قال النائب عن جبهة "العدالة والتنمية" الجزائرية، لخضر بن خلاف: "إن مشروع قانون مالية عام 2016 سيؤدي إلى ضياع الاقتصاد الجزائري". واعتبر في مقابلة مع "العربي الجديد" أن الحكومة تجازف بأموال الشعب الجزائري لحساب رجال الأعمال، ولذا فإن الأوضاع الاقتصادية باتت صعبة بالنسبة للمواطنين.
وهنا نص المقابلة:
وهنا نص المقابلة:
* عارضتم بشدة مشروع قانون الموازنة لعام 2016، فما هي الدوافع التي جعلتكم تتخذون هذا الموقف من المشروع؟ وألا تعتقدون أن انخفاض أسعار النفط عالمياً شكل السبب الرئيسي لصياغة هذا المشروع؟
- بالتأكيد فإن أسعار النفط، وانخفاضها إلى أكثر من النصف تقريباً، شكلت ضربة قاسية للاقتصاد الجزائري، ولكن هل من العدل أن نعمل على صياغة مشروع قانون مالية يطال جيب المواطن بسبب انخفاض أسعار النفط؟ هل يمكن تحميل المواطن الانعكاسات السلبية لانخفاض أسعار النفط؟
بكل وضوح، أؤكد أن هذا القانون هو أخطر وأشرس قانون مالية مر في تاريخ الجزائر، كونه يمس مباشرة جيب المواطن البسيط الذي تطلب منه الحكومة اليوم التقشف مع مواصلتها في سياستها المتعلقة بالتبذير من خلال استيرادها كل شيء. وعلى هذا الأساس، فإن هذا القانون يحمل بصمات واضحة لرجال المال والأعمال، الذين يريدون حل مشاكلهم على حساب جيب المواطن، عوضاً عن بذلهم الجهد من أجل إيجاد مصادر أخرى للثروة. وانطلاقاً من مصلحة المواطن أولاً والاقتصاد المحلي ثانياً، فإن إقرار قانون المالية لعام 2016 سيكون من الأخطاء التاريخية التي ترتكب في حق الاقتصاد الجزائري.
* برأيكم، ألا يعكس هذا القانون توجه الدولة نحو تشجيع الإنتاج الوطني، وإيجاد البديل للعملة الصعبة خارج قطاع المحروقات، خاصة وأن القانون ربما يسمح بالاستدانة من الخارج، مما يعني دخول عملات أجنبية إلى اقتصاد البلاد؟
- أين هو تنويع الاقتصاد الوطني؟ هذا التنويع لا يتعدى كونه شعاراً يرفع لا أكثر. منذ الاستقلال إلى اليوم بقي اقتصادنا تابعاً بنسبة 98 % لقطاع المحروقات، ولا يمكن تنويع الإنتاج الوطني في هذا الظرف بالذات، بسبب غياب مصادر التمويل من جهة، وغياب الإرادة السياسية الواضحة من جهة أخرى. اليوم نحن في الجزائر، ندفع ثمن سياسة شراء السلم الاجتماعي التي مارستها الحكومات المتعاقبة رغم البحبوحة المالية التي كانت فيها الجزائر، والتي لم تستثمر، بما يعود بالفائدة على المواطن. بل أكثر من هذا، فقد كانت الحكومة تشجع الشباب على الاقتراض ولا تلزمهم بالسداد والأمثلة كثيرة، ففي أوقات الانتخابات كان النواب عادة يشجعون المواطنين على الاقتراض من المؤسسات والصناديق دون إلزامهم بالسداد، الأمر الذي أدى إلى زيادة العجز المالي. وعليه نحن ندفع ثمن فاتورة هذه السياسات الاقتصادية الخاطئة، التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، واليوم أمام هذا الظرف الاقتصادي الصعب، تذهب الحكومة مباشرة إلى جيب المواطن لتغطية العجز الكبير.
* رغم المآخذ المسجلة في قانون المالية لعام 2016 ، إلا أن البرلمان صادق عليه، فكيف تم ذلك؟
- صادق مجلس النواب على القانون بالأغلبية المفبركة، فالنواب وللأسف انتهجوا هذه المرة سياسة جديدة مع قانون مالية 2016، حيث لاحظوا فيه بعض القرارات الخطيرة، وأرادوا أن يتبنوا خطاب المعارضة أثناء المناقشة على مستوى لجنة المالية بالبرلمان، وعليه قاموا، أثناء المناقشة العامة في المجلس، مع المعارضة بإسقاط بعض المواد الخطيرة من القانون، ومنها المادة الـ71 من القانون، التي تلغي الديمقراطية في مراقبة البرلمان للحكومة في صرف أموال الموازنة العامة، وتعطيها صلاحية التصرف في أموال الشعب دون الرجوع إلى البرلمان، ولم يحاولوا إسقاط القانون برمته بالرغم من آثاره السلبية على المواطن والاقتصاد، مما يعني أننا أمام مسرحية مفبركة بين الحكومة والبرلمان من أجل تمرير هذا القانون المجحف.
* هل تعتقدون أن هناك ضغوطاً تمارس على النواب، لمنعهم من ممارسة حقهم في الرقابة على صرف الحكومة للمال العام؟
- طالبت وزارة المال النواب بالتخلي عن صلاحياتهم في تشريع ومراقبة الموازنة، والتنازل عن هذه الصلاحية للحكومة، يعني السماح للأخيرة بالتصرف بالأموال كما تشاء، دون الرجوع إلى البرلمان، مما يعني بطريقة مباشرة أن الحكومة ستسيطر بشكل رئيسي على أموال الشعب وستكون الجهة الوحيدة المخولة لصرف الأموال دون رقيب أو حسيب. وفي اعتقادي، هذه ليست المرة الأولى التي يتم التعامل فيها مع أموال الشعب بهذه الطريقة، ففي السابق، تصرفت الحكومة بأموال الشعب وبطريقة عشوائية، إذا أردنا أن نعود إلى الوراء، فقد تصرفت الحكومة في أموال الصناديق الخاصة التي لا نعرف قيمتها ولا وجهتها ولا كيفية التصرف فيها. اليوم تريد الحكومة أن تجد تشريعاً قانونياً يسمح لها أن تتصرف بكامل الحرية في أموال المواطنين، ولذا طلبت من البرلمان التنازل عن صلاحياته في مراقبة الأموال لصالحها.
ولا شك في أن نتائج هذه المصادقة ستكون وخيمة على القدرة الشرائية للشعب الجزائري، ومن أول ضحاياها قطاعا النقل والزراعة، حيث سترتفع أسعار النقل، كما سترتفع أيضاً أسعار المنتجات الزراعية، وسيشعر المواطن بهذه الزيادات مع بداية العام المقبل، إذ وبحسب الدراسات فإن الزيادة في الأسعار ستطاول نحو 80% من العائلات، على عكس ما تروج له الحكومة بأن هذه الزيادات لن تطاول إلا نحو 30% من الأسر الجزائرية.
* ألا تتوقعون أن يحدث هذا القانون نوعاً من السخط في الشارع الجزائري، ودفع الشعب للتظاهر على غرار ما سمي بانتفاضة الزيت والسكر في يناير/كانون الثاني من عام 2010؟
- نحن لا نتمنى حدوث ذلك لأن النتائج ستكون وخيمة جداً. ولكن هناك مشروع قانون ينال من لقمة عيش المواطن، فالحكومة وعوضاً عن التوجه إلى جيب المواطن لتمويل الخزينة العامة، كان لا بد من استغلال الإمكانيات الاقتصادية للبلاد، وهي إمكانيات تؤهلنا للنهوض باقتصاد قارة كاملة، وليس الجزائر فقط، ولكن في ظل غياب الحكام والسياسات الواضحة والناجحة، نلاحظ توجه الحكومة مباشرة إلى جيب المواطن الذي يعيش أصلاً أزمات معيشية متعاقبة.
* في حديثكم، أشرتم إلى أن الجزائر تمتلك إمكانيات تساعد للنهوض بقارة، فلماذا نعيش إذاً في أزمة اقتصادية؟
- أعتقد أن الأزمة في الجزائر تعود إلى سببين، أولهما هو فساد الرجال القائمين على تسيير شؤون البلاد، والسبب الثاني هو الخطأ في السياسات المتبعة منذ الاستقلال، وعلى هذا الأساس، نرى اليوم هذه النتائج الوخيمة التي جعلت الجزائر في ذيل الترتيب دولياً في كل المجالات من تعليم وصحة، وبنى تحتية وغيرها. وكنا قد نبهنا إلى الآثار السلبية لهذه السياسات مراراً. الأغرب من هذا، هو ما تقوم به السلطات اليوم من أجل توفير الأموال، وكأنهم يريدون استبدال سلطة الثورة بسلطة الثروة.
* لماذا لا تلجأ الحكومة إلى تنويع الاقتصاد إذاً، بدلاً من الاعتماد على زيادة الضرائب؟
- نحن لا نفرق بين القطاع العام والخاص، ولكن هذا القانون جاء بتسهيلات كبيرة لصالح القطاع الخاص والشركات، كي تقترض من الخارج، والضامن لهذه الاستدانة طبعاً هو خزينة الدولة، وبعد فتح مجال الاستدانة، سنكون عرضة لضغوط تمارس من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويتكرر سيناريو منتصف الثمانينيات، وكلنا نعي كيف تدخل صندوق النقد الدولي وأوقعنا في دين يزيد عن 120 مليار دولار منها 80 مليار دولار فوائد لتلك الديون، التي سددناها بفضل معجزة ارتفاع أسعار النفط. السيناريو اليوم يتكرر. يريدون أن تعود الجزائر إلى تلك الفترة. المشكلة أننا تمكنا من الخروج من الأزمة سابقاً بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 120 دولاراً للبرميل، ولكن كيف سنخرج من الأزمة، اليوم ، في ظل انخفاض أسعار النفط؟ لنكن واضحين: في حال اتجهت الحكومة نحو الاستدانة الخارجية، فإننا سنكون قاب قوسين أو أدنى مما حصل في اليونان، ما يعني الانهيار والإفلاس.
* أمام هذه النتائج الوخيمة، ألا تعتقدون أنه كان بإمكان الحكومة إيجاد حل آخر بدلاً من الوصول إلى حافة الهاوية؟
- لا شك في أن البدائل موجودة، نحن في الجزائر نمتلك العديد من الموارد، رغم أنها بدأت تتآكل، ففي صندوق ضبط الإيرادات حوالى 3000 مليار دينار، ونمتلك احتياطي صرف يقدر بحوالى 145 مليار دولار، ونملك في الصناديق الخاصة ما يقارب 140 مليار دولار. المطلوب فقط إدارة هذه الموارد بطريقة سليمة، نحتاج فقط إلى حكام ورجال دولة، يخافون على مصلحة الجزائر.
والمشكلة في الجزائر، أننا دائماَ نتجه إلى أبسط الحلول، وهي اللجوء إلى جيب المواطن لتمويل العجز في موازنة الدولة. المشكلة الحقيقية التي نحاول التنبيه إليها هي أن الحكومة، وفي حال استمرارها على هذا المنوال، لن تتمكن من تسديد الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام. وقد سمعنا من وزير العمل أن التوظيف قد جمد في القطاعات الحكومية. أعتقد أن هذا تحضير للسنوات العجاف، التي قد تعيشها البلاد مستقبلا في حال الاستمرار في هذه السياسات الخاطئة.
* برأيكم هل من حل في الأفق لتعديل أو تعطيل هذا القانون؟
- مارس العديد من نواب المعارضة في البرلمان ضغوطاً من أجل رفض هذ القانون، الذي يبيع البلاد والعباد، بعد تلك القرصنة التي مورست عليه من قبل وكلاء الحكومة. واليوم المعارضة تحاول بشتى الطرق توقيف هذا القانون، وقد بدأنا بحملة تواقيع تطاول جميع النواب المعارضين، والذين رفضوا هذا القانون، وتحضير لائحة تعارض هذا القانون وإرسالها إلى رئيس الجمهورية، بصفته الآمر بالصرف، كما خاطبنا المجلس الدستوري وأرسلنا لائحة بالخروقات التي سجلت في أثناء مسار المصادقة على مشروع هذا القانون في المجلس الشعبي الوطني. وبالتالي يجب أن يتحمل الجميع المسؤولية التاريخية أمام الشعب الجزائري.
اقرأ أيضاً:الجزائريون يدفعون ثمن سياسة "شراء السلم الأهلي"