" نفسه في شريط نيفيل كأنه فارس نبيل قادم من عصور الفروسية.

الشخصية الثانية في الفيلم هي كيهان كالهور، وهو عازف كمان ومؤلف موسيقي من إيران، موسيقاه الساحرة وشخصيته الأسطورية في الفيلم تسيطر على المشاهد وهو يستمع الى حكاياته المؤثرة عن خسارته لعائلته وإخوته بسبب ثبات موقفه في الوقوف مع شعبه وقضاياه. وصولاً إلى إصراره على أن الموسيقى هي الملاذ والمنقذ من صعوبات الغربة والحنين إلى الوطن، من دون أن ننسى ثبات عينيه حينما يتحدث عن ثقته في العودة إلى الوطن بعد الخلاص من مجانين السلطة الظلاميين الذين سينساهم التاريخ والمستقبل، ولن يبقى للأجيال المقبلة سوى إشراقات وإبداعات الفنانين ممن قاوموا هذا النظام .

المشارك الأخير في الفيلم هو كنان العظمة عازف الكلارينيت من سورية، هو حامل أساسي للفيلم. حضور طاغ وشخصية جذابة. أسئلته عن جدوى الفن، فكرة الهوية والوطن بعد إعصار القتل والدمار و صمت العالم عن ما يحدث في سورية، أسئلة تضعنا كمشاهدين بمواجهة حادة ومباشرة مع معنى وجودنا وإنسانيتنا. وبمتابعة دقيقة ومكثفة من المخرج نستشف عوالم هذا الفنان الذي يؤمن بالسلام ويصر على جمال العالم الذي يلونه بالموسيقى. وندخل إلى كنان الطفل الذي يؤمن بالمزيد من الفن، واللعب والحب، في رفض للكبار وللحاضر السوري العنيف، شخصية تختصر براءة كل أطفال بلده سورية.

المساهمون