يلتقي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، في واشنطن، مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت تواجه فيه العلاقات بين الحليفين - الشريكين، رزمة خلافات تراكمت على مدى السنوات الأخيرة ورفعت من درجة التوتر بينهما إلى منسوب غير مسبوق. أكثر ما يميز زيارة الرئيس التركي إلى الولايات المتحدة أنها تأتي في أعقاب قرار إدارة ترامب بتسليح مليشيات كردية في سورية تصنفها تركيا على أنها إرهابية. خطوة تجنبها الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، بهذه الطريقة المباشرة والحاسمة، بسبب الحساسية التركية. لكن الظروف الراهنة ضاغطة أكثر. فالرئيس ترامب بحاجة إلى نصر سريع، ودوافعه متعددة، إذ إن رئاسته مضطربة، ووعودها الداخلية خصوصاً، متعثرة. لذلك، من شأن استرجاع الرقة السورية من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أن يعطي إدارة ترامب بعض البريق، باعتبار أن مثل هذا الإنجاز يحقق جزءاً من وعده "بسحق" هذا التنظيم.
هكذا، تكونت العقدة التي يستعصي تفكيكها: الإدارة الأميركية لن تتراجع عن قرارها، وأنقرة لا تتقبل هذا "المحظور الممنوع". كل طرف شدد على موقفه عشية زيارة أردوغان إلى واشنطن. تركيا احتفظت بخيار التصعيد العسكري ضد الأكراد وطالبت البيت الأبيض بالعودة عن قراره. الإدارة أخذت علماً بالأمر لكنها تجاهلت تلويح الحكومة التركية بالقوة. وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، قال "إننا تباحثنا بصراحة مع الأتراك وسنأخذ ما يقلقهم بعين الاعتبار".
الرسالة واضحة ومفادها أن واشنطن حسمت أمرها في هذا الموضوع وعلى أنقرة تجاوزه، مع الحرص على حماية العلاقات معها. ترجمة ذلك، أن الباب مفتوح للمساومة لتلبية شيء من المطالب الأخرى لتركيا. ورافق ذلك ترطيب الأجواء الدبلوماسية لتهيئة المناخ لصفقة في هذا الخصوص. فالرئيس ترامب كان أول المهنئين لنظيره التركي بفوزه في الاستفتاء الأخير لتوسيع صلاحياته الدستورية، مع أن مبادرته أثارت الكثير من الاحتجاج في واشنطن. كما غضّت الإدارة النظر عن الغارات الجوية التركية الأخيرة ضد حلفائها الأكراد. ثم وجّه البيت الأبيض دعوة لأردوغان لزيارة واشنطن.
المواضيع المتداولة لتكون جزءاً من "الصفقة"، إن وُجدت، تراوح بين التجاوب مع أنقرة في تسليمها رئيس حركة "الخدمة"، فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة، وبين ملاحقة قوات حزب "العمال الكردستاني" الموجودة في شمال العراق، مروراً بإقامة المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا في شريط من شمال سورية. في ما يتعلق بقضية غولن، دأبت واشنطن على القول إنها مسألة قانونية وليست سياسية، ويعود البت فيها للمحكمة بناءً على حيثيات الطلب التركي، وليس لوزارة الخارجية. لكن ليس ما يمنع الرئيس ترامب من الاستناد إلى مسوّغ أمني، لتبرير خطوة الاسترداد. مع أن ذلك قد يتسبب بفتح باب اتهامه بالالتفاف على القانون. وترامب يواجه الكثير من المآخذ القانونية، بدءاً من ملف القرصنة الروسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية وانتهاءً بإقالة مدير "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (إف بي آي)، جيمس كومي، أخيراً.
وحرْص واشنطن على مراعاة "الحليفين"، الكردي والتركي، نابع، حسب القراءات الأميركية، من حاجتها لهما لضبط الدور الإيراني في العراق كما في المنطقة. لكن المراقبين توقفوا عند لغة عدم الارتياح التي يتحدث بها أخيراً الرئيس التركي عن إيران. وسبب هذا الخطاب يعود ربما إلى ما تردد عن "تعاون المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران، مع قوات حزب العمال الكردستاني في العراق". ومن شأن ذلك أن يزيد من احتمال أن "تتعايش" إدارة ترامب بصيغة أو بأخرى، مع سياسة الحكومة التركية في قصف مواقع "العمال الكردستاني".
في ضوء ذلك، يبدو هذا اللقاء الاضطراري بين أردوغان وترامب، محكوماً بتسوية ملتبسة من نوع أنصاف الحلول التي لا ترضي الجانبين ولا تسبب القطيعة بينهما. الرئيس أردوغان لا غنى له عن علاقة ما مع واشنطن. والتقرب مع موسكو لا يشكل البديل عن العضوية في "حلف شمال الأطلسي"، ناهيك عن العلاقة التسليحية بين تركيا وأميركا والحذر المشترك من إيران والخلاف مع موسكو حول دور ومصير بشار الأسد. بدوره، الرئيس ترامب الذي يقوم نهاية هذا الأسبوع بجولة خارجية هامة محكومة بظلال أزمته الداخلية، لا يقوى على تخريب علاقته مع حليف وازن في الشرق الأوسط.