لبنان 2017: انتهاكات وإنجازات قانونية

20 ديسمبر 2017
في تشييع أحد العسكريين اللبنانيين (باتريك باز/ فرانس برس)
+ الخط -

أيام عدّة تفصلنا عن العام الجديد 2018. ماذا يحمل لنا؟ وماذا نتوقّع منه؟ سؤالان لسنا في وارد طرحهما هنا، بل نحاول استرجاع أبرز محطات عام 2017 في لبنان.

لم ينعكس المشهد السياسي المريح في لبنان خلال عام 2017، على القضايا الاجتماعية التي ظلت رهينة الخلافات المتعددة التي منعت معالجتها أو على أقلّ تقدير الحدّ من آثارها السلبية على المواطنين. واستمرّ اعتماد خيار تأجيل انفجار أزمة النفايات من خلال بحث توسعة المطامر التي أُنشئت في عهد حكومة الرئيس تمام سلام، في حين واصل عدد ضحايا الرصاص العشوائي وجرائم القتل في الارتفاع، وكذلك استمرّ الاستغلال السياسي والاقتصادي للاجئين السوريين المقيمين في لبنان مع بقاء الأحوال الإنسانية والقانونية للاجئين الفلسطينيين على حالها من دون أيّ تعديل في السياسات التمييزية بحقهم.

وشهد العام الذي يشارف على نهايته، ختام المأساة الإنسانية والاجتماعية لأهالي العسكريين اللبنانيين الذين كانوا مخطوفين لدى تنظيم "داعش" الإرهابي. لكنّ ختام هذه المأساة كان بفاجعة الكشف عن قتلهم من قبل مختطفيهم ودفنهم في الجرود المتداخلة بين الأراضي السورية واللبنانية شرقيّ البلاد. كذلك شهدت المنطقة الحدودية عودة سكان بعض البلدات الحدودية في لبنان وسورية إلى أراضيهم برعاية حزبية، في ظلّ استمرار التقصير الرسمي في تأمين سبل الإقامة الكريمة للسكان. كذلك تسلّمت استخبارات الجيش من أهالي بلدة عرسال وفاعلياتها، جرس كنيسة و11 كتاباً دينياً قديماً بلغات مختلفة، تعود كلها إلى دير معلولا في سورية.

وقد دفع جزء من اللاجئين السوريين المقيمين في بلدة عرسال ثمناً إنسانياً واجتماعياً كبيراً للتسويات ولعمليات التبادل التي نظمها حزب الله مع جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيين. وفي السياق، أكّدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تُعنى بحقوق الإنسان في 20 سبتمبر/ أيلول 2017 أنّ "الاضطهاد" دفع آلاف اللاجئين السوريين إلى القبول بمغادرة بلدة عرسال الواقعة عند حدود لبنان الشرقية مع سورية، إلى محافظة إدلب السورية.

وفي مناطق أخرى من البقاع، أنذر الجيش اللبناني أكثر من 10 آلاف لاجئ بنقل مخيّماتهم الصغيرة إلى مسافات "آمنة" بعيداً عن الطرقات الرئيسية ومراكز الجيش والقوى الأمنية "من دون خطة واضحة حول المكان الذي سيتجهون إليه" بحسب "هيومن رايتس ووتش". ونتيجة عشوائية إقامة اللاجئين السوريين في المخيّمات، اندلعت حرائق عدّة ناتجة عن استخدام المواد المستخدمة للتدفئة أو عن احتكاك كهربائي، وقد أدّى أكبرها في الشهر الأخير من العام إلى مقتل تسعة لاجئين في محافظة البقاع.

مخيّم عين الحلوة في أبريل/ نيسان 2017 (راتب الصفدي/ الأناضول)


أمّا في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، فقد تكرّرت الاشتباكات المتفرّقة في مخيّم عين الحلوة جنوبيّ البلاد، في حين عمد المتقاتلون إلى اقتحام مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتمترسوا فيها بعدما هرب التلاميذ منها. كذلك، شهد العام وفاة عدد من اللاجئين الفلسطينيين بسبب المضاعفات الصحية الناتجة عن تأخّر نقلهم إلى مستشفيات مُجهّزة بحسب سياسة الاستشفاء الجديدة التي أقرّتها الوكالة نتيجة "نقص في التمويل". تجدر الإشارة إلى أنّ التعاطي الرسمي اللبناني سجّل تقدمّاً وإن شكلياً في قضيّة اللاجئين الفلسطينيين، عبر إقرار القوى السياسية "الرؤية اللبنانية الموحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان" وإطلاق مشروع "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان".

بعيداً عن قضايا اللاجئين، تصدّرت منطقة حيّ السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت عناوين الأخبار طوال أسابيع، بعد عملية إزالة محال ومنشآت مُخالفة في المنطقة خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول. وخصّصت وسائل إعلام عدّة مساحات واسعة من التغطية لمعالجة الشقّ السياسي من الملف، إذ إنّ المنطقة محسوبة سياسياً على حزب الله. وسقطت من الاعتبار الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي أدّت إلى تحوّل حيّ السلم إلى حيّ عشوائي لا يخضع لأيّ من معايير التنظيم المدني.


واستمرّ إطلاق النار العشوائي في مُختلف المناطق اللبنانية، الأمر الذي أدّى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من دون أن تتمكّن الأجهزة الأمنية من ضبط الوضع. كذلك وقعت جرائم غريبة من قبيل قتل أحد الشبان بائعَي قهوة إذ لم يحضّرا مشروبه الساخن كما أراده. وقع ذلك في إبريل/ نيسان الماضي في منطقة قبّ الياس في البقاع. وفي العاصمة بيروت، لاحقت سيارة الشاب روي حاموش بسبب خلاف على أفضلية مرور وقُتِل بالرصاص. كذلك قُتل طفلان في بعلبك وفي بيروت بالرصاص الطائش، من دون توقيف القاتلين. وهذه مجرّد أمثلة.

في سياق متّصل، توفيت لاجئة سوريّة لا تملك أوراقاً ثبوتية، بعدما رمت بنفسها من الحافلة التي كانت تستقلها وقد حاول السائق ابتزازها جنسياً. كذلك تعرّضت شابة لبنانية للقتل على يد الناطور الذي اعتدى عليها. وفي منطقة الرابية شماليّ بيروت، فوجئ السكان بخادمة أجنبية مضرجة بالدماء تحاول الهرب بعدما طعنت مخدومَيها. يُذكر أنّ الزوجة توفيت في حين صمد الزوج. من جهة أخرى، وفي مايو/ أيار الماضي، جرى الكشف عن تحويل لاجئ سوري خيمته إلى غرفة تعذيب لزوجته، فاقتلع أسنانها وحرق أجزاءً من جسدها وغيرها من أفعال وحشية. إلى ذلك، ادّعى قاضي التحقيق الأوّل في بيروت على الفتى القاصر علي يونس بالإعدام، بعد اتهامه بقتل والده وشخصَين آخرين ومحاولة قتل أربعة أشخاص أصيبوا بجروح مختلفة في محلة زقاق البلاط البيروتية بواسطة بندقية صيد.

من جهة أخرى، ناقش مجلس الوزراء توسعة المطامر المؤقّتة التي استُحدِثت قبل عامين على الشواطئ من دون مراعاة أيّ اعتبار صحي أو بيئي. وقد أشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أنّ "عدم اتخاذ السلطات خطوات لإنهاء حرق النفايات في الهواء الطلق في مختلف أنحاء لبنان، يعرّض السكان المجاورين لمواقع الحرق إلى مخاطر صحية، وينتهك حقهم بالصحة".

وعلى الصعيد البيئي كذلك، تواصلت الانتهاكات الجسيمة التي طاولت شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، مع انتهاء المتعهّد من أعمال التشطيب لمنتجع سياحي، في مخالفة لقرارات أعلى هيئة قضائية في لبنان. وقد تواطأ محافظ بيروت مع المستثمر لتمرير عمليّة البناء. إلى ذلك، يواصل المحافظ نفسه تسهيل اقتطاع ما تبقّى من حرش بيروت، وهذه المرّة بحجة تشييد مستشفى عسكري مصري على الرغم من انتفاء الحاجة إليه.

إلى ذلك، سُجّلت فضيحة خطيرة في مستشفى بيروت الحكومي، مع الكشف عن معالجة مرضى السرطان بأدوية منتهية الصلاحية، وعدم توقيف المسؤولة عن استبدال الأدوية وبيع الأصليّة عن العمل إلا بعد عامَين على كشف الموضوع. كذلك سُجِّل تواطؤ رسمي في ملفّ أحد الأطباء المتخصصين في جراحة التجميل والترميم، بعدما قضت امرأة أردنية في أثناء إجرائه جراحة تجميلية لها. وقد جرى تحذير وسائل الإعلام من التطرّق إلى الملف تحت طائلة التغريم.

نفايات في بيروت في سبتمبر/ أيلول 2017 (حسين بيضون)


وعلى الصعيد الحقوقي، تميّز العام بدعوة وزير الداخلية إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام وبإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي تعفي المغتصب من جريمته في حال الزواج من الضحية، وسط مطالبة نسوية وحقوقية بإلغاء مواد أخرى تحمل المضمون نفسه للمادة المُلغاة.

إلى ذلك، واجهت عاملات منازل أجنبيات الترحيل بسبب إنجابهن أطفالاً في لبنان، وهو ما لقي انتقادات حقوقية واسعة. وجرى في سياق آخر، تغريم أحد المستشفيات بتهمة "إساءة استعمال الحقّ في التقاضي"، بعد ادعاء والد الطفلة إيلا طنوس عليه بالإهمال الذي أدّى إلى فقدن الطفلة الصغيرة أطرافها الأربعة. وقبيل انتهاء العام، صدر حكم بالإعدام في حقّ قاتل المواطن جورج الريف، بعد أكثر من عامَين على الجريمة الفاضحة التي وثّقتها عدسات المواطنين، وعمد فيها الجاني طارق يتيم إلى تعنيف الريف في الشرع حتى وفاته أمام زوجته. وقد نجحت الجهات الأمنية اللبنانية بإلقاء القبض على سائق سيارة الأجرة "أوبر"، طارق ح. المتّهم بقتل الدبلوماسية البريطانية في بيروت ريبيكا دايكس ليلة 15 - 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

ويبقى أنّ مأساة أهالي المفقودين والمختفين قسراً في الحرب الأهلية اللبنانية لم تنتهِ بعد، وقد تخلل العام إصدار أغنية بعنوان "لا ضليت ولا فليت" للتذكير بمأساتهم المستمرّة منذ عام 1975.