لحظة

20 ديسمبر 2014
أرادت أن تكون راقصة باليه (غريغوري ريك/Getty)
+ الخط -
تحمّس لارتداء الروب الأبيض الذي جلبته له الممرّضة. بدا له الأمر أشبه بهدية جميلة، وإن كان لا ألوان فيه، ساعدته والدته على خلع كنزته الحمراء وبنطاله الأخضر، ارتدى الروب ورأى نفسه أشبه بطائر، مد يديه وصار يحركهما كأنه يطير، وهو جالس على سرير أبيض مغطّى بملاءات لا رائحة لها. في المستشفيات، تختفي رائحة مسحوق الغسيل، كأن لا أمهات تعتني بهذه التفاصيل، أو أنه لا شرفات للتباهي برائحة الغسيل.

فرح بشخصيته الجديدة، صار قادراً على التحليق كالكائن الذي لطالما أحبّه، يغني أغنية ماجدة الرومي "طيري طيري يا عصفورة". بعد قليل، جاء الشاب لينقله إلى مكان آخر، جلس ووالدته على سرير متحرّك، كان سعيداً به أيضاً، لا يريد للرجل الذي يجرهما أن يتوقف، وصلوا إلى غرفة كبيرة تحت الأرض، الناس هنا كثر، يتحركون بسرعة، غالبيتهم يرتدون ثياباً خضراء اللون. كان على الطبيب أن يأخذه، حمله على عجل، أخبره أن والدته ستلحق به، بكى. لماذا قد يأخذه؟ هل يخطفه مثلاً أم أن والدته تخلّت عنه؟ صار يمده يديه إليها، لم يعد يطير، بدا مكسوراً. حدث كل هذا في لحظة.
---

أحبّها، لم يرغب في تجربة كهذه، لكنه أحبّها، لم يكن يشبه أحداً، إلا أنه صار مثل كثيرين فجأة، أهداها قبل فترة "سي دي" سجل عليه أغنياته المفضلة. اتفقا على أن يستمعا إليه في الوقت نفسه، صار يشعر ولا يفكر. وإذا ما فكّر قليلاً، ضحك على نفسه، لكنه كان متمسكاً بسعادته. عادة ما لا يكثر من الابتسامات، غريب أمره، صار يضحك كثيراً لأجلها، أراد أن يستحقّها. حدث ذلك الشيء، كأنه جلس بدوره على السرير المتحرّك، أو ربما جلست هي ورحلت. انتهي كل شيء، بكى أيضاً. حدث كل هذا في لحظة.
---

هي ليست حامل. لكن الطفل يركلها، تشعر به. هل تُصدّق الفحص وتكذّب إحساسها؟ حسناً، يركلها برفق، ربما يدغدغها، ستعترف أنه غير موجود. لكنها تريده، قبل ثلاث سنوات، أخبرها الطبيب أنها لا تعاني من أية مشاكل، زوجها أيضاً. لكنها لم تنجب. أهو لغز؟ لا تواؤم بين جسديهما، هكذا فسره أحدهم. لكنهما يحبان بعضهما بعضاً. زارت طبيبها مجدداً. هذه المرة أخبرها بوجود مشكلة، لم ينجح العلاج. كانت تجلس على السرير المتحرّك عينه، نظر إليها وأخبرها أنها لن تنجب أبداً، هو من ركلها، بكت. حدث كل هذا في لحظة.
---

حين كانت طفلة، أرادت أن تكون راقصة باليه. في لحظة أيضاً، أخبرتها والدتها أن ذلك غير ممكن، لن تسمح لها بارتداء ثوب الرقص الذي يشبه "المايوه"، لن تقبل أن تتعرّى. اللحظةٌ غيّرت مجرى حياتها. هذا ما تفعله لحظاتنا بنا.
المساهمون