جزء مما تكتبه الأقلام العربية، لا يكتب باللغة الأم، وإنما بلغة ثانية. من السهل مسح هذه المؤلفات لنكتشف هيمنة اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
حضور هذا النوع من الكتابة، يجعلنا نتساءل، لم يغيب سؤال: "أية لغة ثانية نكتب بها؟"، وهو سؤال لن تجيب عنه قرارات سياسية، وإن كان ذلك أحد مستويات الإجابة، فهو أيضاً سؤال يتعلّق بالقرار الفردي، وبنية المثقف العربي.
صحيح أن السياق الوطني يحدّد بقوة اللغة التي سوف يستخدمها أي كاتب، حيث إن اللغة الثانية تأتي في الغالب جاهزة، وجهوزيتها هذه، فخ حضاري منصوب على الدوام. إنها عملية حجب للإمكانيات المتوفرة لإيصال الصوت العربي إلى ما هو أبعد من السياقات التي توضع فيها المؤلفات التي تكتب بالفرنسية والإنجليزية وما يخترقها من تراكمات الهيمنة.
كل لغة تمثل تصوّراً للعالم، واحتكار هاتين اللغتين لتصوراتنا جزء من تأبيد لعبة الهيمنة، ومن أجل كسرها ينبغي استدعاء البدائل، ولا تحتاج هذه الخطوة سوى إلى قرارات فردية.
ما الذي يمنع من الكتابة بالإسبانية والألمانية والإيطالية والفارسية والتركية وغيرها، سوى الإهمال وقلة الاطلاع والسعي وراء المكاسب السهلة؟ ثم من قال إن ثمة ما يمنع من تجديد "اللغة الثانية" واستبدالها؟ وحدها اللغة الأم غير قابلة للتغيير، إنها اللغة التي أثثنا بها العالم في أذهاننا، كما قالت حنة أرنت ذات يوم.