لغتنا المهدّدة.. إطلالة على التحديات

14 يوليو 2015
لم تعد العربية لغة مطلوبة في أسواق العمل(فرانس برس)
+ الخط -

على النحو الذي أشرنا إليه سابقاً، تحرّك الفرنسيون رداً على تحدي الغزو الثقافي الإنجلوسكسوني الذي يتهدّدهم في عقر دارهم. غزو يكاد يطيح بعصبهم الثقافي، استنفروا تجاهه طاقاتهم لحماية لغتهم. لكنّ الوضع يختلف بشأن لغتنا المتروكة لمصيرها في دولنا العربية.

كانت اللغة العربية في العصور الوسطى لغة العلم والثقافة كما كانت لغة التجارة والمال. وقد بلغت هذا الشأن من خلال عشرات العلماء والشعراء والمفكرين والفلاسفة ممّن ينتسبون إلى أصول عربية أو غير عربية. لكنّ ظروفاً متداخلة وضعت العربية في موقع الضعف بالقياس إلى سواها. منها الحروب الصليبية، والغزو المغولي، وانهيار مؤسسات الدولة المركزية، وسقوط الأندلس، والسيطرة التركية، وتأخر النهضة مقابل اندفاعات الثورة الصناعية، وتبدّد الحِرف والصناعات التقليدية، وتخلّف رجال الدين.

أما التحديات التي تواجهها اللغة العربية، فيمكن رصد أبرزها كالتالي:
- خروج العربية كلغة من مجالات العلوم والتعليم في مواد الطب والصيدلة والفلسفات الحديثة والاقتصاد والعلوم والإدارة والإعلام والصناعة والتقنيات.
- ندرة الأبحاث الأكاديمية الجادة، في ميادين الاجتماعيات والإنسانيات والآداب وغيرها، وتراجع دور الجامعات بالمقارنة مع مثيلاتها الدولية.
- ضعف وتأخر الترجمة من العربية وإليها، وعدم تنسيق الحد الأدنى في العمل بين جمعيات المترجمين.
- هيمنة اللغة الإنجليزية على المؤسسات والقطاعات والبنوك والطيران والفنادق والشركات ومعاملات التجارة الداخلية والخارجية.
- وجود آلاف المدارس والجامعات الأجنبية أو "المتأجنبة" التي لا تدخل اللغة العربية في موادها الدراسية حتى.
- لم تعد العربية لغة مطلوبة في أسواق العمل، بما فيها الداخلية. ويقتصر الطلب على التأكد من إجادة الإنجليزية ـ مع الفرنسية أحياناً.
- طغيان المد الإلكتروني على وسائط الاتصال واعتمادها بديلاً عن وسائل النشر القديمة من صحف ومجلات وكتب وغيرها.
- تدني إجادة المذيعين والمعدين للغة العربية، وندرة البرامج الثقافية، وغلبة النطق بالعامية على المسلسلات التلفزيونية وعلى الإعلانات في الطرقات والشوارع.

هذه التحديات تضاعفها حركة الهجرة والاغتراب، إلى حد بات معه مواطنون عرب لا يجيدون العامية حتى. وهو ما يضاعف من الهوّة الحضارية التي تندفع نحوها المنطقة، باعتبار الموجة الحاضرة، التي تدعي التديُّن، لا تقدّم ولو جواباً واحداً على أسئلة العصر المطروحة أمام أجيال تجد نفسها أمام عاصفة العولمة الثقافية العاتية.

*أستاذ في كلية التربية ـ الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً: حروب عربية خارج ميادين القتال
المساهمون